تنويع الاقتصاد وتوفير فرص عمـل جديدة

السياحة العلاجية والثقافية..إمكانات جزائرية كبيرة

أم الخير سلاطني

يشهد قطاع السياحة في الجزائر تحوّلات جذرية، أساسها تطوير مناطق توسّع سياحي جديدة لجذب المزيد من الاستثمارات، وبالتالي المساهمة في تنويع الاقتصاد الجزائري والحدّ من الاعتماد على النفط وفتح مجالات جديدة للتشغيل والحفاظ على التراث الثقافي والتاريخي للجزائر.

تعدّ “بوحنيفية” إحدى المدن التي ستشهد نقلة نوعية في مجال تطوير السياحة عصب اقتصادي نابض بالثروة والحياة، فبرنامج التوسّع السياحي الذي خصّت به الدولة المدينة الحموية، يهدف إلى تحويل هذه المدينة إلى قطب سياحي بامتياز، وذلك من خلال استغلال الإمكانات الهائلة التي تزخر بها، خاصّة في مجال السياحة العلاجية.
وحسب مديرة السياحة لولاية معسكر، زوليخة بن دحمان، في تصريحها لـ«الشعب” يهدف هذا البرنامج الطموح إلى تهيئة مساحة إجمالية تقدّر بـ 458 هكتار، موزّعة بين المنطقة الحضرية وعين الحامات، لإنشاء بنية تحتية سياحية متكاملة، فمن المقرّر إقامة فنادق فاخرة، ومراكز عناية صحّية، ومساحات خضراء، ومرافق ترفيهية متنوّعة، ترمي إلى إنعاش الحركية السياحية والاقتصادية بعاصمة الحمامات المعدنية، وتهدف في شقّ آخر، إلى الحفاظ على التراث الطبيعي والثقافي للمنطقة وتثمينه، من خلال إنشاء مسالك سياحية ترافق الخدمات والهياكل السياحية.
وأوضحت زوليخة بن دحمان أنّ برنامج مناطق التوسّع السياحي رأى النور مؤخرا، في ظلّ التوجّه الاقتصادي الجديد للبلاد والحرص الشديد الذي تبديه الوزارة الوصية على القطاع، من أجل الدفع بملف مناطق التوسّع السياحي، مشيرة إلى أنّ برنامج التوسّع السياحي الذي خصّت به ولاية معسكر، على مستوى مدينة بوحنيفية، يتوقّع أن يُنفض الغبار عنه في منتصف السنة الجارية بعد الإعلان عن الدراسة التقنية لعملية تهيئة منطقتا التوسّع السياحي بعين الحامات وبوحنيفية.
وأوضحت المتحدّثة أنّ المشروع سيسمح بتنشيط الاقتصاد المحلي، من خلال خلق فرص عمل جديدة في مختلف القطاعات، زيادة على كونه برنامجا يركّز على تطوير سياحة مستدامة تحافظ على البيئة وتضمن استفادة الأجيال القادمة من الموارد الطبيعية، فضلا عن المساهمة في الترويج والتعريف بالجزائر كوجهة سياحية جاذبة، خاصّة في مجال السياحة العلاجية والثقافية، والمساهمة أيضا في تحسين مستوى المعيشة للسكان المحليين من خلال توفير الخدمات والفرص.

