اعتاد أغلب الشباب الجزائري العمل، حيث يختار المهن السهلة التي تجلب له رزقا يِؤّمن له معيشته، وأصبح يتهافت على مناصب عمل مؤقتة أو تجارة موازية، في حين هناك مهن وحرف متوارثة أب عن جد تستهوي بعض الشباب.
الظاهرة وجدناها عند فئة الشباب الذي كانت لنا معهم هذه الدردشة التي تعكس تجاربهم الخاصة في ميادين عديدة.
محمد أمين .م 27 سنة :
'' توفي الوالد بعد مصارعة شاقة مع المرض، حينها عرفت معنى الاعتماد على النفس رغم صغر سني وقررت جلب قوت عالتي، كنت أساعد خالي في مخبزته المتواضعة في أيام العطل الموسمية والسنوية منها، ثم أصبحت أقصد المخبزة عند انتهائي من مراجعة الدروس، ومن هنا نمت فيّ الروح العملية ملء أوقات الفراغ. وفي المرحلة الثانوية أدركت أن مستواي الدراسي محدود ولم يكون لي إلا خيارا واحدا، ألا وهو التسجيل في أحد مراكز التكوين والتمهين،
ولأني دخلت عالم الشغل من بوابة مخبزة الخال، فلم يكن أمامي سوى التخصص في صناعة الحلويات خاصة بعدما اكتسبت معرفة متواضعة في هذه المجال، اتجهت إلى مدرسة خاصة وتكونت فيها مدة ستة أشهر كانت كافية بالنسبة لي في اكتساب مهارة جديدة في صنع مختلف أنواع الحلويات، أصبحت أعمل عند خالي الذي لم يبخل عليّ يوما بتشجيعه لي، ما منحني ثقة كبيرة بنفسي وزاد من حبي لهذا التخصص، وجعلني أكرس جل وقتي لهذه المهنة، والحمد للّه قمنا بتطوير المحل وكثر زبائنه الذين يقصدوننا من مختلف المناطق لاقتناء طلباتهم المتمثلة خاصة في الحلويات التقليدية.
وفي الأخير أنصح كل الشباب الذي ضاقت به السبل، أن الأمر يتطلب الركون لليأس بل عليه أن يعمل ليتجاوز المحن التي تصادفه في حياته، لأنها ضبابه تنقشع بجرعة من الأمل والصبر والتحدي بما نملكه بين أيدينا . وفي الأخير أعد الجميع أن أعمل بكل إخلاص وأحافظ على هذه المهنة التي ورثتها على خالي حفظه اللّه لنا جميعا''.
عـبد القـادر 28 سنـة:
''في مدة قصيرة جدا لم تتجاوز سنة أصبح فنانا على آلة ''الدربوكة''، لم ينجح في دراسته وغادر مقاعد الدراسة في سن مبكرة.
الشاب يقول أن الوالد هو من ساهم في جعله فنانا على هذه الآلة الموسيقية دون أن يشعر ''فالتدريبات التي يقوم بها قبل ذهابه لإحياء السهرات الشعبية في حفلات الزفاف مع المجموعة المتخصصة في اللون هي السبب الأول والوحيد الذي غرس فيه حب هذه الآلة و''دندناتها'' داعبت حسي الفني وأعماقي. حتى أصبح الوالد يعرض عليّ مساعدته وتجريب هذه المهنة''.
بشــير . س، 25 سنــة:
''بابتسامة عريضة، وبرحيق الزهور التي يملأ عبقها أرجاء محل أبيه استقبلنا ولم يبخل على ''صفحة شباب بلادي'' بالإدلاء بما دفعه إلى بيع الزهور، ليخبرنا أنه ألف هذه المهنة، منذ الصغر وأكد لنا قائلا: ''لا أخفي عنكم أن هذه المهنة ورثناها أبا عن جد، لو قصدتم المحل منذ أربعين سنة لوجدتم هنا أبي وجدي رحمه اللّه، كما أنها مصدر رزق كل العائلة، فقد تربينا وكبرنا على غرس الزهور والورود والاعتناء بها وتسويقها وبيعها، كوننا نملك مشتلة ببني تامو بالبليدة المعروفة طبعا بمدينة الورود، أضيف لكم أني لا أرى نفسي أمتهن غيرها رغم أنني أنهيت دراستي وتحصلت على شهادتي الجامعية التي تمنيت أن تكون في الفلاحة لكن معدلي في البكالوريا حال دون ذلك .
وكم تكون سعادتي بقدوم فصل الربيع والصيف حين تكثر المناسبات ما يجعلنا نتفنن في صناعة باقات الورود التي تطبعها فرحة الزبائن عند شرائها''.
بشير يخاطب الشباب ويطلب منهم الولوج إلى عالم الأزهار والنباتات بصفة عامة ليتعرفوا على الجمال والسرّ التي تخبئه هذه المهنة كونها يقول ـ نرى أغلب الشباب يتجه إلى التجارة الموازية السهلة والمهن المناسباتية، في حين لا نجدهم يعيرون أي اهتمام لهذه المهنة أو الحرفة ـ إن صح القول ـ''، ولهذا أناشد الشاب الجزائرى أن يطلع على هذا المجال وسيكتشف حتما خباياه الساحرة ولن يندم أبدا.