تنظيم المعارض فرصـة سانحة من أجل التعريف بالمنتجات الجزائرية
تولي الجزائر أهمية إستراتيجية لشعبة الصناعة الغذائية لما لها من دور كبير في تعزيز الأمن الغذائي وتحقيق التنمية المستدامة، والنهوض بمسيرة البناء الوطني على ضوء عالم يشهد تزايد تأثير الغذاء واستعماله كأحد الأسلحة القويّة في الحروب الحديثة، في وقت ترفع بلادنا الرهان اليوم حول المسعى الاقتصادي الذي تتّبعه الدولة حاليا بالخروج من دائرة اقتصاد المحروقات، وها هي الجزائر المنتصرة تحت قيادة الرئيس عبد المجيد تبون تحقّق بداية مبشّرة لرقّي الاقتصاد الوطني إلى مصاف الاقتصادات الصاعدة، عن طريق تحقيق الاكتفاء الذاتي رافعة شعار عدم ربط مصير الأجيال القادمة بعائدات المحروقات.
شدّد الخبير الاقتصادي بوشيخي بوحوص على أهمية الصناعة الغذائية التي تعدّ من بين القطاعات الحيوية والأساسية في دعم نمو الاقتصاد الوطني، مبرزا تطوّر النشاط في شعبة الصناعات الغذائية والتحويلية، خاصّة منذ وصول الرئيس عبد المجيد تبون إلى سدّة الحكم بالرغم من الأزمة الصحية العالمية “كوفيد 2019”، التي تزامنت مع بداية العهدة الأولى له، حيث توقفت سلاسل الإمداد عبر الكرة الأرضية وارتفعت معها أسعار النقل والشحن البحري. وأكد المتحدث، بروز “النهضة الكبيرة في القطاع الفلاحي في الجزائر الذي حقّق رقم 39مليار دولار كإنتاج خلال سنة 2022، وتجاوز لأوّل مرّة حتى قطاع المحروقات بسبب انخفاض أسعار البترول والغاز خلال تلك الفترة”.
وفي السيّاق، أشار بوحوص إلى وجود فائض في المحاصيل خاصّة في البطاطا والطماطم والبصل والثوم وحتى الخضراوات التي تزرع في البيوت البلاستيكية والقبب، إلى جانب الحمضيات والفواكه الأخرى، حتى وقع كساد في بعض من تلك المنتجات وتعرض المنتجون إلى خسائر، إذ كان لابد من وجود قنوات كي تتكفل بذلك الفائض، حيث وجهت نحو قطاع الصناعات الغذائية الذي يعتبر هو الحلّ الأمثل لتعزيز الأمن الغذائي من خلال إنتاج المصبّرات واستعمال تقنيات التبريد والتخزين والتجفيف.
مليـــون عامــل..
وبهذا الخصوص، أوضح الخبير، أن الجزائر تملك طاقة صناعية كبيرة في الصناعات التحويلية والغذائية، تتمثل في عدّة مركبات صناعية منتشرة عبر مختلف ولايات الوطن، كانت في السابق تنتمي إلى الشركة الوطنية السابقة المنحلة “سوجيديا”، بينما اليوم حل محلّها مجمّع “اقروفيد” ومجمّع مدار أيضا، خاصّة في ولاية باتنة حيث تم رسميا إعادة تشغيل مصنع المشروبات غير الغازية بطعم البرتقال الشهير سابقا.كما تمّ أيضا الانتهاء رسميا من استلام مركب إنتاج الزيت في الطاهير بولاية جيجل، من أجل مباشرة إنتاج الزيت، انطلاقا من البذور الزيتية المزروعة في شرق البلاد أو المزمع زراعتها في ولاية أدرار، في إطار الاستصلاح وخلق المزارع النموذجية الجامعية 2000 عبر كامل التراب الوطني وتحقيق على الأقل مليون هكتار استصلاح واستيعاب على الأقل مليون منصب عمل من بينهم 300 ألف جامعي.
وطبعا هذا كلّه يتحقّق ــ يقول محدّثنا ــ من خلال عودة نظام الشركات الوطنية 51 وحلّ المجمعّات الحالية التي تستند على اتفاقية الأجور الخيالية للمسيرين المعرقلة للتوسّع واستيعاب خريجي الجامعات في القريب العاجل.وأضاف: “هكذا سوف ننتقل من 170ألف عامل في الصناعات الغذائية إلى مليون منصب عمل”، خاصّة مع وجود دراسات علمية جاهزة للمساهمة في تعزيز هذه الشعبة الصناعية الهامّة جدًا في تحقيق الأمن الغذائي بالبلاد، حيث ننتظر من وزارة الفلاحة والصناعة تبنيّها للتوجّه نحو الإقلاع الاقتصادي المنشود وتحقيق إستراتيجية اقتصادية شاملة للتنمية”.