فرصة كبيرة لتحقيق تنمية مستدامة

من جهته، اعتبر المختصّ في العلوم الاقتصادية الأستاذ بجامعة سعيدة، عبد القادر لحول، مناطق التوسّع السياحي في الجزائر أحد أهم المشاريع الاستراتيجية التي تهدف إلى تنويع الاقتصاد وتوفير فرص عمل جديدة، وتشجيع الاستثمار، وتعزيز مكانة الجزائر كوجهة سياحية عالمية.
وأوضح في تصريح لـ«الشعب” أنّ هذه المناطق ترتبط ارتباطا وثيقا بتطوير البنية التحتية، وتحفيز النموّ الاقتصادي، وخاصّة في مجال السياحة العلاجية، لاسيما في مناطق حموية تتمتع بموارد طبيعية غنية، على غرار بوحنيفية كنموذج، معتبرا أنّ قطاع السياحة من أهم القطاعات الاقتصادية في العالم، وهي توظف نحو عشر (10/1) سكان الأرض وتسهم في توفير سبل العيش لمئات الملايين الآخرين، كما تساهم بنحو 20 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي لبعض البلدان، كما تعتبر السياحة ركيزة أساسية لخطة التنمية المستدامة 2030 حسب أجندة هيئة الأمم المتحدة.
وأشار الدكتور عبد القادر لحول إلى أنّ إنشاء مناطق التوسّع السياحي يتطلّب بالضرورة تطوير البنية التحتية في المناطق المستهدفة، وهذا التطوير يشمل البنية التحتية الأساسية مثل الطرق، والمواصلات، والمياه والكهرباء، والصرف الصحّي، والمنتجعات الفندقية وما يتبعها من مرافق ترفيه وخدمات ومراكز صحّية، زيادة على البنية التحتية التكنولوجية مثل شبكات الاتصالات، والإنترنت، وأنظمة المعلومات، لأهمّيتها في خدمة السياح وتنظيم الخطط التنموية للسلطات، مشيرا إلى أنّ التطوير الشامل للبنية التحتية الجيدة، يمثل من جهة أخرى بيئة جاذبة للمستثمرين في القطاع السياحي، وله إسهامات على تحسين جودة الخدمات المقدّمة للسياح، وأثر بالغ على تطوير المناطق وتحسين مستوى المعيشة للسكان المحليين.

العلاقة بين النموّ السياحي والنموّ الاقتصادي

وتحدّث الدكتور لحول عن قطاع السياحة باعتباره من القطاعات الاقتصادية الواعدة التي تساهم في تحقيق النموّ الاقتصادي، من خلال خلق فرص عمل مباشرة وغير مباشرة في العديد من المجالات مثل الفندقة، والمطاعم، والنقل، والحرف التقليدية، زيادة على مساهمة تدفّق السياح في زيادة الدخل القومي من خلال إنفاقهم على السلع والخدمات، ممّا يساعد في تنويع مصادر الدخل الوطني والحدّ من الاعتماد على قطاع واحد، إلى جانب مساهمة القطاع في جلب العملة الصعبة والحفاظ على الهوية الثقافية من خلال الترويج للمنتجات المحلية والحرف التقليدية.

مستقبل السياحة الحموية والانتقال إلى السياحة العلاجية

وقال المتحدّث أنّ الجزائر تمتلك إمكانات كبيرة في مجال السياحة العلاجية، خاصّة في المناطق التي تتميّز بوجود المياه المعدنية الساخنة، على غرار المدينة الحموية بوحنيفية، التي تمتلك هي الأخرى آفاق واعدة للإسهام في الاقتصاد الوطني، انطلاقا من تاريخها العتيد وصيتها الواسع على نطاق عالمي، مشيرا إلى أنّه من خلال إنشاء مناطق التوسّع السياحي، يمكن تطوير المنطقة وتحويلها إلى قطب سياحي عالمي متخصّص في السياحة العلاجية، في ظلّ جاذبيتها الطبيعية في استقطاب السياح الباحثين عن العلاج والاسترخاء، لافتا أنّ تطوير منطقة بوحنيفية من خلال إنشاء مناطق التوسّع السياحي، يمكن الاستفادة منه حتى في تطوير الصناعة الصيدلانية، استغلالا للمياه المعدنية في إنتاج الأدوية والعقاقير.
وأكّد الدكتور عبد القادر لحول أنّ إنشاء مناطق التوسّع السياحي في الجزائر يمثل فرصة كبيرة لتحقيق تنمية اقتصادية مستدامة وخلق فرص عمل جديدة، مرافعا من أجل تحقيق أقصى استفادة من هذه المناطق، من خلال التركيز على تطوير البنية التحتية، والاستثمار في السياحة العلاجية، والترويج للوجهات السياحية الجزائرية على المستوى الدولي، مبرّرا مساعي الجزائر إلى الاعتماد على القطاع السياحي والرهان عليه كبديل مهمّ لقطاع المحروقات، أنّه آت من منطلق تحقيق التنمية الاقتصادية في البلاد، من خلال الاستغلال الأمثل والمتوازن للموارد والإمكانات التي تزخر بها الجزائر، وذلك في سياق تحقيق الاكتفاء الذاتي بعيدا عن الضغوط والآثار الوخيمة من جراء تقلّبات أسعار المحروقات وما تحدثه من أضرار على الاقتصاد الوطني، الأمر الذي يوجب التنويع في القطاعات والأنشطة التي تخلق القيمة والثروة على غرار السياحة بمختلف أنواعها.

