دعـوات أمميـة لرفع مخلّفاتها

تجارب فرنسا في الصّحراء الجزائريّة..الإبادة البيئية

آسيا قبلي

كارثـة بكـل المقاييس منذ ستينات القرن الماضي

 لم تنته جرائم فرنسا الاستعمارية بعد طردها من الجزائر بفضل ثورة أول نوفمبر المجيدة، إذ ما زالت آثار التفجيرات النووية في صحراء الجزائر تشكّل منذ ستينات القرن الماضي كارثة بيئية بكل المقاييس، بل إنّها ترقى إلى جريمة إبادة بيئية بفعل الترسبات والغبار النوويين، وكذا المخلّفات التي تمّ دفنها، وتتحفّظ فرنسا على أماكن طمرها وترفض الكشف عنها، وهي المسألة التي شهدت دعوات أممية ودولية للكشف عنها قصد معالجتها.

 في 13 فيفري 1960، نفّذت فرنسا أوّل جريمة نووية على التراب الجزائري ضمن سلسلة بلغت 57 تجربة، فجّرت فيها 17 قنبلة نووية، أهلكت بها الزرع والنسل في المناطق المعنية، بل وامتدّت آثارها إلى مساحات واسعة في الساحل وإلى أوروبا. وتشير تقارير منظمات حماية البيئة في أوروبا إلى أن نتائج تلك التجارب يمكن تصنيفها في إطار جرائم إبادة البيئة.

قانـون الإبـادة البيئيــة الأوروبــي

 وكان البرلمان الأوروبي اعتمد بالإجماع قانون الجرائم البيئية المعروف بقانون الإبادة البيئية، في 29 مارس 2023، ويعرّفها على أنّها كل “سلوك يسبّب أو يحتمل أن يسبّب الوفاة أو ضررا جسيما لصحة أي شخص أو ضررا كبيرا لنوعية الهواء، ونوعية التربة أو نوعية المياه، والتنوع البيولوجي، وخدمات ووظائف النظام البيئي أو للحيوانات أو النباتات، يُشكّل جريمة جنائية عندما يكون غير قانوني ويتم ارتكابه عمدا. ويجب على الدول الأعضاء التأكد من أنّ أي سلوك يسبّب ضررا جسيما وواسع النطاق، أو شديدا وطويل الأمد، أو جسيما لا يمكن إصلاحه، يتم التعامل معه على اعتباره جريمة ذات خطورة خاصة، ويُعاقب عليه وفقا للأنظمة القانونية للدول الأعضاء”. وهو ما ينطبق فعلا على حالة الجرائم النووية الفرنسية في الجزائر،غير أن هذا القانون لا يتطرّق إلى ما وقع في الماضي.
ورغم أنّ هذا البرلمان يقر بالجرائم البيئية، ويمكن على أساسه تصنيف التجارب النووية الفرنسية في الجزائر ضمن جريمة الإبادة البيئية، إلا أنه لا يطلع بمهامه، وينحو كعادته إلى التدخل في الشؤون الداخلية للدول الغير، وفي مسائل من اختصاص خالص لمؤسسات تلك الدول، على غرار تدخله في قضية المدعو “بوعلام صنصال”، والمطالبة بإطلاق سراحه رغم أن المسألة بين يدي القضاء الجزائري الذي يلتزم بالمواثيق الدولية.
وأمام الاصرار الفرنسي على السّكوت عن جرائمه النووية، ورفض رفع السرية عنها، وعدم اعتراف القانون الفرنسي بالتجارب النووية كملوث للبيئة، وأمام تمسّك الجزائر بمطالب تحمّل فرنسا مسؤوليتها في رفع النفايات النووية، والكشف عن أماكنها، يرى مختصّون أنّه بإمكان الجزائر اللجوء إلى اتفاقية حظر انتشار السلاح النووي التي تعتبر عضوا فيها، بالتوقيع عليها سنة 2017، ودخولها حيز النفاذ العام 2022، للحصول على مساعدة تقنية لمكافحة التلوث النووي.

مطالب دوليـة ضد فرنسـا

 وكان مقرّرون أمميّون من مجلس حقوق الإنسان، طالبو فرنسا في رسالة شهر سبتمبر 2024، الحكومة الفرنسية بتزويدهم بجميع المعلومات والبيانات المتعلقة بتجاربها النووية في الجزائر، بما فيها المواقع المحدّدة للنفايات المشعّة، وتوضيح ما إذا كانت هذه المعلومات قد كُشفت بالكامل وبشفافية للجزائر وأصحاب الحقوق المعنيين، وأعرب الخبراء عن قلقهم الشديد بشأن العواقب الجسيمة على صحة السكان المحليين، والتي تمتد آثارها إلى أجيال عديدة.
كما دعت منظّمات وحملات أوروبية، فرنسا بتحمّل مسؤوليتها عن جرائمها النّووية، على غرار الحملة الدولية للقضاء على الأسلحة النووية، ومنظمة “شعاع لحقوق الإنسان”. ويتعلق الأمر برسالة وجّهها المقرر الخاص المعني بحقوق الإنسان والنفايات الخطرة ماركوس أوريلانا، والمقرر الخاص المعني بتعزيز الحقيقة والعدالة والجبر، وضمانات عدم التكرار البروفسور فابيان سالفيولي، والخبيرة المستقلة المعنية بحقوق كبار السن كلوديا ماهلر، إلى الحكومة الفرنسية.
وبالتزامن مع ذلك، مع إقرار الجزائر تضمين تحميل فرنسا مسؤولياتها في إزالة المخلفات الكارثية للتفجيرات النووية بالجنوب إبان الفترة الاستعمارية بشكل “واضح وصريح” ضمن التشريعات البيئية الوطنية لتعزيز حقوق الأجيال الحالية والقادمة.
وفي هذا السياق، أكّدت وزيرة البيئة وجودة الحياة، نجيبة جيلالي، أنّ القانون الجديد “يكتسي أبعادا تتجاوز التحديات البيئية الحالية، ليحمل في طياته رسائل قوية تتعلق بالعدالة التاريخية والبيئية” ضد المستعمر الغاشم، الذي ترك “المخلّفات الكارثية للتفجيرات النووية التي أجراها في صحرائنا”، مع مواصلة العمل “على هذا الملف بكل الوسائل المتاحة بما يضمن انتزاع الحق لشعبنا وحماية بيئتنا من هذه الآثار المدمرة”.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19684

العدد 19684

الإثنين 27 جانفي 2025
العدد 19683

العدد 19683

الأحد 26 جانفي 2025
العدد 19682

العدد 19682

السبت 25 جانفي 2025
العدد 19681

العدد 19681

الخميس 23 جانفي 2025