يعد التكوين المهني دعامة أساسية للتنمية المحلية، حيث يوفر للشباب مهارات تتماشى مع متطلبات سوق العمل ومع تعزيز الرقمنة وإدراج تخصصات حديثة، لم يعد هذا القطاع مجرد خيار ثانوي، بل أصبح مسارا واعدا يمنح الشباب تكوينا نوعيا يفتح أمامهم آفاقا مهنية تتماشى مع التوجه الوطني لبناء اقتصاد قائم على الكفاءات والإبداع.
تنطلق دورة فيفري 2025 بحزمة من المستجدات التي تعكس رؤية جديدة لهذا القطاع الحيوي، بين الأرقام التي تكشف عن توسع القدرات الاستيعابية، والمنصة الرقمية التي تعد قفزة نوعية في تسجيل المتربصين، حيث يعيش التكوين المهني مرحلة تحول عميق يراهن على الرقمنة والمواءمة مع احتياجات الاقتصاد المحلي.
ويشهد مركز التكوين المهني إقبالا متزايدا من الشباب، بعضهم يسعى لاكتساب مهارات عملية تؤهله لدخول سوق العمل، فيما يرى آخرون في التكوين المهني طريقا لتحقيق الاستقلالية المهنية بعيدا عن المسارات الأكاديمية التقليدية.
ومن أجل ضمان تكوين يلبي فعليا احتياجات المؤسسات، تم رقمنة الخدمات، وتطوير آليات التسجيل واستحداث تخصصات جديدة، وتخصيص آلاف المقاعد لتوسيع قاعدة المستفيدين، من خلال تعزيز الشراكة مع القطاعات الاقتصادية لفتح فرص عمل للمتربصين بعد التخرج.
تنوّع الأنماط لتلبية مختلف الفئات بولاية الجلفة
رفعت مديريات التكوين والتعليم المهنيين بالولاية التحدي خلال هذه الدورة، فوفقا للأرقام المقدمة، حيث تم تخصيص 6860 مقعد بيداغوجي في مختلف الأنماط التكوينية، واستحوذ التكوين عن طريق التمهين على 1960 مقعد، كما تم توفير 880 مقعد للتكوين الحضوري في مختلف مراكز التكوين المهني بالولاية، إضافة إلى 1270 مقعد في المؤسسات الخاصة المعتمدة.
معطيات تتيح فرصا أوسع للراغبين في متابعة تكوين في مؤسسات معتمدة خارج القطاع العام، وفي إطار دعم الفئات الخاصة تم تخصيص 1160 مقعد لفائدة نزلاء المؤسسات العقابية، بهدف إعادة إدماجهم في الحياة المهنية بعد انتهاء فترة العقوبة، كما تم تخصيص 1590 مقعد ضمن جهاز منحة البطالة، لتمكين الشباب المستفيدين من تطوير مهاراتهم والحصول على فرص تشغيل مستدامة.
منصة رقمية تغير القواعد
ووسط هذه التحولات، جاءت الرقمنة كخطوة جديدة في مسار تطوير القطاع، حيث أطلقت وزارة التكوين والتعليم المهنيين منصة “تكوين” لتسهيل عملية التسجيل الإلكتروني، وإتاحة عملية التسجيل المباشر للمتربصين دون الحاجة إلى استخراج الوثائق، والوصول إلى تجربة تسجيل “صفر ورقة”، حيث يتم تنفيذ جميع الإجراءات إلكترونيا.
وتعد هذه المنصة نقلة نوعية في القطاع، إذ توفر خدمات إضافية، من بينها إصدار بطاقة “متكون” رقمية، تسهل وصول المتربصين إلى مختلف الخدمات التكوينية، إضافة إلى إمكانية الحصول على الشهادات النهائية إلكترونيا، مما يضمن توثيقا أكثر مصداقية لمؤهلاتهم.
وفي هذا السياق أكد مسؤول القطاع بولاية الجلفة، أن التحول الرقمي في التكوين المهني ليس مجرد تحديث تقني، بل هو رؤية جديدة تواكب التغيرات الحاصلة في سوق العمل، وتمنح الشباب تجربة تكوينية أكثر مرونة وكفاءة.
وأشار إلى أن المنصة الجديدة ساهمت في تسريع عمليات التسجيل، كما تم تشكيل خلايا إصغاء على مستوى المكاتب التكوينية لتوجيه ومرافقة المتربصين الجدد وحل أي مشاكل تقنية قد تواجههم أثناء التسجيل.
ولفت إلى أن هذه الدورة ستشهد إدراج تخصصات جديدة تتماشى مع احتياجات السوق المحلية، بما في ذلك تكوينات في مجالات الطاقات المتجددة، تكنولوجيا المعلومات، والميكانيك الدقيقة.
الى جانب ذلك، يتم تنظيم أيام إعلامية تحسيسية عبر مختلف بلديات الجلفة، تهدف إلى تعريف الشباب بأهمية التكوين المهني، واستقطاب أكبر عدد ممكن من الراغبين في التكوين، وتحسيسهم بأهمية هذا المسار المهني، وكيفية الاستفادة من المنصة الرقمية الجديدة.
وبحسب تصريحات مسؤولين في القطاع، تعمل السلطات على تعزيز مرحلة ما بعد التكوين لضمان اندماج الخريجين وفي هذا الإطار، يتم التركيز على دعم الخريجين بآليات ملموسة، من بينها توفير قروض مصغرة لمساعدتهم على إطلاق مشاريعهم المهنية، ما يعكس التزامها بمتابعة مسار المتكونين حتى بعد انتهاء فترة تكوينهم.
ومع التحوّلات الاقتصادية المتسارعة، يبقى التكوين المهني خيارا واعدا لفئة واسعة من الشباب، خاصة في ظل الرقمنة وتكييف التخصصات مع حاجيات السوق، ويبقى التحدي الأكبر هو إقناع المجتمع بأهمية هذا المسار، ودفع الشباب إلى استغلال الفرص المتاحة لهم، لاسيما أن الواقع الاقتصادي الحالي يثبت أن المهارات التقنية والمهنية أصبحت أكثر طلبا في سوق العمل، مما يجعل هذا المسار خيارا استراتيجيا لتحقيق الاستقلالية المهنية للشباب من أجل مستقبل مهني ناجح ومستدام.