خطوة هامة طـال انتظارهـا للتخفيف من معاناة الشعب الفلسطيني
في موقف يعكس التزامها الثابت بدعم القضية الفلسطينية، أعربت الجزائر عن ارتياحها العميق لإعلان اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة، واصفةً إياه، في بيان لوزارة الشؤون الخارجية، بأنه خطوة هامة طال انتظارها للتخفيف من معاناة الشعب الفلسطيني في ظل العدوان المستمر الذي استباح أرواح المدنيين العزّل واستهدف بوحشية البنية التحتية في القطاع.
الموقف يأتي ليعكس صوتاً صادقاً يدافع عن الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، ويعيد التأكيد على ضرورة العمل الجاد لإقامة دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة.
فالجزائر، التي لطالما وقفت بجانب فلسطين في مختلف المحافل الدولية، تؤكد اليوم، مرةً أخرى، التزامها الثابت بدعم هذه القضية العادلة، وتجدّد دعوتها للمجتمع الدولي بالوقوف في وجه العدوان الصهيوني من أجل ضمان أمن واستقرار الشرق الأوسط.
في معرض تعليقه على اتفاق وقف إطلاق النار المبرم بين المقاومة الفلسطينية والكيان الصهيوني، أوضح أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة تمنراست، الدكتور عربي لادمي محمد، أن هذا الاتفاق كان متوقعاً، نظراً للخسائر الكبيرة التي تكبّدها الاحتلال الصهيوني وتغيّر الإدارة الإمريكية بقدوم ترامب إلى البيت الأبيض.
وأشاد عربي لادمي بمجهودات الديبلوماسية الجزائرية في مجلس الأمن، والتي مهّدت الطريق للوصول لهذا الاتفاق، عن طريق إسماع صوت القضية الفلسطينية وإعادتها إلى واجهة الإعلام العالمي وأروقة الأمم المتحدة.
واستذكر المتحدّث الجهد الكبير الذي بذلته الجزائر في المحافل الدولية ونجاحها الباهر في افتتاك قرار أممي يُدين الكيان ويدعو إلى وقف فوري لإطلاق النار في غزة، رغم التعنّت الأمريكي واستخدامه المفرط والمتتالي لحق الفيتو.
وقال المتحدّث، إن الجزائر لم تتوان من أجل المرافعة لأجل فلسطين من قاعة مجلس الأمن الدولي، وإثبات بأن ما يحدث في غزة هو جريمة حرب مكتملة الأركان ضد الشعب الفلسطيني، وبالتالي استطاعت الجزائر افتكاك التأييد من 13 عضواً في مجلس الأمن وامتناع الولايات المتحدة الأمريكية عن التصويت، وهو ما مكّن من صدور قرار وقف إطلاق النار الذي لم يجد طريقه للتجسيد الفوري.
واستطرد أستاذ العلوم السياسية قائلاً، إن تغيّر الظروف الدولية وتغيّر الإدارة الأمريكية، أدى إلى الكثير من المتغيّرات التي دفعت الولايات المتحدة الأمريكية إلى الضغط على الكيان الصهيوني من أجل تنفيذ القرار الأممي، وقبول اتفاق وقف إطلاق النار قبل انتهاء عهدة بايدن الذي كان يستميت في دعم الكيان الصهيوني في هذه الحرب، عن طريق استخدامه لحق الفيتو ضد المشاريع التي تُلزم الكيان الصهيوني بوقف إطلاق النار.
وتابع قائلاً، إن المتابع لكرونولوجيا أحداث غزة في شقّها السياسي والديبلوماسي، بإمكانه استنباط العديد من القرائن التي تُثبت بأن الدور الجزائري في مجلس الأمن كان من أهم الأسباب التي “أذابت جليد المفاوضات” وسهّلت من مأمورية الوسطاء، حيث بذلت الجزائر جهداً كبيراً في حشد التأييد الدولي من أجل القضية الفلسطينية، “من خلال بذلها لجهود جبارة في هذا المسعى، وهو ما أتى أُكله على الأرض، خاصةً عندما نلاحظ أن هناك دول أوروبية ومن أمريكا اللاتينية تحوّلت من مؤيد للكيان الصهيوني وموافق على سياساته في الأراضي المحتلة، إلى معارض للإبادة الجماعية، وإلى معترفين بالدولة الفلسطينية ومطالبين بتحقيق دولة فلسطينية على حدود 1967”.
وخلص إلى أن “دور الجزائر كان دوراً فعالاً وإيجابيا وهو دور فريد بالنسبة لدولة عربية، لطالما سعت لى دعم حق الشعوب في تقرير مصيرها”.