رهـان الصــادرات وتحقيـق الأمــن الغذائي
وقبل أن يؤكد أن الجزائر قادرة على رفع رهان التصدير في إطار سياسة تعزيز الصادرات خارج قطاع المحروقات، ذكّر متحدثنا بالمقوّمات الطبيعية التي تزخر بها البلاد حيث أن الجزائر تضمّ 40 مليون هكتار من الغابات والجبال وحوالي 9 مليون هكتار أراضي خصبة يشتغل فيها حوالي 2.5 مليون هكتار، مع وجود 1,5مليون هكتار أراضي مسقية، أما الباقي كله يعتمد على الأمطار، وعليه فإن الاستراتيجية الواجب التركيز عليها ــ وفق ذات المختص ــ هي سقي الأراضي سواء من خلال توجيه كل سدود البلاد والمياه المستعملة المعالجة وأيضا تخصيص جزء من المياه غير التقليدية المنتجة من تقنية تحلية مياه البحر، نحو القطاع الفلاحي الذي يعتبر الركيزة الأساسية لترقية شعبة الصناعات التحويلية.وفي السياق، أبرز أستاذ الاقتصاد، أن السلطات العليا في البلاد ستنجح في ربح رهان 4,5 مليون هكتار من الأراضي المسقية في شمال البلاد، مما يحقّق محاصيل مؤكدة في ميدان الخضر والفواكه تكفي للاستهلاك الطازج وتحويلها نحو شعبة الصناعات الغذائية وأيضا تصدير الفائض منها، خاصّة أن السلطات العليا في البلاد ترغب في تحقيق رقم 15مليار دولار خارج قطاع المحروقات كصادرات، مع تفعيل سياسة ترشيد الواردات.
شراكـات أجنبيــة فــي الأفـق
وأشار أستاذ الاقتصاد بجامعة مستغانم في السياق إلى الشراكات الأجنبية في هذا المجال، خاصّة ما تعلّق بالاتفاق الاستراتيجي الجزائري ــ الايطالي لإنجاز مشروع ضخم بولاية تيميمون باسم “مؤسسة ماتيي إفريقيا” الذي سيمتد من عام 2024 إلى 2028 لإنتاج الحبوب والبقوليات والصناعات الغذائية، مبرزا متانة العلاقات الاقتصادية الجزائرية الإيطالية، خاصّة في مجال المحروقات حيث شركة إيني الإيطالية موجودة في الجزائر، إضافة إلى مركّب صناعي كبير في إيطاليا يقوم بتكرير البترول الجزائري “صحراء بلاندا.”.
أما فيما يخصّ إنتاج القمح والسكر، يؤكد المتحدّث أنه سوف يتم ذلك رسميا من خلال الاستثمار المباشر بإنشاء مزارع نموذجية جامعية جزائرية إيطالية في إطار تقاسم الإنتاج، خاصّة أن روما تستورد حاليا حوالي 2,3 مليون طن سنويا من القمح الصلب، مشيرا إلى وجود مركبات صناعية ضخمة في الجزائر في كل من ولايتي سعيدة وتيارت متوقفّة تنتظر فقط الإشارة من أجل إعادة التشغيل، مع إجراء بعض الإصلاحات الطفيفة.
استصلاح مليون هكتار في الصحراء
وضمن هذا الإطار، أبرز بوحوص أن الاستثمارات في المجال الزراعي تستهدف الوصول إلى استصلاح مليون هكتار من الأراضي في الصحراء الكبرى، على غرار ولايات أدرار، عين صالح، المنيعة، وادي سوف، بشار وبني عباس، حيث بدأ العمل مع شركة الألبان القطرية “بلدنا”، لإنتاج الحليب ومشتقاته واللّحوم الحمراء، الى جانب العمل مع الإيطاليين لإنتاج القمح الصلب وقصب السكر في اطار عقد تقاسم الإنتاج، حيث بقي فقط الاتفاق على إنشاء المزارع النموذجية الجامعية الجزائرية الإيطالية والإدراج في البورصة.
وذكر بوحوص بتدخّل رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون خلال اجتماع القادة السبع في ايطاليا المنعقد خلال سنة 2024، حيث كانت مناسبة سانحة من أجل إقناع الجانب الإيطالي من أجل الاستثمار المباشر في بلادنا، مع وضع مصلحة الوطن فوق كل اعتبار وفق نظرة براغماتية من خلال إشراك الإطارات الجزائرية خريجي الجامعات والمعاهد، على غرار جامعات ولايات أدرار، وادي سوف، بسكرة وأيضا معاهد التكوين المهني في مجال الزراعة والفلاحة الصحراوية، ومزارع البرهنة الموجودة والجاهزة من أجل إنجاح عملية تقاسم الإنتاج بين الجزائر وايطاليا في مجال إنتاج القمح والسكر. يقول المتحدّث.
جُهـد الفـلاح خـطٌّ أحمـر
وأبرز ذات المختص أن تنظيم المعارض يعتبر فرصة سانحة من أجل تعريف المواطن البسيط بالمنتجات الجزائرية المحلية وأيضا فرصة للتعريف بها عالميا من خلال المشاركة في المعارض العالمية، إلى جانب استغلال الفرصة من أجل التقاء المتعاملين الاقتصاديين في القطاع الفلاحي، واغتنام مثل هذه التظاهرات الاقتصادية في عقد الاتفاقات وما يسمى P2P، يقول ذات الخبير عبر تبادل المنافع بين مختلف المؤسسات والشركات الوطنية.
وشدّد في السياق، على أن الحلّ للوصول إلى الأمن الغذائي وتحقيق الاكتفاء الذاتي يكمن في تطبيق مقولة “جهد الفلاح خطّ أحمر، التي صدح بها الرئيس تبون وجعلها شعارا يُعتمد عليه، حيث يجب أن يجد الفلاح الحقيقي من يشتري عليه وبسعر مناسب ومعقول، داعيا وزارة الفلاحة أن تنشئ 1584 مخزن تبريد عبر كامل التراب الوطني وهكذا تجد مصانع التحويل والمصبرات والتجفيف المخزون المناسب لها.