في سنة 1968 تم إحياء ألفية تأسيس مسجد سيدي أبي مروان الشريف بعنّابة، وفي شهر ماي 2013 بدأت أشغال الترميم به لتستغرق، إن شاء الله تعالى، ثمانية عشر شهرًا بما في ذلك منح المقام الشريف ما يستحقه من عناية خاصة، نظرًا للمكانة المرموقة التي يتبوؤها صاحبه، والمنتسب إليه المسجد، سيدى أبو مروان الشريف البوني أفاض الله عليه من كرمه وجوده ما يرضيه وفوق الرضى.
ولقد أحببت أن أخطّ هذه الكلمات المقتضبة تبركاً به، واستدرارًا لإمدادات المولى عزّ وجلّو فيوضاته وخيره الأعمّ، بالحديث عن وليّه الصالح هذا الذي طبّقت شهرته الآفاق وسكن من أفئدة محبيّ أهل الله وخاصته الأعماق.
وإِذا كان أولياء الله، عرائس الرحمن، من مختلف الطبقات، وشتىَ المقامات، قد حظوا من مولاهم سبحانه وتعالى بأجلّ وأعلى المكانات، واستحقوا أن يكون مجرّد ذكرهم سببا في الفوز بالرحمات، وان تكون زياراتهم القلبية، أو قلبا وقالبا مدعاةً لنبيل الخيرات والبركات، مصداقا لقول أحمد العارفين بالله:
أسرد حديث الصالحين وسمّهم فبذكرهم تتنزّل الرحمـاتُ
واغش مجالسهمّ تنلْ بركاتِهم وقبورهم زرها إذا ما ماتوا.
إذا كان هذا حال أولياء الله كافة، رضوان الله عليهم، فإنّ بعضهم تميّز بخصائص شائعة ذائعة، ومن هؤلاء الأربعة الذين ذكرهم سيدي الحسين الورثيلاني رضي الله عنه في رحلته الشهيرة، إذ قال إن الدعاء مستجاب بإذن الله، في مقامات سادتنا سيدي أبومدين الغوث بتلمسان، سيدي أبو مروان بعنّابة، سيدي يحيى أبو زكريا الزواوي ببجاية، وسيدي معروف الكرخي ببغداد.
وهكذا نجد أن ثلاثة منهم موزعون على شرق الجزائر، وغربها ووسطها.
فسيدي أبومروان الشريف رضي الله عنه قرشي النسب، أندلسي المولد قبل ان يصبح بونيا جزائريا.
فقد ولد بإشبيلية عام 439 ه الذي يوافق 1047م، وتوفي بعنابة (بونة) عام 502 ه الذي يوافق 1108م وقضى سنوات حياته البالغة واحدًا وستينا، في الانتفاع بمختلف علوم عصره، والنفع بها حتى جاد الله جلّ جلاله عليه بمرتبة القطبية.
فهو فقيه متضلع، ومحّدث حافظ، ومفسّر مشهود له بالاجتهاد والتوفيق فضلاً عن تلك الدرجة السامية العالية التي حباه الله بها في مجال مقام الإحسان والتصوف، إذ هو من العارفين به والدالين عليه.
وممن أشادوا بفضله، وبعلومه الكسبية والوهبية العلاّمة سيدي أحمد بن قاسم البوني رضي الله عنه، الذي جمع في أبيات معدودة خصاله وخلاله ومنافعه الممدودة، إلى أن قال:
وعند قبره الدعاء مجابُ ذَكَـــرَهُ أئِمـّةٌ أنجَـــابُ
لا سيما بعد صلاة العصر من يـوم الجمعة بهذا الحصر
كذا سَمِـعْنَا مـن الإمــام سيّدنـــا محــمّد الــتمتـــام
اجْعلنا إلهَنا من حزبـه ولا تباعد بنــا عن قربه
فالقرب بالأرواح هو المعتبر والبعد للجسم لدينا مغتفر
هذه نبذة ميمونة مختصرة، عن علم من أعلام الجزائر البررة، ولا بدّ - قبل الختام - الإشادة بإخلاص وتفاني وصدق نية، وحسن طويّة الشريف سيدي هاشمي راشدي عبد الرزّاق المشهود بشرف أصوله بعنّابة، والذي أقامه الله، بجوده وكرمه، خادمًا للمقام الشريف، وقد صادفت ذكرى ميلاده الذكرى الخمسين لاستعادة الاستقلال، واسترجاع السيادة الوطنية، جزاه الله عن خدمة المسجد والمقام الجزاء الأوفى في الدارين.
الجــزائــر المــحروســة
بــلقــاســم أبــو مــحــمد