فوائض فلاحية هائلة خفَّضت الأسعار والرهان على التصدير

الجزائر المُنتصرة..ثورة زراعية تتجسّد واقعاً

سفيان حشيفة

رئيس المنظمة الوطنية للفلاحين المنتجــين والمحوّلين لـ»الشعب»: رؤية الرئيس تبون تحققت ميدانيا

مرحلـة حصـاد غير موسمية كبيرة للمحاصيـل الفـلاحيـة الأكــثر استــهــلاكا

تشهد الجزائر هذه الآونة مرحلة حصاد غير موسمية كبيرة للمحاصيل الفلاحية الأكثر استهلاكا على غرار البطاطا والطماطم والبصل والحمضيات، محقِّقة الاكتفاء الذاتي فيها مع وجود فوائض هائلة في عدد من المنتجات ساهمت في خفض الأسعار واستقرار الأسواق الوطنية، وذلك نتيجة جهود جبارة تبذلها الدولة لتطوير القطاع الأخضر وتكثيف إنتاج المواد الزراعية الأساسية.

بدأت سياسة رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون التدعيمية لقطاع الفلاحة تُؤتي ثمارها وقطافها هذا الموسم، بتسجيل وفرة ضخمة في إنتاج المحاصيل الإستراتيجية مثل البطاطا التي تراوح سعرها في أسواق الجملة منذ شهر نوفمبر الماضي إلى غاية بداية جانفي الجاري ما بين 40 و70 دج للكيلوغرام الواحد، في حين استقرّ سعر مادة الطماطم بين 35 و80 دج، والبصل في حدود 30 و40 دج، كما عرفت الحمضيات هي الأخرى انخفاضاً محسوساً حيث تراجع سعر البرتقال والليمون إلى متوسط 60 دج للكيلوغرام الواحد.

نجاعة سياسات الدعم الحكومي

وفي هذا الخصوص، قال رئيس المنظمة الوطنية للفلاحين المنتجين والمحولين، مبارك بن جدي، إن رؤية رئيس الجمهورية الخاصة بتطوير قطاع الفلاحة تجلّت أخيرا في الميدان، وتجسّدت واقعا من خلال تحقيق وفرة هامة في الخضراوات، عززت من الأمن الغذائي الوطني، وخفّضت الأسعار في الأسواق على نطاق مريح للمستهلكين.  وأكد بن جدي في تصريح أدلى به لـ»الشعب»، أن الجزائر شهدت تطورا ملحوظا في القطاع الفلاحي مما أدى إلى وفرة الخضراوات في الأسواق، بما يخدم بصفة مباشرة مصلحة المستهلك، مشيرا أن معدل أسعارها استقر ما بين 80 و60 دج للكيلوغرام الواحد، على سبيل المثال سعر البطاطا لدى بائعي التجزئة لم يتعد 80 دج/كلغ، البصل ما بين 40 دج و45 دج /كلغ، الجزر 50 دج /كلغ، الخس 70 دج/ كلغ، الطماطم ذات النوعية الجيدة 80 دج/ كلغ.
ومن بين أسباب وفرة الإنتاج الزراعي هذا الموسم، بحسب محدثنا، نجاعة سياسات دعم الحكومة للقطاع الفلاحي وإعطائه أولوية تنموية قصوى، من خلال توفير الدعم المالي والفني للفلاحين، وتوجيه ملف الاستثمار على نحو أمثل لتحسين البنية التحتية الزراعية، وتطبيق الري بأساليب حديثة لزيادة الإنتاج والمردودية.
علاوة على ذلك، أدى تشجيع الاستثمار الخاص في القطاع الفلاحي إلى زيادة مطردة في إنتاج الخضراوات بنسبة زيادة قاربت 30 %، انعكست على أسعار الخضراوات في الأسواق بالانخفاض والاستقرار، والحد من الاستيراد، وبالتالي تعزيز وضعية الاكتفاء الغذائي الذاتي.
وأشار بن جدي، إلى تطوّر البنية التحتية وتحسّن وسائل التخزين، على غرار مشروع بناء 350 مركز جواري، وأكثر من 30 صومعة إستراتيجية ضخمة لتخزين الحبوب الذي أقرته الحكومة في 2025، مرفقة بأوامر رئيس الجمهورية للبنوك بتقديم قروض للفلاحين لتجهيز غرف التبريد لحماية المنتوج الفلاحي من الكساد، مضيفا أن وفرة الخضراوات في الجزائر كانت نتيجة مباشرة لسياسات رئيس الجمهورية الداعمة للقطاع الفلاحي، بما يخدم مصلحة المستهلك والخزينة العمومية، وهو ما يتطلب مواصلة هذه الجهود وتعزيزها لتحقيق التنمية الزراعية المستدامة في البلاد.

