الاستثمارات الخارجيـة..تحدّ جديد ينسجم مع قرار التأميـم

انطلاقـة حاسمـة فـي تاريخ الجزائر الطاقـوي والاقتصـادي

فضيلة بودريش

سوناطراك.. من الطاقـة الأحفوريــة إلى الهيـدروجــين الأخضـر

خبرة طويلة ومهارة جزائرية عالية عبر عديد دول الجوار والبلدان الصديقة والشقيقة

تقود سونطراك باعتبارها أهمّ شركة طاقوية إقليمية سلسلة من المسارات التنموية الرائدة في الجزائر، وتبنّت خلال السنوات الأخيرة نهجا قائما على تقوية الأداء الطاقوي، ودعما أكبر للاقتصاد الوطني من خلال تمويل المشاريع الضخمة والهياكل القاعدية شريان المنظومة الاقتصادية، وفوق ذلك تقوم بدور عملاق في تغطية الأسواق الخارجية بالطاقة خاصّة الغاز، وتنفتح على استثمارات تاريخية خارجيا، تتصدرها الطاقة النظيفة.

شكّلت محطة تأميم المحروقات بتاريخ 24 فيفري، صفحة ناصعة وانطلاقة حاسمة في تاريخ الجزائر الطاقوي والاقتصادي، وبعد خبرة تزيد عن ستة عقود كاملة، اكتسبت سونطراك مهارة وكفاءة عالية وسمعة إيجابية بارزة في سوق الإنتاج والتنقيب والتموين، أهّلتها للتواجد في التنقيب والإنتاج بعدّة بلدان، ومن أسرار هذا النموّ والتطوّر اللافت، اهتمامها بالتحوّل التكنولوجي لمواكبة التطوّر السريع والتعويل على الابتكار والتكوين للمورد البشري. إلى جانب استقطاب رواد الأعمال المبتكرين وإبرام الشراكات لتطوير نسيج أدائها، وبالموازاة مع ذلك قادت سونطراك بنجاح كبير أحيانا بمفردها وأحيانا أخرى عن طريق الشراكات الأجنبية، استكشافات مهمّة عزّزت من ثروتها الطاقوية ورفعت من ضخّها للنفط والغاز، ونجح هذا المجمع الإفريقي العملاق، في تحقيق 14 اكتشافا من النفط والغاز خلال عام 2024، في مناطق عديدة من بينها  بشار، وعين صالح، وجانت، وإليزي.
 وسيتعزّز مستقبل الشركة بتوسيع الحقول الغازية في حاسي الرمل، على سبيل المثال والجدير بالإشارة، فإنّه ينتظر من هذه الاكتشافات الهامة، تجديد احتياطات الطاقة في الجزائر وتوسيع قائمة الزبائن من المستهلكين. وكلّ ذلك شكّل مفتاحا قويّا لتحكمها في أحدث التقنيات وخوّل لها البحث عن صفقات خارجية، ونالت العديد من الاستثمارات الخارجية.

الوفاء للانتماء القاري

برز طموح سونطراك ليجتاز نطاق الاستثمار في الثروات المحلية الضخمة المتوفرة بالجزائر، لتنقل خبرة طويلة ومهارة عالية إلى العديد من دول الجوار والبلدان الصديقة، على غرار ليبيا ومالي والنيجر والتشاد وموريتانيا والبيرو لتنال حصتها كشركة عالمية من أسواق خارجية، وتنافس في الاستثمار والتنقيب تماما على غرار كبرى الشركات.
ويمثل قرار انفتاحها خطوة تاريخية لافتة وسّعت من محفظتها الاستثمارية، لتحقيق المزيد من القيمة المضافة وطرح ثروة طاقوية أكبر للأسواق العالمية، وينظر إلى هذه الاستثمارات الخارجية، وانطلاقها بثقة بمثابة التحدّي الجديد المنسجم مع قرار التأميم والمكمل لأهدافه المسطّرة، لتكون الجزائر من خلال سونطراك منتجة ومستثمرة ومنقبة عن مختلف أنواع الطاقة وعبر العديد من البلدان. بداية الاستثمار الخارجي لأكبر مجمع طاقوي إفريقي وعالمي جزائري، بدأ بقوّة دون شكّ من البوابة الإفريقية، وفاء لانتمائها القاري، وحرصا على تقديم كلّ ما تحتاجه الدول الصديقة والجارة من خبرة ورؤية، تتقاسم معها النجاح والانطلاقة القوية في إنتاج الطاقة لتخفيف تعطّش الأسواق وكذا تعطّش إفريقيا لاستغلال مواردها بالشكل الصحيح.

