أزيد من 200 شركة تدعم الصّادرات خارج المحروقات
سوق الدواء بالجزائر واعدة..وهي الأكثر تنظيما إفريقيّا
3 مليار دولار..قيمة الإنتاج السّنوي الوطني من الأدوية
تولي السّلطات العليا في البلاد، بقيادة رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، اهتماما كبيرا بقطاع الصناعة الصيدلانية، فمنذ سنة 2020، عرفت هذه الشعبة الحيوية تطورا لافتا، حيث حرصت الدولة على اتخاذ ما يلزم للنهوض بها وتوفير البنية الأساسية والتشريعية لها، نظرا للأهمية الإستراتيجية لقطاع الدواء وما يتميز به من فرص استثمارية واعدة، في إطار التوجه العام لدعم وتحديث الصناعة وتوطين التصنيع، للمساهمة في تحقيق الأمن الصحي، وكذا تخفيض فاتورة الاستيراد مع التوجه نحو التصدير إلى الخارج، ما يؤهّل البلاد لحيازة الرّيادة إقليميا خلال السنوات القادمة، حيث أصبحت الجزائر من أهم منتجي الأدوية في إفريقيا بـ203 شركات، مع بلوغ الصادرات الصيدلانية 12.6 مليون دولار سنة 2023، وامتلاكها لنسيج صناعي وشبكة واسعة من المخابر في إنتاج الأدوية تقدر بأكثر من 200 مصنعا ومخبرا لإنتاج الأدوية عبر كامل التراب الوطني.
أكّد رئيس الجمعية الوطنية للصيادلة الجزائريين، معاذ تباينات، في حديث مع “الشعب”، أنّ قطاع الصناعة الصيدلانية في الجزائر يعرف استقرارا، خاصة في السنوات القليلة الماضية، من حيث نسبه التغطية وحجم الأعمال، وكذلك من حيث توفر اليد العاملة الموظفة في هذا القطاع، وأبرز أن الصناعة الصيدلانية في الجزائر تغطي 70 بالمائة من احتياجات السوق الوطنية، خاصة وأن عددا معتبرا من الوحدات الإنتاجية في طور التسليم.
وأفاد معاذ تباينات أن هذه المعطيات جعلت الجزائر بين أكثر الدول التي اقتحمت السوق القارية، بثلاث أو أربع أسواق إفريقية، يقابله سوق استهلاكي معتبر يقدر بـ 100 دولار لكل مواطن جزائري، في حين أن المعدل الإفريقي يمثل 20 دولارا، وهذا التفوق المسجل يعود إلى السياسات التي رافقت الصناعة الصيدلانية، خاصة من ناحية تغطية الضمان الاجتماعي، التي سهلت وصول الأدوية لكل مواطن جزائري.
وفي السياق، أوضح المتحدث أن “سوق الصناعة الصيدلانية تعتبر سوقا واعدة ينتظرها الكثير، خاصة وأن هناك تسابقا نحو توطين التصنيع بعلاجات جديدة، تخص الأمراض النادرة والمستعصية وأمراض السرطان، الأمر الذي سيعطي نفسا آخر، حيث سيدفع الصناعة الصيدلانية نحو العالمية والأسواق الكبرى بفضل الابتكار وتطوير البحث العلمي، وانفتاح الجامعة على تطوير الدواء وتكوين صيادلة أكفاء قادرين على رفع التحدي”.
وبعد أن أشاد بخطوة تأسيس وزارة للصناعة الصيدلانية، معتبرا أنه أمر إيجابي للغاية، شدّد رئيس جمعية الصيادلة على أن من شأن هذا الأمر المساهمة في “إعادة تنظيم سوق المستلزمات الطبية، والذي يندرج في نفس المكانة ذاتها مع المواد الصيدلانية، ما سيدفع باستثمارات عديدة ويحفز المتعاملين للتسابق نحو التوطين، حتى يتم تصنيع المستلزمات الطبية محليا، وهي سوق واعدة ومعتبرة للغاية، حيث ينتظر منها تقديم القيمة المضافة في السنوات القادمة بفضل التوجه الوطني نحو تطوير مخابر البحث واستغلال الكفاءات الوطنية والتشجيع القائم وكذا التنسيق لبناء الجسور بين المؤسسات الإنتاجية للأدوية والمخابر العلمية الجامعية”.
تنافسيــة عاليـة
وعن سؤال متعلق بتطور أداء المؤسسات الصيدلانية الوطنية العمومية منها والخاصة، وانفتاحها على البحث، أفاد رئيس الجمعية الوطنية للصيادلة الجزائريين، أن هناك تنافسية كبيرة في مجال سد الحاجيات الوطنية، مبرزا أن هذه التنافسية لابد لها من أن تمتد إلى خارج حدود الوطن، لأن عدد الاستثمارات في المجال معتبر، وأضاف أن كسب أسواق أخرى يسمح بالمواصلة على وتيرة التطور التي ترتكز على بقاء البحث العلمي وتواصله بما هو ضرورة ملحة لتطوير تنافسية الأدوية.
وأضاف قائلا: “في وقت لاحق، سنصل بالسوق المحلية إلى الإشباع، خاصة مع بقاء الاستثمارات وديمومتها، وهذا أمر مرهون باقتحام الأسواق الخارجية، ويجب أن نتبنى استراتيجية بعيدة المدى للولوج إلى أسواق خارج الجزائر”.
