تحقيـق الإكتفـاء الذّاتي وتوفير مناصب شغل لآلاف البطّالـــين
عازما على تحقيق الأمن الغذائي للجزائر والرقيّ بالمنتج الجزائري إلى الأسواق الخارجية بمعايير جودة عالمية، أولى رئيس الجمهورية بالغ الإهتمام والعناية بجميع المجالات الإستثمارية التي من شأنها تحقيق الإكتفاء الذّاتي من المنتجات الغذائية.
أوضح الرئيس المدير العام لمؤسّسة الدّراسات الإقتصادية وتطوير الإستثمارات، هشام سعيدي في اتّصال مع “الشّعب”، أنّ الصّناعات الغذائية في منعرج سيجعل الجزائر تحقق اكتفائها الذّاتي، وبندا رئيسيا ضمن إستراتيجية تنويع وتحرير الإقتصاد الوطني، كما تعتبر من المحاور الإستراتيجية التي يجتهد فريق متعدّد الخبرات من خبراء وتقنيّي مؤسّسة الدراسات الإقتصادية وتطوير الإستثمارات، في إثرائها بهدف الإسهام الفعلي في بعث شعبة الصّناعات الغذائية بالجزائر، وحجز أماكن تليق بجودتها على مستوى الأسواق الإقليمية والعالمية.
من جهة أخرى، تابع سعيدي، أنّ الإهتمام بشعبة الصّناعات الغذائية، سيسمح في نفس الوقت -إضافة إلى تحقيق الإكتفاء الذّاتي والأمن الغذائي- من توفير مناصب شغل لآلاف البطّالين تنفيذا لالتزام رئيس الجمهورية بخلق 25 ألف منصب شغل ما بين 2025 و2026، ستكون شعبة الصّناعات الغذائية مجالا مستقطبا يسمح باحتواء آلاف الشّباب المتطلّع لمناصب شغل، خاصة وأنه يشمل مجالات متنوعة، حيث تشكل التّمور، الحبوب والخضروات والفواكه، أهم موارد الإستثمار بالصّناعات الغذائية، إضافة إلى اللّحوم.
عـودة إلــى الواجهة..
في هذا الإطار، تؤكد الإحصائيّات التي استند إليها سعيدي في طرحه، إلى أن مساهمة شعبة الصّناعات الغذائية في النّاتج الخام المحلّي تعرف منحنى متنامي، مدعومة بالإنتعاش الذي يعرفه القطاع الفلاحي خلال السّنوات الأخيرة بمساهمة لا تقلّ عن 15 % في النّاتج الخام المحلي، إلى جانب الدّيناميكية التي يعرفها قطاع الصّناعة والإهتمام الخاص الذي حظيت به الصّناعات الغذائية، حيث تمّ إطلاق العديد من المشاريع سواء على مستوى المجمّعات الصّناعية التابعة لوزارة الصّناعة والإنتاج الصّيدلاني أو عن طريق شراكات إستراتيجية متعدّدة الجنسيات، أو استثمارات للقطاع الخاص.
ويرافق القطاع الخاص كبرى المؤسّسات الإقتصادية العمومية، في تحقيق مقاربة تنويع الإقتصاد الوطني وتحقيق الإكتفاء الذّاتي من حيث المواد الغذائية ذات الإستهلاك الواسع على غرار إنتاج زيت المائدة، على مستوى مصنع “المحروسة” التابع لمجمّع “أغروديف” الذي استأنف نشاطه بقوة مؤخّرا، والسّكر والحليب المجفف، وصناعة مشتقّات الحبوب، وهنا يتوقع المتحدث، إلى أن هذه الأخيرة، ستعرف انتعاشا ملحوظا في المستقبل القريب، بعد تحقيق الإكتفاء الذّاتي لكلّ من القمح الصّلب والقمح اللّين، مما سيوفر المادة الأولية لصناعة العجائن بأقل تكلفة، بعدما كانت تكبّد الخزينة العمومية قيمة معتبرة من العملة الصعبة.
إستغلال المـوارد واستثمـار المعطيـات
ومن أجل كسب رهان تجربة الصّناعات الغذائية ببلادنا، ركز هشام سعيدي على عدة عوامل مفصلية وجب أخذها بعين الإعتبار، على رأس أولوياتها تكوين كفاءات متخصّصة لإنتاج السلع ذات القيمة المضافة العالية لضمان تنافسيتها بالأسواق الخارجية، والتحكّم بالتّكنولوجيات الحديثة واعتماد الوسائل العصرية بما يتماشى والمتطلّبات التّسويقية، أين تعيش المؤسسات الإقتصادية العالمية -على اختلاف جنسياتها ومجالات نشاطها خدماتية كانت أو صناعيّة، واختلاف منتجاتها-حربا تنافسية شرسة تفرض استجابتها لمعايير الجودة العالمية، والتقيّد بالآجال القياسية في احتواء متطلبات أسواقها.