مكانة جذّابة بالخارطة الطاقوية

تمضي سنة أخرى عن محطة مفصلية حاسمة في تاريخ الجزائر والمتمثلة في ذكرى جديدة عن اتخاذ قرار استراتيجي، تبنّته الجزائر المستقلّة، شكّل ثورة حقيقية في قطاع الطاقة، وعبر كلّ هذا المسار الطويل، اكتسبت زبائن أوفياء وأصدقاء من المنتجين والمستثمرين وأسواق خارجية تستثمر فيها بخبرتها.
 ورغم انطلاقها في تحقيق هذا الهدف منذ سنوات، إلا أنّ عام 2024 شكّل العلامة الفارقة، من خلال بداية ارتسام ملامح تحوّلها إلى محور رئيسي في منطقة جنوب المتوسط وإفريقيا للتموين بالطاقات المتجدّدة.
وتوصف وجهة الجزائر الطاقوية بالجذّابة والناجعة بفضل ما تتمتع به من موارد وموقع، وكان من الطبيعي أن يقع خيار العديد من الشركات العالمية الكبرى في العالم، على الجزائر من أجل الاستثمار بل وإطلاق استثمارات ضخمة بالشراكة مع مجمع سونطراك.
 ولعلّ بداية بناء المحور الطاقوي النظيف بين أوروبا والجزائر، انطلق منذ نحو خمسة أشهر عبر طرح دراسة جدوى، انصهر فيها اهتمام دول أوروبية وشركات عملاقة لتزويد القارة الأوروبية بكميات معتبرة من الطاقة المتجدّدة والهدروجين الأخضر، عكسها التوقيع على مذكرة تفاهم تعدّ الأولى من نوعها في العالم بين مجموعتي سوناطراك وسونلغاز وشركات «في أن جي» الألمانية و»سنام» و»سي كوريدور» الإيطالية و»فيربوند غرين هيدروجين» النمساوية، لإنتاج الهيدروجين الأخضر.
وبداية هذا المشروع الاستراتيجي، ستكون مع إعداد مشترك لدراسات ضرورية، من شأنها أن تسمح بتقييم جدوى دقيقة، ومع تحديد مردودية مشروع متكامل، يهدف إلى إنتاج الجزائر للهيدروجين الأخضر وتموين السوق الأوروبية عبر محور «ساوث 2 كوريدور». وكما تحتلّ هذه الخطوة المهمّة تحوّلا استراتجيا لمجمع سونطراك نحو التنويع ليضمّ إلى جانب التفوّق والريادة الإفريقية وفي منطقة البحر المتوسط في الطاقة الأحفورية، إلى البروز كأهم دولة متوسطية قادرة على تموين قارتين أو أكثر بالطاقة المتجدّدة ويتعلّق الأمر بكلّ من أوروبا وإفريقيا ولما لا آسيا مستقبلا. وانخراط الجزائر في هذا المشروع مرشّح أن يشجّع دولا إفريقية على البحث للاستفادة من تجربة الجزائر في هذا المجال وبناء استثمارات مهمّة، القارة الإفريقية في أمسّ الحاجة إليها. وسيكون هذا المشروع حلقة متينة ومرجعية في إفريقيا.

التأسيس لصناعة متطوّرة للغاز

وبنظرة شاملة يمكن اختزال قوّة الجزائر وموقعها الهام والمؤثر في سوق الغاز العالمية، بفضل احترافية شركة سونطراك. أداء مهم مكّنها من التأسيس لصناعة متطوّرة للغاز، وحوّلتها هذه الصناعة إلى خزّان للكفاءات، وتعمّقت وفق هذه الحلقة الأساسية في تشييد البنى التحتية، وذهبت بعيدا في هذا المجال، وأما في الوقت الراهن مازالت في كلّ مرة تطوّر من صناعة الغاز، سواء بالاعتماد على المهارات المحلية أو بإقامة شراكات مع شركات تملك الخبرة وتحول لها أحدث التقنيات التكنولوجية، وهذا ما جعل خبرتها تكتمل وتصبح قابلة للترجمة والتحويل.
وخلال ستة عقود كاملة، احتلّت الجزائر من خلال سونطراك، مكانة مهمة وراسخة في الإنتاج والمرونة في التموين، وبالموازاة مع ذلك تحكّمت في تسويق الغاز المسال، وحرصت على رصد 7 بالمائة من إجمالي استثماراتها لفائدة تطوير وتحسين مردودية الحقول الغازية.
ويمثل تقدّم الأشغال في أنبوب الغاز «الجزائر- النيجر- نجيريا»، رافعة طاقوية جديدة تدعم قوّة سونطراك ومكانة الجزائر كأهم وأكبر مستثمر ومنتج ومورد، يساهم في تثمين موارد الطاقة في القارة السمراء.
وخلاصة القول أنّ ولوج سونطراك للاستثمار في خارج الجزائر بعد محطات قويّة، جاء ليعكس نضجها وقوّتها وريادتها العالمية كأفضل 12 مجمّعا طاقويا عالميا.

 

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19707

العدد 19707

الأحد 23 فيفري 2025
العدد 19706

العدد 19706

السبت 22 فيفري 2025
العدد 19705

العدد 19705

الخميس 20 فيفري 2025
العدد 19704

العدد 19704

الأربعاء 19 فيفري 2025