استثمار الجهود لاسترجاع مكانة القطاع كرافعة للهويـة الوطنيـة والتنمية الثقافيـة
أكّد رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون بمناسبة افتتاح الجلسات الوطنية للسينما، ضرورة إعادة بعث السينما الجزائرية، التي كانت يومًا واحدة من أعمدة الفن السابع في المنطقة العربية.
الدّعوة المطلوبة والضرورية لا تقتصر فقط على البعد الفني، بل تمتد لتشمل الأدوار الثقافية والاجتماعية والاقتصادية التي يمكن أن تلعبها السينما في تشكيل الهوية الوطنية وتعزيز الوعي الجماعي. في هذا السياق، يرى الخبراء أن السينما، في عصرنا الحالي، أصبحت أداة تأثير عميقة يمكنها المساهمة في بناء المجتمعات أو حتى تخريبها، مما يجعل من الضروري استثمار الجهود لإعادة الاعتبار لهذا القطاع كرافعة للهوية الوطنية والتنمية الثقافية.
تتميّز السينما الجزائرية بإرثها الغني الذي ارتبط بالثورة التحريرية وبناء الهوية الوطنية، وخلال “الفترة الذهبية”، نافست الجزائر بقوة السينما المصرية والسورية، مقدمةً أعمالًا رسخت في ذاكرة الأجيال مثل “معركة الجزائر” و«وقائع سنين الجمر”، لكن اليوم، تواجه السينما الجزائرية تحديات كبرى تتعلق بالتمويل، التكوين، وقاعات العرض، فضلًا عن الحاجة إلى تحديث البنية التحتية والتكيف مع التكنولوجيا الحديثة.
ويشير المختصون في مجال الثقافة والفن إلى أن السينما الحديثة لم تعد مجرد أداة للترفيه فقط، بل أصبحت سلاحًا ثقافيًا واستراتيجيًا قادرًا على التأثير في المجتمعات وتشكيل الرأي العام العالمي والمحلي. كما يمكن أن تتحول إلى وسيلة تخريبية إذا لم تُدار بوعي ومسؤولية. ومن هذا المنطلق، تحتاج السينما الجزائرية إلى مرافقة شاملة من الدولة، تشمل الدعم المالي لمشاريع الإنتاج الكبرى والرقابة الإيجابية لضمان تقديم محتوى يعكس قيم المجتمع الجزائري ويعزز هويته.
كما أنّ تجسيد شخصيات تاريخية بارزة، مثل الأمير عبد القادر، يمثّل أحد أوجه هذه الهويّة الجزائرية الحديثة، فالأمير عبد القادر، الذي وصفته صحيفة “نيويورك تايمز” في عددها سنة 1873 بأنّه “رمز العظمة الوطنية والجندي العبقري والسياسي الحكيم”، لا يزال نموذجًا خالدًا للقائد الذي وحّد الجزائريين وواجه أعظم الإمبراطوريات في القرن التاسع عشر، فتجسيد حياته في عمل فني لن يكون مجرد عمل سينمائي، بل بيانًا ثقافيًا ورسالة للعالم تعكس عمق التاريخ الجزائري وعظمته.
كما أنّ التزام رئيس الجمهورية بتوفير التمويل اللازم وضمان بيئة استثمارية ملائمة في هذا القطاع يعكس إدراك الدولة لأهمية السينما كأداة تأثير وتغيير إجابي. كما أنّ هذا الالتزام هو جزء من استراتيجية شاملة تتضمّن تحديث البنية التحتية، تحسين التكوين المهني في المجال، وتشجيع الإنتاج المشترك مع جهات دولية لتوسيع آفاق السينما الجزائرية عالميًا، فالسينما كما أشار رئيس الجمهورية لم تعد عنصرًا اقتصاديًا قادرًا على خلق مناصب شغل فقط، بل هي عنصر أساسي في تشكيل الهوية الوطنية، وتعزيز الروابط بين الأجيال المتعاقبة.