الغاز سيكـون المصدر الأوّل للطّاقة فـي العقـود المقبلــة
حمل الأسبوع الأول من سنة 2025، أخبارا مطمئنة عن مستقبل الغاز بجميع أنواعه، من حيث أسعاره وحجم الطلب المتوقع عليه، بعد أن عرفت أسعاره ارتفاعا معتبرا رغم زيادة الطلب عليه، ويتوقع الخبراء استقرار هذه المعطيات طيلة العام الجاري. الجزائر التي تحتل المركز العاشر عالميا والأول أفريقيا ضمن أكبر البلدان المنتجة للغاز الطبيعي، والمرتبة السابعة عالميا من حيث الطاقة الإنتاجية للغاز الطبيعي المسال، تعد المورد والممول الثاني لأوروبا في مجال الغاز بنسبة 19 % بعد النرويج، ويساعدها في الحفاظ على مكانتها بنية تحتية قوية، خاصة فيما يخص شبكة الأنابيب التي تصدر الغاز من خلالها على أوروبا مباشرة.
أوضح مدير مركز JSM للأبحاث والدراسات بموسكو، الدكتور آصف ملحم، حول مستقبل الغاز وتوقعات أسعاره لسنة 2025 والأسباب التي تقف وراء هذه التوقعات، أن الانتقال الطاقوي والحياد المناخي هما أهم ما سيميز التوجه العام للمشهد الطاقوي العالمي، حيث سيكون الغاز المصدر الأول للطاقة في العقود المقبلة، محققا بذلك زيادات معتبرة فيما يتعلق بالاستثمارات في مجال الطاقات المتجددة، في ظل الارتباط الوثيق للنشاطات الاقتصادية بمختلف مصادر الطاقة، التي باتت العامل الرئيسي في تحديد العلاقات بين الدول وهندسة الخارطة الجيو-إستراتيجية العالمية. معادلة تؤكد بنيتها التكافئية معدلات استهلاك الطاقة في العالم، حيث انخفضت مساهمة النفط في حجم الاستهلاك العالمي للطاقة من 35 % سنة 1990 إلى 30 % سنة 2022. أما بالنسبة للغاز، فقد تباينت نسب استهلاكه عالميا ما بين 18 % و21 %، و22 %خلال سنوات 1990 و2022.
خارطة غازية بهندسة جيو-إستراتيجية
ويتوقّع الدكتور آصف ملحم أن يزداد الطلب على الغاز بوتيرة مرتفعة في الأعوام المقبلة، الأمر الذي سيؤدي إلى ارتفاع سعره في السوق العالمية، موضحا - على سبيل المقارنة - أن سعر الميغاواط /ساعي المولد من الغاز الطبيعي قد بلغ بداية عام 2024 حوالي 31 يورو، ليسجل بتاريخ 6 جانفي الجاري قفزة نوعية تجاوزت عتبة 47 يورو.
وقد استند المتحدث في تحليله لهذه القفزة النوعية إلى التأثر المباشر لقطاع الطاقة بالمتغيرات والصراعات الجيو-استراتيجية المطروحة على الساحة الدولية، وما تمخّض عنها من تخريب للبنى التحتية الطاقوية، إضافة إلى تأثير الكوارث الطبيعية كالزلازل والبراكين، أو الحوادث التكنولوجية، أو الهجمات السيبرانية، وغيرها من التهديدات التي قد تؤدي إلى تخريب هذه المنشآت أو تعطيل منظومات التحكم بها، ممّا ينعكس مباشرة على أداء هذا القطاع، وهذا بدوره سينعكس على المنظومة الاقتصادية العالمية بأكملها.
الجزائر..طــرف المعادلــة الأقـــــــــوى
وارتأى آصف ملحم، التطرق إلى الاحتياطات العالمية المكتشفة للغاز من حيث الحجم الأكبر، حيث تأتي روسيا في المرتبة الأولى بـ 24.3 %، وقال إن الغاز المسال بدأ يلعب دورا بارزا - خاصة خلال العقود الأخيرة - في تغيير هذه المعادلة، إلا أنّ ارتفاع أسعاره مقارنة مع الغاز الطبيعي المنقول بالأنابيب - أضاف ذات المتحدث - جعلته غير قادر على التأثير بشكل كبير على هذه المعادلة، لتبلغ المنافسة العالمية على أسواق الغاز أشدّها، وتعتبر أوروبا وشرق آسيا من أكبر هذه الأسواق، ما يفسّر التركيز الكبير على هاتين المنطقتين.