كما شدّد على ضرورة التنسيق القطاعي والتكامل بين القطاعات، في هذا الصّدد، استند ذات المتحدّث، إلى تعليمات رئيس الجمهورية على مدار 96 مجلس وزراء ترأّسها خلال عهدته الأولى، ولا تزال متواصلة، حيث أكّد في كل مناسبة على ضرورة تكثيف التنسيق فيما بين القطاعات من أجل استغلال أمثل لموارد كل قطاع، حيث يشكّل قطاعيّ الصّناعة والفلاحة بجميع شعبهما وفروعهما، في ظلّ الإمكانيّات الطبيعية والبشرية التي يتمتّعان بها، الحلقة المحورية من أجل الوصول إلى منتج غذائي جزائري 100%. إلى جانب منح تسهيلات للوصول إلى مصادر تمويلية كافية وإعفاءات ضريبيّة محفزة.
وتجدر الإشارة إلى ضرورة الإستفادة من موقع الجزائر الإستراتيجي بإطلالته الإزدواجية على ضفتيّ المتوسط شمالا ونحو الأسواق الإفريقية جنوبا، حيث ذكر ذات المتحدّث بالمناسبة، أنّ الجزائر كانت قد أصدرت في 29 ديسمبر2020، بتوجيه من رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، قانونا متعلّقا بإنشاء المنطقة الحرّة، ترسيخا لقناعتها في إضفاء الصّبغة التكاملية مع دول الجوار وتعبيرا عن وفائها لعمقها وانتمائها الإفريقي، خطوة يؤكّدها القرار السيادي والإستراتيجي الذي اتّخذته بانضمامها إلى البنك الإفريقي للتّصدير والاستيراد، خلال شهر جوان 2022، كآليّة تسهّل ولوجها نحو العمق الإفريقي.
سياســة رشيـدة ورؤيـة متبصّـرة..
وقد كان للسّياسة الرّشيدة التي انتهجها رئيس الجمهورية خلال عهدته الأولى والإلتزام باستكمال بناء أسسها وركائزها خلال عهدته الثانية، نتائجها غير المسبوقة، بشهادة الهيئات الدولية، بداية من الحرص على استثمار كل الموارد والمقدّرات الطبيعية للبلاد، وصولا إلى منتجات جزائرية تخضع لمعايير الجودة العالمية ومطلوبة بالأسواق الخارجية. سياسة رشيدة ترجمت نتائجها الأرقام التي حقّقتها الجزائر خلال فترة يمكن وصفها بالقياسية.
وبالعودة إلى الصّناعات الغذائية وفيما يخص جملة الإجراءات والتدابير التي اتّخذتها الدولة الجزائرية من أجل بعث هذا القطاع الحسّاس، الذي يعول عليه بصفة أساسية في تلبية حاجيات السّوق المحلية، قال هشام سعيدي إنّ الجهود المبذولة من طرف السلطات العمومية، تعكس مدى اهتمامها وحرصها على تطوير الصّناعات الغذائية، من خلال تحفيز الإستثمار في هذا المجال، وفتح أبوابه الواسعة أمام القطاع الخاص، إضافة إلى إعادة بعث العديد من المشاريع الإستثمارية المتوقّفة بسبب عراقيل بيروقراطية، أصبحت اليوم من الماضي، بفضل التّسهيلات التي جاء بها قانون الإستثمار الجديد 18/22. بالمقابل وفيما يتعلق باستثمار المورد البشري، ثمّن ذات المتحدّث، مدى اندماج الشباب الجزائري سواء على مستوى الجامعات أو مراكز التعليم والتّكوين المهنيّين، اندماج يترجمه الكمّ الهائل للمشاريع المبتكرة في مجال الصناعات الغذائية، كحلول علمية لجملة الإشكاليات التي يمكن أن تعترض إنتاجيّة هذه الشعبة.
اقتصـاد متحـــرّر ومتنـوّع
وعن آفاق شعبة الصّناعات الغذائية، يتوقع سعيدي، أن تحقّق هذه الأخيرة، قفزة نوعية خلال السّنوات الأخيرة، بفضل الإستراتيجية الحكومية المعتمدة لدعم الصّناعات الغذائية والتّحويلية، القائمة على تشجيع تصدير المنتوج المحلّي من تمور وخضروات وفواكه ومشتقّات الحبوب والألبان، بالإضافة إلى تعزيز المشاريع الإستثمارية ذات القيمة المضافة، بما فيها تلك التي تمّت إعادة بعثها، كمصنع زيت المائدة. ثورة صناعية ومشاريع بالجملة، يرى المتحدّث أنها ستساهم بشكل كبير في الناتج المحلي الخام وتعزيز دور الصناعة التحويلية في الإقتصاد الوطني، من خلال توفير منتجات غذائية بالسّوق المحلية، وخلق مناصب شغل على مستوى سلاسل الإنتاج والتّحويل والتّوزيع.
