كان الإسلام - ومازال - سباقًا في محاربة الرذائل والفساد، والمحافظة على إنسانية بني البشر، وسعى دائمًا إلى إحلال السلام في الأرض دون خنوع أو انكسار، وأتت تعاليمه معلنة القوة في غير كبر والرقة في غير ضعف، وأمن الإسلام على دماء أبنائه، كما أمن دماء غير المسلمين من أهل الذمة والمعاهدين. ولعل من يدرس الإسلام يجد ذلك واضحًا لأول وهلة من القراءة.
فالشريعة الإسلامية اهتمت بتحقيق أمن الأرض ومن عليها وما عليها، فاحتوت جملةً من التشريعات التي تبين أحكام الاعتداء على الإنسان والحيوان والبيئة، وقد جرّم الشارع الاعتداء على ذلك كله، فقال سبحانه: {ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها}، وقال تعالى: {ولا تَعثَوا في الأرض مفسدِين}، وقال جل شأنه: {ومِن الناس مَن يُعجبُك قولُه في الحياة الدنيا ويُشهد اللهَ على ما في قلبِه وهو ألَدُّ الخصامِ. وإذا تولَّى سعَى في الأرض ليُفسد فيها ويُهلك الحرثَ والنسلَ واللهُ لا يحب الفساد}. وقال عزَّ مِن قائل: {ولا تطيعوا أمر المُسرِفين. الذين يُفسدون في الأرض ولا يُصلحون}.
ومما يدل على عِظَمِ جُرم الإفساد في الأرض أن الحق سبحانه جعله بمثابة محاربته ومحاربة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإذا كان الحق سبحانه لا يُحارَب ولا يُغالَب، لما هو عليه من صفات الكمال ولما وجب له من التنزيه عن الأضداد والأنداد، فإن محاربته سبحانه في الآية التالية مجازٌ عن محاربة عباده، فعبَّر بنفسه سبحانه عن عباده إكبارًا لجُرم الاعتداء عليهم. ومن الإفساد في الأرض ترويعُ الآمنين وإخافتُهم أو قتلُهم أو الاعتداءُ عليهم، مسلمين كانوا أو ذِمِّيِّين أو معاهَدِين. وقد بيَّن الحق سبحانه الجزاء الدنيويَّ والأخرويَّ الذي يستحقه كل مفسد في الأرض ـ سواء قتَل فقط، أو أخاف السبيل وروَّع الآمِنِين، أو أخَذ المال فقط، أو قتَل وأخَذ المالَ ـ وذلك في سورة المائدة فقال تعالى: {إنما جزاءُ الذين يحاربون اللهَ ورسولَه ويَسعَونَ في الأرضِ فسادًا أن يُقتَّلوا أو يُصلَّبوا أو تُقطَّعَ أيديهم وأرجلُهم من خِلافٍ أو يُنفَوا من الأرضِ ذلك لهم خزيٌ في الدنيا ولهم في الآخرة عذابٌ عظيم}. قال ابن عباس في تفصيل الجزاء الدنيوي للمفسدين في الأرض: إذا قتَلوا وأخَذوا المالَ قُتِلوا وصُلِبوا، وإذا قتَلوا ولم يأخذوا المال قُتِلوا ولم يُصلَبوا، وإذا أخَذوا المال ولم يَقتلوا قُطِعَت أيديهم وأرجلُهم من خِلافٍ، وإذا أخافوا السبيلَ ولم يأخذوا مالًا نُفُوا من الأرض. ورُوي عن عمرو بن الحَمِق أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من أمَّن رجلًا على دمه فقتله فأنا بريءٌ من القاتل وإن كان المقتول كافرًا». ورُوي عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ قال: «من قتل معاهَدًا لم يَرَحْ رائحة الجنة، وإن ريحها ليوجد من مسيرة أربعين عامًا».
ورُوي عن أبي بكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من قتَل معاهَدًا في غير كُنْهِهِ حرم الله عليه الجنة». فهذه الأحاديث وكثير غيرها يدل على عصمة دماء غير المسلمين في دولة الإسلام، فالاعتداء عليهم كالاعتداء على المسلمين، يستوجب فاعلُه العقابَ الواردَ في آية المائدة السابقة، وهو عقاب دنيويّ وأخرويّ، فمن لم يُقَمْ عليه الحدُّ في الدنيا استوجب العذاب العظيم بجُرمه في الآخرة.
سعى دائمًا إلى إحلال السلام في الأرض
من الإفساد في الأرض ترويعُ الآمنين وإخافتُهم أوقتلُهم أوالاعتداءُ عليهم
شوهد:1316 مرة