الحدّ من ظاهرة المُضاربة

من جهته، أبرز الخبير في الفلاحة والمخاطر الزراعية، حمزة مليك، أن قطاع الفلاحة في الطريق السوي، وسيعرف الاستقرار المنشود في الأسابيع والأشهر القادمة، معتبرا ذلك من التحديات الكبرى التي رفعها رئيس الجمهورية، لضمان قوت الجزائيين وحمايته، وعدم التهاون فيه خاصة ما تعلق بمحاربة المضاربين وكل من تسوّل له نفسه التلاعب بالأسعار.
وقال مليك في حديث لـ»الشعب»، أن تحسّن وانخفاض أسعار المنتجات الفلاحية لاسيما الخضروات والفواكه يعود إلى عدة أسباب من بينها الحد من ظاهرة المضاربة، والارتفاع سابقا ليس سببه قلة الإنتاج بقدر ما هو ناتج عن وجود الدخلاء والطفيليين في دورة التسويق الفلاحي، الذين حاولوا التحكم في السوق وخلق ندرة في كثير من المرات لزرع البلبلة في المجتمع.
فضلا عن ذلك، لفت الخبير إلى المجهودات الكبيرة التي يقوم بها الفلاح الجزائري، ودعم الدولة من خلال توجيهاتها وسياساتها الجديدة الرامية إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي خاصة في المحاصيل الإستراتيجية لبلوغ الأمن الغذائي الدائم، ولما لا التوجه نحو التحويل الصناعي، ثم التصدير لاحقاً إلى الدول المجاورة مثل ليبيا وتونس والدول الأوروبية الواقعة في الضفة الشمالية للبحر الأبيض المتوسط.
كما أشار مليك إلى وجود طلب متزايد على المنتجات الفلاحية في قارتي أوروبا وأفريقيا، يجب الاستعداد والتحضير محليا لسدّ احتياجاته، متفائلا باقتحام أسواق خارجية كبرى في السنوات القادمة نظير الجودة العالية والنكهة الطيبة للمنتوج الزراعي الجزائري.

انخفاض يطال اللّحوم البيضاء..وأريحية ربحية

من جهته، أوضح المهندس والباحث المهتم بالشأن الزراعي في الجزائر، عبد المجيد صغيري، أن التسويق الجيد للمنتوجات الفلاحية يعتبر من أهم العوامل المساهمة في استمرارية حلقة الإنتاج، وتحقيق أريحية ربحية مالية بالنسبة للمنتجين والمحوّلين.
وأفاد صغيري في اتصال مع «الشعب»، أن الأسواق الوطنية تشهد في هذه الأيام وفرة غير مسبوقة في المنتوجات الفلاحية خاصة الخضر والفواكه، وحتى اللحوم البيضاء التي تراجع سعرها إلى أكثر من 30 ٪، في حين انخفضت الخضروات واسعة الاستهلاك كالطماطم والبطاطا والبصل وتراوح سعرهم ما بين 50 إلى 100 دج للكيلوغرام الواحد بحسب الجودة والصنف.
وأضاف المختص ذاته، أن الانخفاض والاستقرار في أسعار المواد الفلاحية يرجع أساسا إلى السياسات العمومية البناءة المتخذة في السنوات الأخيرة، عبر دعم الزراعات واسعة الاستهلاك، وتدعيم عتاد الري المقتصد للمياه، والمدخلات كالأسمدة والبذور والأدوية، والمكننة الفلاحية التي يتم دعمها من 30 إلى 40 ٪، وكذا توسيع المساحات المسقية وتوزيع أراضي شاسعة في إطار الاستثمار عن طريق الامتياز الفلاحي، وجهود فك العزلة بفتح المسالك والتموين بالكهرباء التي فاقت 42 ألف مستثمرة، مع تسهيل رخص حفر الآبار، مما أسفر عن رفع وتنويع الإنتاج الزراعي ومنه خلق وفرة في السوق الوطني.
وتابع المهندس قائلاً: «أسعار الحمضيات المنخفضة أيضاً دليل على نجاعة السياسة العمومية للقطاع، التي وضع لها رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون خارطة طريق وشرحها أثناء خطابه بمناسبة الاحتفال بالذكرى 50 لتأسيس الاتحاد الوطني للفلاحين الجزائريين، خاصة ما تعلق بتطهير العقار الفلاحي كونه عامل مهم ومساعد على ترقية التنمية الزراعية، بالإضافة إلى توجيهاته لتحفيز المستثمرين وجعلهم يعملون بأريحية وبأمان لزيادة وتيرة الإنتاج». كما حثّ المصدر نفسه، على الاستعمال العقلاني للمدخلات الفلاحية ومياه السقي حفاظا على ثروة الأجيال القادمة سواء حماية التربة أو التنوع البيولوجي أو مراعاة صحة المواطن، وتكثيف الزراعات البيولوجية من خلال تشجيع المؤسسات الناشئة والبحث العلمي في هذا الخصوص لضمان الوفرة والنوعية والجودة الدائمة. هذه السياسات الرشيدة يمكن أنْ تُتْبع بتوسيع أكبر لقاعدة التخزين الفلاحية من خلال السماح للمنتجين الكبار وحتى المتوسطين بإنشاء غرف تبريد متوسطة وكبيرة الحجم على مستوى مستثمراتهم لتخزين الفوائض وطرحها في السوق في حالات الفراغ الإنتاجي، بغية ضبط السوق بمرافقة ومراقبة السلطات المعنية بوزارة الفلاحة والتنمية الريفية والصيد البحري بدواوينها المختصة بمعية وزارة التجارة و الداخلية، مع العمل على تعميم استعمال التكنولوجيات الحديثة بإشراك المهندسين الزراعيين المختصين لتحسين ظروف الإنتاج وتقليل التكاليف والرفع من المردودية، وبالتالي تحقيق الربحية والأمن الغذائي المستدامين، يقترح المهندس والباحث المهتم بالشأن الزراعي في الجزائر، عبد المجيد صغيري.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19668

العدد 19668

الأربعاء 08 جانفي 2025
العدد 19667

العدد 19667

الثلاثاء 07 جانفي 2025
العدد 19666

العدد 19666

الإثنين 06 جانفي 2025
العدد 19665

العدد 19665

الأحد 05 جانفي 2025