هذه الاستراتيجية - يقول معاذ تباينات - تبدأ بتسهيل التصدير وبتخفيف الأعباء التنظيمية، خاصة ما تعلق بالإجراءات البنكية، من خلال تشجيع المستثمرين للتصدير وتسهيل ولوجهم إلى أسواق خارجية، بالإضافة إلى سياسية تسعير الأدوية والمستلزمات الطبية، حيث يجب أن تتوافق مع هدف تصدير المواد الصيدلانية أو حتى ضمان التنافسية محليا.
وبحسب رأي رئيس الجمعية الوطنية للصيادلة الجزائريين، فإننا لو نبقى في التسعير الذي يخضع لتنظيمات قديمة، ربما سنظلم الجميع سواء كانوا صيادلة، موزعين أو منتجين، بحيث أن السوق ستحتفظ بإنتاج معتبر وقيمة منخفضة، الأمر الذي يزيد من التنافس وتظهر الاختلافات في السوق مستقبلا، وهذا ما يجب النظر فيه من باب الاستباق.
تحديــات ورهانـات
وقدّم معاذ تباينات اقتراحات حول التحديات والرهانات التي تواجه الصناعة الصيدلانية وسوق الأدوية في الجزائر، وأبرز أن “الأمر الايجابي قبل كل شيء هو عودة حقيبة الصناعة الصيدلانية كوزارة كاملة الصلاحيات، حيث أننا نحتاج إلى مزيد من الوقت لقطف ثمار ما بادرت به السلطات العليا في البلاد منذ عام 2020، حيث قامت بإنشاء وزارة خاصة بالصناعة الصيدلانية، من أجل إعادة تنظيم السوق وإعادة هيكلتها، إلى جانب تنظيم الاستثمارات ومراقبتها ورفع مستوى التنافسية، حيث أن كل ذلك كان من بين الأهداف المسطرة من قبل القيادة العليا في البلاد”.
ولفت محدّثنا إلى أنّ إنشاء وزارة خاصة بالصناعة الصيدلانية، أمر إيجابي جدا، سيسمح لهم بمتابعة ما بدأناه منذ العهدة الأولى للرئيس عبد المجيد تبون، على المدى المتوسط، إذ يجب مرافقة كل الفاعلين، سواء كانوا صيادلة موزعين أو منتجين من أجل الرفع من معايير الجودة والتنافسية الدولية، والأمر متوقف كذلك على تشجيع الابتكار ودعم أفضل البحوث في هذا المجال.
آليات ضبط السّوق واضحة تنظيميّا
وضمن هذا الإطار، دعا المتحدث إلى تسهيل التصدير وفتح الأبواب من أجل الولوج بقوة إلى عالم التصدير وتطوير الإنتاج عبر توسيع المشاريع ومواكبة التطور التكنولوجي الخارجي، إلى جانب ضبط السوق أكثر؛ مع وجوب أن يمرّ ضبطها بآليات أكثر مرونة وأكثر وضوحا، في ظل الرهان الحالي المتمثل في تأمين توريد المواد الصيدلانية خاصة، وهذا لتجنب حالات الندرة وحالات الانقطاع في السوق. واقترح المتحدث دعم الصيدلي ليقوم بدور ريادي؛ بحكم أنه سيعكف على تنفيذ السياسة الوطنية، خاصة وأنه مسؤول عن ضمان تزويد المستهلكين بما يحتاجون من أدوية، من خلال تنظيم عملية التوزيع والمساهمة في حماية صحة المواطن، إلى جانب التحكم في تكلفة العلاج من أجل ترقية ظروف عملية التكفل بالمرضى.
في سياق متصل، أكّد معاذ تباينات أن الجزائر لديها آليات ضبط سوق واضحة تنظيميا، فضلا عن استعمال التكنولوجيات الحديثة، خاصة فيما يخص اليقظة الإستراتيجية، حيث سجل وجود تسابق مع الزمن من أجل إطلاق أرضية رقمية بالتعاون مع وزارة الصناعة الصيدلانية، وكذلك مشروع الوصاية الواعد، الخاص بضبط السوق بفضل الأرقام التسلسلية للمواد الصيدلانية، وهو أمر ايجابي جدا سيفتح آفاقا أوسع.
وذكر تباينات أن الحكومة تبنت عدة إصلاحات لدعم الصناعة الصيدلانية، أبرزها إنشاء الوكالة الوطنية للمواد الصيدلانية لمتابعة وتنظيم القطاع، وإلى جانب تحفيز الاستثمار المحلي، من خلال تقديم تسهيلات جبائية وجمركية وإدارية لهذا القطاع.
وأوضح معاذ تباينت أن سوق الدواء بالجزائر من بين الأسواق الأكثر تنظيما، ومن أجل فتح أفق آخر، يجب المرور إلى تنافسية أعلى تمتد إلى خارج الحدود الوطنية. علما أن المصانع والمركبات الجزائرية للأدوية تغطي أكثر من 70 بالمائة من احتياجات البلاد من الأدوية، على أمل بلوغ تغطية مرتفعة خلال السنوات القادمة، وهذا بالنظر إلى الإمكانيات المتاحة والإستراتيجية الوطنية المتبعة لتطوير الصناعة الصيدلانية، بما يؤهل بلادنا مستقبلا لتكون بلدا مصدرا للأدوية، خاصة وأن قيمة الإنتاج السنوي الوطني من الأدوية تقدر بـ 3 مليار دولار