تخلى الشباب في السنوات الأخيرة عن ظاهرة الكتابة على الجدران، التي كانت إلى وقت ليس ببعيد ملجأ الكثير من الشباب للبوح والتعبير عن أفراحهم وهمومهم، وإصدار شعارات هي مزيج من العربية والعامية ولغات أجنبية، وتحولوا إلى الكتابة على جدار آخر هو الجدار الافتراضي عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
كانت الكتابة على الجدران تمثل شكلا من أشكال التعبير عن ميولات وتفكير الشباب وعن ما يدور في مخيلتهم، تبرز من خلالها شخصيتهم، فعن طريقها يفصح الشاب عن حبه لفرقة غنائية أو نادي كرة قدم أو وصف وضع معين كمشكل البطالة والسكن، وعكست هذه الظاهرة الظروف التي كانت تميّز حياة الشباب في فترة سابقة، سادت فيها قيم اجتماعية تختلف نسبيا عن الوضع الحالي.
هذه الظاهرة التي كانت محل رفض الكثيرين، انتشرت في الجزائر في التسعينيات، نتيجة التحولات الكبيرة التي عرفها المجتمع الجزائري خاصة في الوسط الشباني، ويعزوا المختصون ذلك إلى رغبة الشباب في ايصال مكنوناته وهمومه عبر الجدران إلى الغير، وكان لدخول موسيقى الراب الجزائر في تلك الفترة، عاملا ساعد بشكل كبير على انتشار الكتابة على الجدران، التي هي أصلا نوعا من أنواع ثقافة ''الهيب الهوب''، كما أن ولع الشباب بكرة القدم، جعلهم يتخذون من الجدران وسيلة للتعبير عن عشقهم لنواديهم المفضلة، وكانت منتشرة خاصة في الاحياء الشعبية، إذ تستوقف المارين أشكال من الكلمات والأسماء، في تنافس محموم بين الأنصار على كتابة أجمل العبارات لنواديهم. وكانت هذه الظاهرة محل امتعاض وسخط الكثيرين، لأنها شوّهت المنظر العام للأحياء والممتلكات العامة، وأعتبروا ذلك سلوكا غير حضاري ينم عن نقص وعي بأهمية المحافظة على جمال العمران .
الجدار الافتراضي.. البديل
أصبحت الأنترنت بديلا للكتابة على الجدران ووسيلة حيوية فيما يتعلق بالاتصال التفاعلي، وتحولت مواقع التواصل الاجتماعي ملجأ الشباب للتعبير عن ميولاتهم واهتماماتهم المختلفة، بحيث تحوّل جدار ''الفايس بوك'' مثلا أو ''تويتر'' إلى حلبة يتقاذف فيها الشباب مختلف الكتابات والصور بأسماء مستعارة أحيانا، إذ أتاح هذا العالم الافتراضي المجال للشباب لفتح نقاشات وتبادل الآراء في مختلف القضايا وإيصال رسائل معينة والتعبير عن انفعالاتهم وتجاربهم.
يقول سيد علي، ٢١ سنة، طالب جامعي، أنه من خلال مواقع التواصل الاجتماعي أستطيع التعبير بحرية عن يجول في خاطري وإيصال أفكاري، ومخاطبة الآخرين والتفاعل مع ما يدور من حولي ومع ما ينشر عبر الأنترنت، إضافة إلى الفصح عن الهموم والمشاكل التي نعانيها نحن الطلبة .
ويرى عبد القادر، ٢٩ سنة، موظف بشركة خاصة، أن مواقع التواصل الاجتماعي لها خصوصية تسمح لك بالكتابة في جميع المجالات دون عائق أو تردد، وتكشف عن البنية الثقافية والفكرية للمشتركين، كما فيها متعة حقيقية لأن ''ما أكتبه يجد ردود فعل من الآخرين حتى ولو كانوا افتراضيين.''
من جهته أكد خير الدين، ٢٣ سنة، بطال ومشجع كرة القدم، أنه يجد في مواقع التواصل الاجتماعي وسيلة ''للتعبير عن حبي لفريقي المفضل عبر كتابة شعارات وأغاني النادي وتبادل الصور مع الأصدقاء، وأدخل في بعض الأحيان في نقاش وتنافس مع أصدقاء يعشقون نواد أخرى تجعلني استمتع بما أكتب.''
وهناك شباب يستغل مواقع التواصل الاجتماعي لكتابة قصص قصيرة، حكايات ونكت والدعاية لأنفسهم، إضافة إلى نشر رواياتهم وأشعارهم ليقرأها أصدقائهم، وهو ما يقوم به عمار ٢٧ سنة، معلم بمدرسة ابتدائية، بحيث سمحت له ـ كما قال ـ من ايصال إبداعاته الأدبية إلى شريحة واسعة من المشتركين في ''الفايس بوك''، مضيفا أنه يستغل هذا الموقع أيضا لنشر كتابات تاريخية بالغة الدلالة وإبداعات عن حب الوطن، تزامنا واحتفاء الجزائر هذا العام بخمسينية الاستقلال، مؤكدا أنه رغم ما تحمله هذه المواقع من ايجابيات إلا أنها تأخذ الكثير من الوقت، لذلك يجب ـ كما قال ـ على المقبلين على الانترنت بصفة عامة ومواقع التواصل الاجتماعي بصفة خاصة، حسن استعمالها مع تنظيم الوقت لكي لا تشغلهم عن أمورهم الحياتية والمهنية أو الدراسية.