في سياق متصل، شدّد هشام سعيدي على ضرورة نشر ثقافة التوجه نحو المنتوج المحلي وسط المستهلك الجزائري، وإقناعه بجودته ومركزه العالمي، في نفس الوقت التعريف بفرص الإستثمار في هذا المجال، وهو فعلا ما شكّل أحد أهداف الصّالون الدولي للصناعات الزراعية بولاية وهران، الذي انطلقت فعاليّاته بتاريخ 14 جانفي 2025 -وفق ذات المتحدّث الذي كان أحد المشرفين على افتتاحه- حيث أكّد هذا الأخير، من خلال وقوفه على مختلف أجنحة الصّالون والمنتجات المعروضة، أن جودة المنتجات على اختلاف أنواعها وتعدّدها، كانت العملة الموحدة والقاسم المشترك الذي يجمع جميع المستثمرين، ممن وضعوا ثقتهم في المقدرات التي تكتنزها الجزائر، كفضاء استثماري واعد مستقطب لجميع أنواع المشاريع ومنفتح على جميع الأسواق الخارجية، خاصة الإفريقية منها، بحكم أن القارة الإفريقية، تشكّل سوقا واعدا بـ 4 مليار نسمة، واحتياجات متعطّشة لجميع أنواع المنتجات، خاصة الزراعية منها في ظل سعي جميع دول العالم إلى تحقيق أمنها الغذائي على خلفية التّوترات والصّراعات الجيو-إستراتيجية التي يشهدها العالم، جعلت من الغذاء سلاحا فتّاكا وورقة رابحة لفرض الهيمنة الاقتصادية.
وفــاء لكل مــا هـو جزائــري..
في هذا الإطار، أطلقت مؤسّسة الدّراسات الإقتصادية لتطوير الإستثمارات في 6 جانفي 2025، حسب ما ورد على لسان مسؤولها الأوّل، برنامجا متكاملا لمرافقة ومساعدة المتعاملين الإقتصاديين ممّن يطمحون إلى تصدير منتجاتهم خارج الخارطة السّوقية المحلّية، نحو إفريقيا، في إطار اتّفاقيات منطقة التبادل الحرّ الإفريقية.
وأوضح أنّ الصّالون الدولي للصّناعات الغذائية كانت فرصة للتّرويج لهذه المبادرة التي حظيت بإجماع والتفاف المستثمرين حولها، ما ينم عن روح وطنيّة عالية لدى المستثمر والمتعامل الإقتصادي الجزائري، ووفاءه لكلّ ما هو جزائري واستعداده لدعم المشروع الوطني لبعث وتنمية الإقتصاد المحلّي، وهو الإنطباع الذي باركه ذات المتحدّث، وندين به للمرافقة النابعة من نيّة صادقة وإرادة سياسية حقيقية لرئيس الجمهورية لتحرير الإقتصاد الوطني من التبعية سواء للمحروقات أومن قبضة الهيئات المالية الدولية على غرار صندوق النقد الدولي، حيث تتواجد الجزائر اليوم، أردف ذات المتحدث، عند إحداثيتي، الصّفر من حيث المديونية الخارجية، و70 مليار دولار من حيث احتياطي الصرف، وهي إحداثية تؤكد السيادة الإقتصادية المكمّلة للسّيادة السّياسية والدبلوماسية للدولة الجزائرية.
الإقتصــاد العائلي.. قيمـة مضافـة
وتواصل الدّولة الجزائرية مسارها في استغلال مقدراتها الطّبيعية بما فيها الفلاحيّة، كمورد أولي للصّناعات الغذائية، من خلال تشجيع الإستثمار المحلّي، لجميع الفئات بالخصوص على مستوى مناطق الظّل من خلال تشجيع الإقتصاد العائلي، الذي يعتبر مصدر رزق وقيمة مضافة للإقتصاد الوطني.
واجتهدت السّلطات العمومية، يقول سعيدي، في دعم التعاونيّات المصغّرة والعائلات المنتجة من خلال مختلف الأجهزة التمويلية، مثل جهاز القرض المصغر الذي نجح إلى غاية اليوم في تمويل ما يزيد عن مليون مشروع مصغر، ذو قيمة معتبرة على غرار صناعة الزيوت التقليدية والطّبية، والزّيتون، والتّين المجفّف ومختلف أنواع العسل وأجودها عالميّا، نجحت في شقّ طريقها نحو الأسواق الخارجية بداية من دول الجوار. وهي قطرة من فيض يريده رئيس الجمهورية، أن يراوح 15 مليار دولار نهاية 2027 و30 مليار دولار مع نهاية العهدة.