تشكّل رغبات الشباب في التوجه نحو التكوين المتخصّص، لولوج عالم الشغل حتمية لابد منها، للمشاركة في التنمية بشقّيها الاقتصادي والاجتماعي أو كسب ثقة المجتمع في الشاب، ويفرض الوقت الحالي على الشباب واجبا اجتماعيا قد تمليه العادات والتقاليد قبل الحاجة إلى المادة، التي تعتبر عاملا ثانويا في نظر البعض ممّن التقت بهم «الشعب» وحاورتهم في الموضوع.
يقول حسين جهير متمهّن في حرفة الخشب من ولاية باتنة، إنّ انقطاعه عن الدراسة دفعه بالتوجه إلى اختيار المهنة ضمانا لحياة اجتماعية ومكانة في وسط الأسرة التي من عاداتها تفضيل الشاب النشيط رغم الحالة المالية المتحسنة، واعتبر العمل واجب وشرف قبل أن يكون حق من الحقوق التي تمليها الظروف.
ويعوّل الشاب حسين كثيرا على الحرفة التي يمتهنها مع كثير من الأصدقاء الذين فضّلوا حرف أخرى حسب رغباتهم، ويأمل أن تكون المهنة فرصة للمشاركة ولو بقليل في إنتاج الأثاث المنزلي الذي يحمل طابعا مغاربيا إسلاميا يرمز إلى الهوية الوطنية العربية والأمازيغية، كما يحمل نقوشا دلالية، إذ يذكر أنّ الكثير من الزبائن يفضّلون الأثاث المحلي على الأجنبي.
وبعيدا عن مهنة الخشب اليدوية، فضّل الشاب سهيل بن قرشية ابن مدينة برج بوعريريج صاحب 21 ربيعا، تفضيل مجال التحكم في تقنيات المحاسبة والتسيير، وهي مهنة لا تقل أهمية عن نظيراتها في سوق الشغل، فهو طالب بمعهد خاص تابع لمجمع سوناطراك، المتخصّص في قطاع المحروقات، بالإضافة إلى كونه يواصل تكوينا عن طريق المراسلة بالمعهد الوطني المتخصص بولاية برج بوعريريج.
وعن تفضيله لمعهد خاص، قال سهيل أنّ الظروف الحسنة المقدمة للمتربصين والبرامج التعليمية الجيدة دفعته لاختيار المعهد، وهي حوافز تستميل كل متربص لضمان تكوين أمثل، بالإضافة إلى الأسرة التربوية المتكونة من أساتذة أكفاء في التخصص المطلوب الذي يدوم ثلاث سنوات يتوّج صاحبه في النهاية بدبلوم متخصّص يسمح له بولوج عالم الشغل. ويأمل سهيل في أن نجاحه معلّق بفرصة العمل التي يصبو إليها كل شاب، من خلال دراسته والمشاركة في الحياة العملية.
من جهته، يرى الشاب محمد لعبدي من ولاية أدرار الجنوبية، المتربّص في مركز التكوين المهني في تخصص نجارة الألمنيوم، ببلدية جسر قسنطينة بالعاصمة، أنّ امتهان الحرفة يعتبر كسبا للرزق أكثر منه واجبا تمليه العادات أو الأعراف. ويقول الشاب أن ظروف الصحراء القاسية، تفرض على الإنسان ضمان قوته، سيما بعد الانقطاع عن الدراسة، ولا يرى سبيلا إلى ذلك ماعدا التوجه نحو أماكن العمل.
وبخصوص طموحات لعبدي فإنّ إنشاء مؤسسة مصغّرة في ولايته هو أكبر أمل يتجدّد كلما توجه إلى المحل الذي يتمهن فيه وكله أمل في أن تحقق أمنيته في توفير فرص عمل لأبناء الصحراء ممّن لم يحالفهم الحظ في التنقل إلى ولايات أخرى رغم وجود بعض التخصصات في المنطقة، إلاّ أنّ الظروف الحسنة تبقى هي العامل الوحيد الذي يدفع بالشاب نحو الأفضل.
وتوفر مراكز التكوين المهني التي تشرف عليه وزارة التكوين المهني فرصا أكبر للشباب الطامح في ولوج مجالات مختلفة، حيث فضّل الشاب علام إسلام من ولاية العاصمة التمثيل المسرحي وهو ابن 18 ربيعا، حيث يقول أن حب الفن ولد معه منذ الصغر، ومنذ ذاك الحين وهو يحلم أن يكون ممثلا كبيرا يحمل مشعل الآباء من الفنانين المولع بهم، ويذكر منهم الفكاهي كمال بوعكاز وصالح اوقروت والممثلة بيونة وغيرهم كثير.
قد تكون محطة ألحان وشباب خطوة ثمينة لكل شاب حسب تعبير إسلام، حيث يقول: «شاركت في المسابقة ولم أنجح إلاّ أنّ القائمين عليها حفّزوني على التوجه نحو الفن السابع الذي وجدت فيه ضالتي من خلال تخصصي في فن الكوميديا رغم أنّني لم أكن أحبّذه في البداية، حيث كنت أميل إلى الدراما».
ويضيف علام أنّ العائلة لها دور كبير في دفع الأبناء إلى تحقيق آمالهم رغم الأفكار المحبطة التي تطرأ على ذهن الشاب أحيانا، لاسيما حين يرى أن فنانا هنا وهناك، قد همّش أو أفل ضياءه في سماء الفن وهو حال الكثير في بلادنا، ويضيف إن العزيمة والرغبة النابعة من القلب تبقى الطموح الوحيد لتحقيق الحلم، إذ أصبو للمشاركة في صناعة أفلام جزائرية وأعمال مسرحية رائدة تشرف الثقافة الجزائرية في المحافل الدولية على نهج الآباء.