ونوّه محدّثنا بمجهودات الجزائر في مجلس الأمن، والتي أعادت القضية الفلسطينية إلى وجدان العالم الإسلامي وإلى أحرار العالم، وهو ما أدى الى تضييق الخِناق على الكيان الصهيوني، ثم إدانته في المحكمة الجنائية الدولية، وتصنيف قادته كمجرمي حرب، وهو ما انعكس على رؤية الشعوب الحرة للكيان الصهيوني على أنه كيان مُغتصِب وجيش مجرم.
فشـل ذريــع لكيان مجرم
وعرّج المتحدّث بتسليط الضوء على نتائج اتفاق وقف إطلاق النار، مؤكداً أن المقاومة الفلسطينية قد حقّقت انتصاراً كبيراً جداً وصفه بـ “الانتصار التاريخي”، وبأن عملية “طوفان الأقصى” قد حقّقت هدفها بإعادة القضية الفلسطينية إلى الواجهة بعد محاولات إقبارها وطمس هوية الشعب الفلسطيني.
وأشار عربي لادمي، إلى أن العالم، قُبيل عملية طوفان الأقصى بأسابيع، كان يُتابع باهتمام بالغ الهرولة المتسارعة نحو التطبيع، خاصة من بعض الدول العربية التي ارتمت معصوبة الأعين في أحضان الكيان الصهيوني، ومحاولات شرعنة الحصار على غزة وتمييع القضية الفلسطينية، فكانت القضية الفلسطينية –بحسبه- تنحدر تدريجياً نحو المجهول. فبعد أن كانت قضية مقدّسة لدى العالم الاسلامي، أصبحت مجردّ قضية عربية وحلقة أخرى من مسلسل الصراع العربي- الصهيوني، بعد معاهدة كامب ديفيد، وتدحرجت لتتحوّل إلى شأن يخص سكان غزة وفصيل فلسطيني واحد بعد اتفاقية أوسلو 1993، لتنطلق عملية طوفان الأقصى كبركان –بحسب وصفه- من أجل تجديد الرؤية وإعادة القضية الى مكانها المقدّس.
وقال، إن “معركة طوفان الأقصى أعادت القضية الفلسطينية إلى وجدان الأمة الإسلامية، وأعادتها الى الضمير الإنساني بشكل أساسي، بدليل خروج عشرات المظاهرات المؤيدة لفلسطين في الجامعات الأمريكية والبريطانية والأوروبية، حيث خرجت هذه المظاهرات مساندة للشعب الفلسطيني وكذلك لمناهضة العدوان الصهيوني وللتعبير عن رفضهم للإبادة الجماعية التي يتعرّض لها شعب غزة”.
وأشاد المتحدّث بالمقاومة الفلسطينية، التي لم تتنازل عن أي شبر من أراضي غزة ولم تستسلم للضغوطات ولا للمساومات ولا لتهديدات الاحتلال التي كانت تريد بالأساس الالتفاف على حق مهم للفلسطينيين وهو حق العودة الى أراضيهم التي تحوّلت الى مستوطنات.
تحدّث عربي لادمي عن دوافع الحرب التي كانت تستهدف الإنسان الفلسطيني عبر محاولات تشتيت فكرة حق العودة، والرفع من عدد المهجّرين الفلسطينيين من أجل الوصول إلى أهم بنود صفقة القرن وهو إيجاد أرضٍ بديلة للفلسطينيين خارج فلسطين.
في السياق، أكّد المتحدّث على أن المقاومة الفلسطينية قد انتصرت في تصدّيها لهذه الأطروحات، ولم تُفلح آلة الحرب والدمار، على مدار 16 شهراً، في ثني المقاومة ولا الشعب الفلسطيني عن التمسّك بأرضه وعدالة قضيته، بل رضخ الاحتلال في الأخير صاغراً لشروط المقاومة، خاصة بعد موافقته صراحةً على وقف إطلاق النار، وهو ما كان يرفضه الاحتلال إلى حين تحقيق “أهداف الحرب” التي لم يتحقّق أيٌّ منها، “فهزيمة الكيان الصهيوني واضحة وجليّة للعيان، فإدارة القطاع مازالت بيد حماس والأسرى لم يتم تحريرهم بالقوة العسكرية”.
ولَفَتَ الى أن اتفاق وقف إطلاق النار، هو انتصار ثابت للمقاومة الفلسطينية، باعتبار أنها برهنت على تمسّكها بالأرض والمبادئ، وهو ما شكّل انتكاسة حقيقية وانهزاما واضحا للكيان الصهيوني.
زلـزال مرتقـب داخــل الكيـان
واغتنم أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة تمنراست، الفرصة للحديث عن تبعات اتفاق وقف إطلاق النار على الجبهة الداخلية للكيان الصهيوني، واصفاً ما سيحدث في قادم الأيام بالزلزال الذي سيعيد الكيان إلى حجمه الحقيقي، بعد أن انزاح عنه الستار الذي كان يختبئ خلفه لعقود.
