تكتسي منطقة توات تمي أهمية بالغة في وجدان الأمّة الجزائرية لما تزخز به من موروث ثقافي وديني، فضلا عن موقعها الاستراتيجي كعروس من عرائس جنوبنا الكبير، أرض الكرم والعلم والأدب، وكإحدى بوابات وطننا المفدّى على القارة السمراء.
ومن أوائل المشايخ الشوامخ الذين نزلوا بهذه المنطقة العزيزة القطب الربّاني سيدي مولاي سليمان، الملقب بسلطان تمي، والممدوح بهذه الوصف في المخزون المديحي لسكان أدرار.
وسيدي مولاي سليمان رضي الله عنه سليل الدوحة النبوية الشريفة على صاحبها وآله أفضل الصلوات وأزكى التسليمات ملقب كذلك بـ (أوشن) نسبة إلى الحيّ الذي استقرّ فيه، حيث شيّد زاويته المعتبرة أول زاوية في توات. وما يزال ضريحه الشريف مزارًا بهذا الحي المعروف بأولاد أوشّن في مدينة أدرار المحروسة.
فهو أبو داود سليمان الملقب بأوشن بن مولاي علي الشريف بن أعمر بن أحمد بن محمد بن أبي بكر بن أحمد بن علي بن محمد بن سعيد بن عبد الرحمان بن عيسى بن أبي القاسم بن عبد الله الكامل بن الحسن المثنى بن الحسن السبط بن سيدنا علي بن السيدة فاطمة الزهراء بنت رسول الله ــ صلى الله عليه وسلم ــ ورضي الله عنهم أجمعين.
ولد حوالي سنة 549 هـ التي توافق 1154 م بغزوان بالمغرب الأقصى، وانتقل إلى جوار المولى عزّ وجلّ سنة 670 هـ حوالي 1271م.
وهو من تلامذة الولي الصالح سيدي علي بن حرزهم الذي يُعدّ من كبار الفقهاء، زاهدًا في الدنيا سالكا سبيل التصوف، وهو من أعلام المغرب الإسلامي في هذا المجال، توفي رضي الله عنه في 22 جويلية 1164م. ويذكر أن سيدي مولاي سليمان خرج من مسقط رأسه غزوان، بعد أداء صلاة الجمعة من شهر رجب سنة 580 هـ الذي يوافق حوالي سنة 1185م قاصدا منطقة توات واستقر بتمي.
وظلّ طوال حياته العامرة، مرجعا يؤمّه طلبة العلم من كلّ حدب وصوب، فأخذ عنه خلقٌ كثير، علمي الظاهر والباطن، إذ كان يعلّم القرآن والسيرة النبوية المطهرة والفقه وغيرها من العلوم الدينية واللغوية للراغبين، ويربّي المريدين ليعرّج بهم في مقام الإحسان الى مدارج العرفان. كما ظلّت زاويته مقصدًا لطلاب العلم، وللضيوف وللفقراء على غرار الزوايا التي أنشاها أصحابها خدمة منهم لهذه الأغراض النبيلة، ابتغاء وجه الله الكريم ولتكون متمّمة لأسباب انضوائهم تحت كنف الحديث النبوي الشريف، إذ يقول الحبيب المصطفى ــ صلى الله عليه وآله وسلم ــ «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلاّ من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له».
فقد كانت الزاوية، وستبقى إن شاء الله تعالى بمثابة الصدقات الجارية التي يُبثّ فيها العلم النافع للأبناء الروحيين من طلبة ومريدين.
وأفصح سيدي مولاي سليمان رضي الله عنه على خلوص نيته، وصدق طويته حين قال بنفسه عن حبس زاويته: (كما حبس الديار والقصر وأماكن الطلبة وجميع المرافق التي تحت أيدينا على الزاوية لوجه الله العظيم، وعلى أولادي عبد الحق وعلي وعيسى وعبد الصمد وعبد الله وليس لهم سوى القوت والمسكن واللباس. وأريدُ والله يريد ويفعل ما يريد أن لا ألقى ربّي وكلّ واحد من أبنائي له زاوية والله على ما أقول شهيد).
وقد تميّزت زاويته بكثرة الإنفاق وإطعام الفقراء والمعوزين، علاوة على الطلبة والمريدين وقوافل الحجاج التي كانت تنقل أصحابها إلي هذا المنهل الرقراق، للاستفتاء عن مسائل الحج، وفتاويه، زيادة على أخذ قسط من الراحة والاستجمام، في حسن ضيافة وكرم وفادة. لقد كانت الزاوية بحق مقرًا للعلم والتعليم، ومحطّة للعبادة والتصوف، وازدانت بمكتبة عامرة بمصنفات شريفة، وعناوين متعددة من الكتب في شتى التخصصات، وهي ما تزال قائمة والحمد لله، داخل قصر أولاد أوشن الذي يقصده الزوار للتبرك بهذا الولي الصالح سيدي مولاي سليمان بن علي قدّس الله سره حيث ضريحه الشريف.
كما تقام له سنويا زيارة بتاريخ 16 ماي بحضور الوفود من كل منطقة، إحياء لذكراه العطرة،واستدرارا لنفحات وبركات مولاه جلّ في علاه الذي عظمّ قدره وخصّه بفضل عظيم، وخير عميم.
والحديث عن ولاية أدرار حديث عن علماء عاملين وأولياء صالحين تزخر بهم كتب أهل القوم ولعل سيدي الحاج محمد بلكبير رضي الله عنه، أقرب إلى ذاكرة الأجيال الحالية لتردد اسمه الشريف على الدوام، لاسيما وأن مطار أدرار منسوب إليه.
فاللّهم أفض على سيدي مولاي سليمان بن علي من كرمك وجودك ما يرضيه وفوق الرضى، وأعد علينا من بركاتهم وكراماتهم، وانفعنا بعلومهم الظاهرة والباطنة.
بلقاسم آيت حمو