تتجلى مظاهر الرحمة في تعاليم الإسلام عندما ننظر في عنايته الفائقة الشاملة بالإنسان في كل أحواله وأطواره ومهما كانت الفئة التي ينتمي إليها. فالإنسان هو محور رسالة الإسلام تكرس عباداته ومعاملاته وكل الهدي الذي جاء به من عند الله سيدنا محمد ـ عليه الصلاة والسلام ـ غاية واحدة ألا وهي إسعاد الإنسان السعادة الكاملة والحقيقية: جسدا وروحا وعاجلا وآجلا، فدرء المفسد عنه وجلب المصلحة له هي جوهر الإسلام ولبه.
وقد اهتدى أهل الذكر من علماء الأجساد أي الأطباء وغيرهم إلى فوائد جمة ومصالح كثيرة تتحقق للمسلم بهذه الحركات في الصلاة التي تسبقها طهارة ونظافة حسية فعلية وكذلك الشأن بالنسبة للحج فإنه يريد القائم به نشاطا وحيوية وصحة وعافية، أما الصوم فهو المصحة المجانية التي يدخلها المسلم الصحيح المعافى كل عام لمدة شهر كامل، هي استراحة للجسم من آفة الأكل بنهم وشراهة على امتداد أحد عشر شهرا، إذ المعدة بيت الداء والحمية رأس الدواء، وما ملأ ابن آدم وعاء شرا من بطنه، وبحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه فإذا كان ولا بد فثلث للطعام وثلث للماء وثلث للنفس، والمسلم العاقل يأكل ولا يسرف، ولا يأكل إلا عندما يجوع وإذا أكل فلا يشبع انه هدي نبوي قويم أثبتت الأيام والتجارب والتقدم العلمي تطابقه مع قواعد حفظ الصحة.
التداوي والأخذ بالأسباب من هدي الإسلام
والإنسان في هذه الحياة يمكن أن يصاب في بدنه فيضعف بعد القوة ويعتل بعد السلامة وقد يكون ذلك بسبب الإهمال وقلة العناية وقد يكون ذلك متأتيا من عوامل خارجة عن إرادة الإنسان بوراثة وغيرها وفي كل الحالات، فإنه لابد من تعاطي الأسباب فإن الله تبارك خلق الداء وخلق الدواء وقد أمر رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بالتداوي (ألا فتداووا يا عباد الله) وقد تمكن الإنسان عندما أخذ بالأسباب من قديم الزمان من التغلب على الكثير من الأمراض والعلل أو التخفيف من حدتها وشدتها وذلك عن طريق الأطباء وما يأمرون به ويدعون إلى استعماله من أدوية يصفونها للمريض حققت له في الكثير من الأحيان الشفاء مما كان يعانيه قبل عرض حالته على الطبيب. ولا يقول عاقل أن ذلك يخالف مقتضيات الإيمان بل العكس هو الصواب فالأخذ بالأسباب وتغيير ما بالنفس «إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم» هو ما دعا إليه الدين الحنيف وذلك هو صميم التوكل على الله.
الإسلام دين التراحم
والإسلام الذي هو دين التراحم والتضامن والتعاون على البرّ والتقوى يجعل من المسلمين أشبه ما يكون بالجسد الواحد الذي يتداعى كل أعضائه بالسهر والحمى عندما يصاب منه أي عضو مهما كان صغيرا.
يهب المسلمون للقيام بمساعدة من يصاب منهم في جسده أو غيره للتخفيف عليه وجعله يشعر أن هنالك من يحس معه بتلك الآلام والأتعاب التي يعانيها وقد جعل الله هذا الشعور بالآلام جبلة في أصول الإنسان وفروعه أما وأبا وأبناء وبناتا ويمتد ذلك الشعور اللاإرادي إلى الأقارب وذوي الأرحام ويجعله الإسلام يشمل كل المؤمنين فهم رحماء بينهم لا يكون الواحد منهم مؤمنا حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه، ومن لا يرحم لا يرحم والراحمون يرحمهم الرحمان ويجعل الإسلام من هذا الباب (التراحم بين المؤمنين) مجالا فسيحا لاكتساب الأجر والثواب يتنافسون عليه ولا يبتغون من وراء القيام به جزاء ولا شكورا وما أكثرها الآيات البينات والأحاديث الشريفة التي تدعو المسلم إلى بذل المعروف الذي لا يمكن احتقار الشيء القليل منه فالأعمال بالنيات ويبلغ المرء بنيته ما لا يبلغه بعمله، ونية المرء خير من عمله ويمكن أن يكون هذا المعروف كلمة طيبة ودعوة بخير تصادف ساعة قبول فيفرج الله ببركتها كرب ذلك المكروب.
إن المبتلى المصاب بمرض أو علة أو إعاقة ليس هو بالعبء على غيره من أسرة وأقارب ومجتمع وليس بالكَلِّ انه باب يفتحه الله تبارك لعباده ليبذلوا من خلاله المعروف ويكتسبوا الأجر والثواب من الله وهكذا لا يشعر المصابون المبتلون بالعزلة والتهميش بل يلمسون فعليا وعمليا تضامنا معهم ورحمة بهم ورقة عليهم من طرف الأقارب وغير الأقارب مما يخفف من معاناتهم ويغلبهم في الكثير من الأحيان على النقص الذي شعروا بهم فيكتشفون طاقات أخرى خلقها الله فيهم يستطيعون الإضافة من خلالها.
إن المبتلين في أجسامهم هم ضعاف والرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ أوصى أمته بالضعاف فقال «أبغوني في ضعفائكم فبهم ترحمون وبهم ترزقون» وهؤلاء المصابون ليس بين دعواتهم وبين الله حجاب وهم حتى وإن لم يدعوا بألسنتهم فإن إسداء المعروف إليهم والحنو عليهم والرفق بهم والتخفيف عليهم بكل الوسائل كل ذلك من صنائع المعروف وأبواب الثواب والأجر الذي يجازي الله عليه في العاجل والآجل، إن صنائع المعروف تقي مصارع السوء وتطفئ غضب الله ويجدها المسلم في هذه الحياة الدنيا فما من معروف يقوم به العبد المسلم إلا ويجد عليه الجزاء من الله الذي لا يعجزه أمر ولا يغيب عن علمه شيء {ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب}.
رعاية المعوق باب من أبواب تحصيل الأجر
إن الإسلام بهديه القويم وأبعاده الإنسانية والاجتماعية يولي المعوقين والمبتلين في صحتهم عناية كبيرة ويجعل من كل أبواب الرعاية لهم من عيادتهم، حيث يقيمون في المنازل أو المستشفيات والمصحات ودور الإقامة والاستراحة. وتقديم العون لهم ماديا باقتناء ما يحتاجون إليه من أدوية وأجهزة ووسائل مساعدة أو الانخراط في أي جهد جماعي يبذل من أجل التحسيس والتوعية بأحوال وظروف هؤلاء المعوقين المصابين في أجسادهم يجعل الإسلام من كل ذلك وغيره بابا عظيم الشأن من أبواب تحصيل الثواب والأجر ينشط في مجاله وميادينه الفسيحة الكثير من الناس. إنه عمل صالح مبرور.
وهل هنالك عمل أصلح وأعظم أجرا وثوابا بعد أداء حق الله سبحانه وتعالى من قضاء حوائج المحتاجين وتفريج كروب المكروبين والتخفيف من آلام المصابين المبتلين؟، إنه عمل وصنيع يرضي الله ويرضي رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ الذي يقول «من لا يرحم لا يرحم».