وقال، إن نتنياهو بين فكي تمساح وفي ورطة سياسية وأخلاقية كبيرة، حيث وضعته المقاومة بين مطرقة ضغط عائلات الأسرى والمختطفين الذين يواصلون الاعتصام أمام بيته ومكتبه منذ أشهر، وسندان الضغط الأمريكي في الادارة الجديدة التي ستصل إلى الحكم في غضون ساعات، بالإضافة الى الضغط الذي يتعرض له من طرف اليمين المتطرف الذين يهددونه بسحب الثقة من حكومته إذا تم المُضي قُدماً في تنفيذ بنود اتفاق وقف إطلاق النار.
نتنياهو اليوم –بحسب المتحدّث- في جحيم حقيقي قبل أن يصل ترامب الى البيت الأبيض، الذي توعّد بتحويل الشرق الأوسط الى جحيم. فنتنياهو أمام خيار مُرّ، وهو القبول بالانهزام العسكري الذي سيؤدي به إلى خسارة سياسية كبيرة جدا، بعد حجب الثقة من حكومته من طرف اليمين المتطرف. فمجرم الحرب نتنياهو، هو الخاسر الأكبر من معركة طوفان الأقصى، والحكومة الصهيونية الحالية قد تورّطت في فترة حكمه في أطول حرب في تاريخ الكيان ولم تحقق النتائج التي سطرتها وأعلنت عنها من قبل.
وخلُص عربي لادمي، الى التأكيد على أن الحكومة الحالية بقيادة نتنياهو “في قاع بئر لن ترى النور بعد بدء سريان اتفاق وقف إطلاق النار” –على حد تعبيره- باعتبار أنها انهزمت هزيمة نكراء وتكبّد الصهاينة على إثر هذه الحرب خسائر عسكرية، اقتصادية، سياسية وقانونية كبيرة جداً لن تتعافى من تبعاتها.
وأضاف، “نتنياهو الآن خسر مرتين؛ خسر الحرب حين فشل في تحقيق أهدافها المعلنة. وخسر الشرعية السياسية حين عوّل على حرب غزة من أجل إطالة فترة بقائه في الحكم، وبالتالي سيكون هناك زلزال في داخل الكيان الصهيوني في قادم الأيام، وسنشهد، لا محالة، حجب الثقة عن هذه الحكومة المتطرّفة”.
واختتم بالقول، إن الكيان الصهيوني قد يفكر في تحقيق انتصار يحفظ له ماء الوجه أمام الرأي العام الداخلي وحلفائه في الغرب، من
خلال توجيه آلة العنف والدمار من غزة المنتصرة الى الضفة الغربية، من أجل محاولة السيطرة عليها وتوسيع بؤرة الاستيطان فيها، وهو ما لن تسكت عنه المقاومة الفلسطينية، باعتبار أنها تسعى دائما إلى الحفاظ على ما تبقى من الأراضي الفلسطينية.
للإشارة، أصدرت وزارة الشؤون الخارجية والجالية الوطنية بالخارج والشؤون الإفريقية بيانا، غداة الإعلان عن اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة، جاء فيه: “لقد تلقت الجزائر بارتياح إعلان الاتفاق عن وقف إطلاق النار في قطاع غزة، وهو الاتفاق الذي طال أمد انتظاره للتخفيف من معاناة الشعب الفلسطيني ورفع الظلم المسلط عليه في ظل حرب الإبادة التي يتعرض لها من قبل الاحتلال الصهيوني منذ أكثر من خمسة عشر شهرا”.
وتابع البيان: “وإذ تعرب الجزائر عن تقديرها للجهود المضنية التي بذلتها مجموعة الوساطة الدولية، فإنها تؤكد، في الوقت ذاته، على ضرورة تجسيد هذا الاتفاق في مختلف مضامينه وأبعاده، لا سيما تلك المتعلقة بتفعيل الوقف الشامل والدائم لإطلاق النار ورفع كافة القيود المفروضة على جهود الإغاثة الإنسانية الموجهة للشعب الفلسطيني، وكذا انسحاب قوات الاحتلال الصهيوني من أراضيه”.
وأكد ذات البيان، أن “هذه الخطوة التي استأثرت بجهود الجزائر ومبادراتها منذ انضمامها لمجلس الأمن، تمثل استجابة -ولو جزئية-، لتطلعات الشعب الفلسطيني، وهي بحاجة لأن تكتمل بخطوات أخرى نحو إعادة الإعمار وتوحيد الأراضي الفلسطينية وفتح آفاق فعلية لإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة والسيدة كحل عادل ودائم ونهائي للصراع العربي- الصهيوني وكشرط لا غنى عنه لاستعادة الأمن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط برمتها”.