بالمقابل وفي ظل هذا التنافس على إيجاد مصادر جديدة للطاقة، أشار المتحدّث إلى الموقع الجغرافي الاستراتيجي الذي تتمتع به الجزائر، بحكم قربها من أوروبا، التي تعتبر من أكبر المستهلكين للغاز الطبيعي، الأمر الذي يسهل عملية نقل الغاز الطبيعي إلى كل دول جنوب أوروبا عبر الأنابيب. فضلا عن ذلك، أردف ذات المتحدث، تمتلك الجزائر شريطا ساحليا على طول البحر المتوسط، وبالتالي فهي قادرة على إنشاء مشاريع كبيرة لإنتاج الغاز المسال، ممّا يمنحها قدر ة تنافسية كبيرة في السوق الأوربية تحديدا، والاستحواذ على أكبر حصة سوقية ممكنة. وتعتبر الجزائر ثاني أكبر مصدر للغاز إلى أوروبا بعد النرويج، حيث تورد الجزائر حوالي 21.6 % من الاحتياجات الأوروبية من الغاز، ومن المتوقع أن تزداد حصة الجزائر في سوق الغاز الأوروبية. ووفقا لمعطيات Eurostat، التي استند إليها المحلل الجيو-استراتيجي، بلغت حصص مصدري الغاز الطبيعي إلى أوروبا النسب التالية، النرويج 42 %، روسيا 17.6 %، الجزائر 16 %، المملكة المتحدة 14.3 %، أذربيجان 6.7 %، والباقي من مصادر أخرى. أما الحصص من الغاز المسال فتتوزع حسب النسب التالية، الولايات المتحدة 37.8 %، روسيا 18.9 %، الجزائر 14.3 %، قطر 10.3 %، النرويج 7.1 %، نيجيريا 4.4 %، ترينيدادوتوباغو 2.9 %، والباقي من مصادر أخرى.
سوق متعطّشة وعرض باحتياطي عالمي
وعن منحنيات الطلب على الغاز الطبيعي، أجاب مدير مركز الدراسات بموسكو، أن الطلب قد ارتفع على هذا الأخير في 2024 بأكثر من 2.5 %، أي ما يعادل 107 مليارات متر مكعب، ليسجل أعلى مستوياته على الإطلاق عند 4.2 تريليون متر مكعب خلال عام 2024. وجاء ارتفاع الطلب على الغاز الطبيعي في 2024 مدفوعا بزيادة الاستهلاك في قطاعي الصناعة وتوليد الكهرباء، مع استحواذهما على أكثر من نصف النمو العالمي أو ما يعادل 52 مليار متر مكعب عام 2024. وكان الطلب العالمي قد تعافى بنسبة 0.7 %، وهو ما يعادل 29 مليار متر مكعب فقط، ليصل إلى 4.093 تريليون متر مكعب عام 2023، بعد أن انخفض بمقدار 60 مليار متر مكعب سنة 2022.
ويرى المتحدث، أنّ الجزائر تمتلك أصولا ثرية ومعتبرة في قطاع الغاز تمكّنها من الاستجابة بأريحية، ولمدة عقود طويلة لطلب زبائنها التقليديين، وحتى الجدد من دول جنوب وغرب أوروبا، من بينها حقل تينهرت، الذي يعد في حد ذاته مشروعا متكاملا يضم مرافق وآبارا عديدة، حيث تشير التوقعات إلى أن حقل تينهرت الغازي سيسجل ذروة إنتاجية بحلول عام 2034، ووفق مؤشرات الإنتاج ستستمر جدواه الاقتصادية إلى غاية 2055. كما تمتلك الجزائر رابع أكبر حقل للغاز عالميا بمنطقة حاسي رمل يمتد على نحو 70 كيلومترا، من الشمال إلى الجنوب، وحوالي 50 كيلومترا من الشرق إلى الغرب، بطاقة إنتاجية سنوية تقدر بحوالي 100 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي. وإضافة إلى حقل “حاسي الرمل” تمتلك الجزائر عددا معتبرا من حقول الغاز الرئيسية، أهمها حقل رود النص بإيليزي وحقل حاسي بركين الذي اكتشف في 1995، وبدأ العمل به عام 1998.
استفادة من المعطيات السّوقية
في هذا الصدد، بلغ إنتاج الجزائر من الغاز الطبيعي خلال السنوات الأخيرة في المتوسط نحو 137 مليار متر مكعب، مقابل 127 مليار متر مكعب سنة 2015. وجاء إنتاج الجزائر من مختلف أنواع الغاز خلال سنة 2023 على النحو التالي، الغاز المسال 13 مليون طن، غاز البترول المسال 9.4 ملايين طن، المكثفات الغازية 8.3 ملايين طن. بالمقابل بلغت صادرات الغاز المسال الجزائري 3 ملايين طن خلال الربع الأول من سنة 2024 مقابل 2.9 مليون طن خلال المدة نفسها من سنة 2023، وقد استقرت صادرات الغاز الجزائري خلال سنتي 2023 و2022 على التوالي، في حدود 48.9 مليار متر مكعب، مقابل 47 مليار متر مكعب في سنة 2023. في حين بلغت عائدات الجزائر من تصدير الغاز 18 مليار دولار خلال سنتي 2022 و2023، مقابل 13.5 مليارا في 2020، ويعود ذلك إلى ارتفاع الأسعار بسبب الأزمات الجيو-سياسية التي شهدها العالم، وللأسباب ذاتها يتوقع آصف ملحم انتعاشا في صادرات الغاز المسال الجزائري على المدى القصير خلال فصل الشتاء والربع الأخير من العام الجاري، مع تزايد الطلب العالمي، وأضاف أنه إلى جانب زيادة الطلب العالمي الموسمي، تواصل الجزائر تنفيذ إستراتيجية تهدف لزيادة الإنتاج، بمخصصات تصل إلى 50 مليار دولار لخطة التطوير، خلال الفترة 2024-2028، منها 36 مليار دولار موجهة أساسا للاستكشاف والإنتاج.