دعم الاقتصاد الوطني والتنمية المحلية

وأكّد المتحدّث أنّ إنشاء مناطق التوسّع السياحي، سيساهم في رفع الدخل السياحي أو العائد المراد تحقيقه من السياحة، نتيجة زيادة توافد السياح خاصّة الأجانب منهم، كما يؤدّي القطاع السياحي إلى تنشيط عديد المجالات والقطاعات ذات الصلة، على غرار النقل والخدمات السياحية الأخرى من إيواء وإطعام وإرشاد وترفيه وحتى الأنشطة المرتبطة بالصناعات التقليدية والحرف اليدوية، زيادة على مساهمته في الترويج للمقوّمات الاقتصادية التي تزخر بها الجزائر، وهو ما يدفع بالأجانب إلى القدوم لضخّ أموالهم في مشاريع اقتصادية متنوّعة، الأمر الذي اعتبره المتحدّث- مقوّم رئيسي لزيادة تدفّق العملات الصعبة للداخل ومنه رفع احتياجات الجزائر من العملة الصعبة.

مقترحات لتفعيل السياحة الحموية

واقترح المختصّ الاقتصادي، إعداد استراتيجية واضحة المعالم تستند على مبدأ التشاركية بين مختلف الفاعلين كلّ حسب مركزه وتخصّصه، هدفها رسم خارطة سياحية مستقبلية في المدينة الحموية بوحنيفية على وجه الخصوص وبالمواقع الحموية الأخرى بشكل عام، من أجل الوقوف على النقائص والحدّ منها وكذا دعم الفرص وتقوية الايجابيات أو المحاسن، ومعرفة وضبط جميع الأسعار المرتبطة بالسياحة في بوحنيفية، ولما لا إعداد بطاقة تقنية سياحية عن مختلف التشكيلات المقدّمة من المنتجات أو الخدمات، هذا ما يسهّل الأمر أمام السياح لضبط ميزانياتهم الموجّهة لغرض السياحة، داعيا إلى تشخيص العوامل المؤثرة في الطلب السياحي وكيف يمكن تحفيز السياح لاقتناء مختلف الخدمات المرتبطة بالسياحة الحموية خاصّة، مع البحث عن تقنيات جديدة مبتكرة من أجل استقطاب السياح نفسهم إلى نفس الأقاليم السياحية من أجل الحفاظ عليهم أمام مغريات المنافسة الشديدة، والعمل أيضا على تحفيز المستثمرين المحليين والأجانب من أجل الاستثمار في مجال العلاج الفيزيائي واستقطاب أهمّ المختصّين في هذا المجال دوليا، لزيادة رواج السياحة العلاجية المعتمدة خاصّة على مفعول المياه المعدنية المهمّ جدّا في علاج عديد الأمراض بشهادة أهل الاختصاص.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19682

العدد 19682

السبت 25 جانفي 2025
العدد 19681

العدد 19681

الخميس 23 جانفي 2025
العدد 19680

العدد 19680

الأربعاء 22 جانفي 2025
العدد 19679

العدد 19679

الثلاثاء 21 جانفي 2025