أنهى الدكتور عبد السلام فيلالي العمل على الجزء السادس من موسوعته حول «الجزائر..الدولة والمجتمع»، الذي يتناول بالتحليل تطوّر المجتمع الجزائري وهيكلته وأنساق التوجيه لمنظومة الحكم وعلاقات السلطة التي تحكم عمل الفاعلين الأساسيين، في الفترة (1999-2019 )
وحسب الباحث فقد بدأ المشروع حين تحوّلت رسالة الدكتوراه إلى كتاب نشرته دار النشر «الوسام العربي» سنة 2013، هذا التحويل والاحتفاء الذي ناله إصدار الجزء الثاني الذي عالج فيه بالدراسة تطوّر المجتمع والدولة خلال فترة حكم الرئيس الراحل هواري بومدين (1965-1979)، شجعه، كما يقول، «لكي أمضي بعزيمة أكبر لتحقيق مشروع أشمل لتزويد المكتبة الجزائرية والعربية بعمل متكامل حول المجتمع والدولة في الجزائر».
ويستطرد قائلا إن: «الانطلاقة الحقيقية كانت بعد مشاركتي في الصالون الدولي للكتاب لسنة 2016 حيث أدركت أني أقدم عملا يحظى بالاهتمام والتقدير. كبرت همتي، وانخرطت بسرعة في إنجاز الجزء الثالث الذي أعتبره عملا جد متميز، لأني عالجت مشكلات الدولة الوطنية الجزائرية: تأسيسا، تطوّرا والرهانات الوجودية التي واجهتها خلال أزمتها الاقتصادية والسياسية منتصف الثمانينات وبداية التسعينات». الجزء الثالث إذن ركز على دراسة فترة 1979-1992. تلاه إصدار جزء رابع (دائما عن نفس دار النشر) عالج فيه أطروحة (فشل السياسة) بالعمل على فترة حساسة من تاريخ الجزائر المستقلة (1992-1999)، أطروحة مرتبطة بشكل أشمل بمنظومة أفعال وخيارات ورهانات سياسية وإيديولوجية للفاعلين الأساسيين الذين حولوا (مجرى النهر)، حسب تقييمه، بكثير من الدهاء والحنكة بالاستفادة من حوادث أكتوبر 1988. ومن ثم الاستمرار في توظيف جهاز مفاهيمي حول نسق السلطة والولاية، الوطن الجزائري، الوطنية الجزائرية، الدولة الوطنية، الإسلامية الجزائرية، فأدى هذا إلى ربط مخرجات الفترة موضع الدراسة بالتاريخ السياسي -الاجتماعي – الاقتصادي – الثقافي للجزائر القريب منه والبعيد.
وحيث كانت الظروف (نهاية سنة 2018) لا تسمح بالعمل على فترة (1999-2019)، فإنه توجه للعمل على إعداد دراسة لمقاربة عامة تعريفية حملت عنوان: «المجتمع الجزائري المعاصر»، هي عبارة عن بحث في نشأة وتطوّر المجتمع الجزائري، من بناه التقليدية القبلية إلى غاية هيكلته خلال حرب التحرير الوطني، في خمسة فصول. عمل يراه الدكتور فيلالي «جد مهم حيث يمكن أن يجيب على مختلف التساؤلات التي سادت وتسود مع الإشكالات العامة المطروحة».
مشوار طويل، إذن، لمشروع اكتمل بهذا الجزء السادس، كان قد بدأ بفكرة بسيطة حول جينيالوجيا المجتمع الجزائري سنة 1997. سيكون واجهة معرفة للفكر السياسي الوطني الجزائري، ولسوسيولوجيا المجتمع الجزائري، وتطوّر الدولة الجزائرية بعد الاستقلال.
يقول الدكتور عبد السلام فيلالي، إن هذه الدراسة العامة، جمعت تخصصات علمية مختلفة بين علم الاجتماع، التاريخ، علم السياسة، والاقتصاد. وهي بالتالي مفيدة للطلبة والباحثين بحيث تفر لهم مرجعا يمكّنهم من استقصاء البنى الاجتماعية والسياسية للمجتمع الجزائر عبر مراحل تطوره ومأسسة وهيكلة مبانيه العامة.
لقد حاولت يقول الباحث، «أن أستدرك نقص المراجع فيما يخص الجزائر خاصة من لدن الباحثين الجزائريين، وأيضا الإجابة على مختلف التساؤلات والانشغالات التي تعترض المتابعين والقراء حول قضايا تاريخية وثقافية حساسة في تاريخ الجزائر، بشكل علمي وموضوعي، متجاوزا بالتالي الأطروحات الاستعمارية التي قرأته بنظرة استعلائية وموجهة إياه لخدمة مقاربات تتناقض مع جوهر نضال الشعب الجزائري. ثم أيضا تحليل والرد -بشكل غير مباشر- على الذين شككوا في المضمون الوطني والحضاري لهذا النضال، خاصة بعد تبني التعددية الحزبية وظهور تيارات سياسية وإيديولوجية راحت تنتقد منجزات الوطنية الجزائرية بشكل يؤدي إلى هدمها».
الآن بعد هذا المسار البحثي الشاق، يمكن للقارئ الجزائري والعربي، وفي ظل التحوّلات الجارية، مع بروز بعض التوجهات التي يريد إحداث قطيعة أو الطعن مع الإرث الوطني والتاريخي للجزائر، يمكن القول إن هذه الدراسة هي عبارة عن مرجع شامل يجيب ويفسر مختلف القضايا الاجتماعية، السياسية، والثقافية لجزائر القرن 21 وما يجب أن نطمح إليه كجزائريين، فنؤمن ونلتزم بقضايا الوطن، المواطنة، الحرية، والديمقراطية والعيش الكريم.