الرئيس تبون نبّه لتراجع اهتمام المجموعة الدولية بالآفة
الرئاسة الجزائرية للهيئة الأممية بأجندة مكثفة لأكثر القضايا الدولية إلحاحا
أثبتت الجزائر فعالية وقوة مبادرة لافتة أثناء رئاستها الجارية لمجلس الأمن الدولي، حيث برمجت اجتماعات وزارية رفيعة المستوى، أكدت بموجبها أنها فعلا حاملة صوت إفريقيا والمنطقة العربية والإسلامية. وتوج ذلك بتكريس دور رئيس الجمهورية بصفته “نصير” الاتحاد الإفريقي في مكافحة الإرهاب.
إتّسمت فترة رئاسة الجزائر لمجلس الأمن الدولي لشهر جانفي، بأجندة مكثفة طرحت فيها للنقاش والإحاطة بأكثر القضايا الدولية إلحاحا، سمحت الاجتماعات الثلاثة التي برمجت بمبادرة جزائرية بتسليط الضوء على أبرز انشغالات وهموم الشعوب العربية والإفريقية.
ولأنها تضعها على رأس الأولويات، عقدت الجزائر على المستوى الوزاري، اجتماعا ناقش تطورات الأوضاع في فلسطين، وتزامن مع بداية دخول اتفاق وقف إطلاق النار حيز التنفيذ. هذا الاتفاق “استأثر بالجهود التي بذلتها الدبلوماسية الجزائرية طيلة سنة كاملة بمجلس الأمن”.
أما الاجتماع الثاني، فتناول موضوع مكافحة الإرهاب في القارة الإفريقية، إذ طرح وزير الدولة، وزير الشؤون الخارجية والجالية الوطنية بالخارج والشؤون الإفريقية أحمد عطاف، مقاربة شاملة تجمع بين الأمن والتنمية لمحاربة الآفة باعتبارها أكبر تهديدا يستهدف القارة.
الاجتماع، شكل حدثا مهمّا شارك فيه أزيد من 70 وفدا، من بينهم وزراء خارجية عديد الدول الإفريقية، وتوج ببيان رئاسي غير مسبوق، كرس دور رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون بصفته “نصير” الاتحاد الإفريقي للوقاية من الإرهاب ومكافحته.
هذا التكريس، وإذ يمثل اعترافا دوليا رفيع المستوى بدور رئيس الجمهورية، الذي اختير من قبل الرؤساء الأفارقة لتولي مهمة منسق الاتحاد الإفريقي لمكافحة الإرهاب، فإنه يقحم الأمم المتحدة في متابعة جهود التصدي للآفة العابرة للحدود.
وشكل البيان، الذي جاء بمبادرة وبإلحاح من الجزائر، اعترافا هاما بدور الآليات الإفريقية لمجابهة الظاهرة، وعلى رأسها لجنة أجهزة المخابرات والأمن الأفريقية، ووحدة مكافحة الإرهاب التابعة للقوة الأفريقية الجاهزة، وأفريبول.
وبذلك تكون الجزائر قد أعادت آفة الإرهاب والتطرف العنيف الذي تعاني منهما القارة الإفريقية، إلى صدارة اهتمامات المجموعة الدولية، ليس من خلال المرافعة فقط وإنما عن طريق علاقة مؤسساتية بين الأمم المتحدة والإتحاد الإفريقي، يتم إقرارها لأول مرة.
رؤيــة الجزائــر...
وبموجب البيان الرئاسي الذي طرحته وحظي بدعم مجلس الأمن، والذي يترجم جزءاً من رؤية الجزائر لمكافحة الظاهرة، سيتولى الأمين العام للأمم المتحدة، إعداد تقرير سنوي حول الجهود المشتركة بين المنظمة الأممية والاتحاد الإفريقي، بما “يضمن مراجعة مستمرة للتقدم المحرز”.
واللافت أن الجزائر، التي سبق وسجلت تراخياً دوليا في الاهتمام بالظاهرة، مقابل التحولات والاضطرابات التي أصابت العالم في السنوات الأخيرة، استطاعت بقوة مبادرة وفعالية، أن تعيد الملف إلى دائرة اهتمامات المجموعة الدولية من منبر مجلس الأمن.
وكان رئيس الجمهورية، قد ألقى كلمة سنة 2023، خلال النقاش رفيع المستوى لمجلس الأمن للأمم المتحدة حول مكافحة الإرهاب ومنع التطرف العنيف المؤدي إلى الإرهاب، بصفته منسق الاتحاد الإفريقي في المجال، لمس فيه “تراجع اهتمام المجموعة الدولية بهذا الموضوع في سياق عالمي يتسم بالاضطراب والاستقطاب”. وأكد في ذات الكلمة على أن “ما تواجهه إفريقيا من إرهاب هو تهديد عالمي لا يعترف بالحدود ولا يرتبط بأي دين أو عرق أو جنسية”.
وفي السياق، يعد اعتراف مجلس الأمن بالآليات الإفريقية لمكافحة الإرهاب، تتويجا أيضا للدعم القوي الذي تمنحه الجزائر لهذه الآليات ومن بينها المركز الإفريقي للدراسات والبحوث المتعلقة بالإرهاب، وآلية الاتحاد الأفريقي للتعاون الشرطي (AFRIPOL) اللذان تحتضن مقريهما.
كما يعتبر تكريس متابعة الأمم المتحدة لجهود الاتحاد الإفريقي في مكافحة الآفة، خطوة أولى على طريق انخراط المجموعة الدولية، إلى جانب إفريقيا، في التصدي للإرهاب، في انتظار خطوات أخرى تركز على تعزيز قدرات الدول الإفريقية.
إلى جانب منع استخدام أراضي الشركاء الدوليين كمنصات للتحريض أو دعم أنشطة إرهابية في دول أخرى، مع مضاعفة الجهود لتفادي المساهمة بطريقة مباشرة أو غير مباشرة في تمويل الإرهاب، واقتطاع تمويل آليات الاتحاد الإفريقي من ميزانية الأمم المتحدة، وكلها مطالب سبق ورفعها رئيس الجمهورية للأمم المتحدة.
التحرك الجزائري على مستوى مجلس الأمن، بخصوص هذه الظاهرة التي تمثل التهديد الأكبر على البلدان الإفريقية، يجسد ما التزمت به عند بداية عهدتها غير الدائمة، العام الماضي، في أن تكون صوت الشعوب الإفريقية وشعوب العالم المستضعفة، ويثبت جدارتها في تبوإ هذه المكانة الدولية.