خلق قوّة اقتصادية قادمـة لمواجهـة التحدّيــات المشتركـة
دفعت التحوّلات الاقتصادية المتسارعة في الفضاء الإقليمي والعالمي، الدول الشقيقة في المنطقة (الجزائر، تونس وليبيا وموريتانيا)، للبحث عن تجسيد تكامل اقتصادي، يعزّز من ثقل وقوة الدول المعنية، ويجعلها بلدان فاعلة تقرّر مصيرها الاقتصادي بأيديها، تستهدف تحقيق التكامل والاندماج الشامل، وهذا تجسيدا للإرادة السياسية المشتركة التي تهدف لتعميق التعاون الإقليمي والشراكة الاقتصادية في بعدها الإستراتيجي.
ويتم ذلك من خلال العمل المشترك وعقد الشراكات وتفعيل مجالس الأعمال المشتركة، قصد خلق شراكات واعدة لترقية التبادل التجاري والاقتصادي، يصبّ لصالح البلدان الثلاث، وذلك لإرساء دعائم صلبة لتحقيق هذا المسعى لمواجهة مختلف التحديات.
أكّد شكيب قويدري، الخبير في الدبلوماسية الاقتصادية، أنّ التقارب الحاصل بين الدول الممثلة في الجزائر، تونس وموريتانيا وليبيا، سياسيا واقتصاديا ليس وليد اليوم، إنما يعود لعقود ماضية، وهو اليوم ثمرة من ثمرات حصيلة لقاء القمّة الثلاثي، الذي جمع رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، ونظيره التونسي قيس سعيد، رفقة رئيس المجلس الرئاسي الليبي محمد يونس المنفي، أفريل الماضي.
حيث اتفقوا على ضرورة تكثيف الجهود وتوحيدها لمواجهة التحديات الاقتصادية والأمنية بما يعود على شعوب البلدان الثلاثة بالإيجاب، عازمين مستقبلا على دعم مقومات الاستقرار وتعزيز التكامل الاقتصادي الشامل في الدول الثلاث والمنطقة ككل إلى جانب الزيارة الأخيرة التي قام بها رئيس الجمهورية إلى موريتانيا والتي ستعزز من الروابط الاخوية والعلاقات الاقتصادية.
علما أن موريتانيا التي تربطها طرق برية بالجزائر تعد منفذا تجاريا مهما نحو دول غرب إفريقيا والعلاقات الاقتصادية الموريتانية ليست وليدة اليوم وتطورت مع الزمن ومن أبرزها وجود مجلس جزائري - موريتاني للأعمال يتشكل من مؤسسات جزائرية، موريتانية، إلى جانب فتح المعبر الحدودي ودخول أول الشاحنات الجزائرية وتدفق السلع الجزائرية في السوق الموريتانية، أفضت إلى ميلاد جسر تجاري مهم للبلدين.
وأبرز الخبير، أنّ اللقاءات بين الدول الأربعة، لمواجهة التحديات الاقتصادية التي تعرفها شعوب المنطقة، وأشار في السياق، إلى أن “هذا التقارب والشراكة في المنطقة هو مسعى جزائري بامتياز، وهو حلم الشهداء الجزائريين الذين كانوا يتوقون لتحقيق التقارب والاتفاق والوحدة بين شعوب دول شمال إفريقيا، ما يثبت أنّ الجزائر في جهة الحل والربط دائما تسعى للوصول للتوافق في المنطقة ككل، باعتبارها كانت قبلة الجميع، بل ومكة الثوار لجميع أحرار العالم، خاصة البلدان الجارة في تلك الحقبة الاستعمارية من تاريخ المنطقة، ما يعكس عمق العلاقات الجزائرية التونسية والليبية القائمة على التاريخ والمصير المشترك”.
الميـزة التنافسيـة
وبعد أن أكد أنّ اللقاءات المشتركة بين المنظمات الاقتصادية في هذه البلدان تعتبر آلية للشراكة وتعزيز الاقتصاد في كل بلد والمساهمة في التكامل الاقتصادي، قال المختص في المجال الاقتصادي، على أنها تمثل كذلك القطاع الخاص على غرار منظمة أرباب العمل في الجزائر بقيادة كمال مولى، حيث أن هذا الاندماج بين البلدان يُكمّل الأخر، فمثلا مالا نجده في تونس نجده في ليبيا وكذا في موريتانيا، وما لا نجده في الجزائر نجده في تونس، وهو وما يسمى في الاقتصاد “بالميزة التنافسية”، وهذا التكامل سيبرز الميزة النسبية لكل بلد ويساعد على خلق هذا التكامل بين البلدان اقتصاديا، ما يحفّز أكثر رجال الأعمال الجزائريين ونظرائهم في ليبيا وموريتانيا وتونس للولوج إلى هذه الأسواق.
وقد تم الاتفاق على إنشاء آلية عمل مشتركة بين منظمات أرباب العمل لكل من الجزائر، تونس وليبيا، على إثر لقاء تشاوري عقد في شهر جويلية الماضي بين رؤساء المنظمات الثلاث، حيث سيعهد لهذه الهيئة بحث إقامة شراكات استثمارية ذات قيمة مضافة عالية بين الفاعلين الاقتصاديين من القطاع الخاص والعام، لاسيما على مستوى المناطق الحدودية، ودراسة إنجاز مشاريع تنموية كبرى مع ضمان انخراطها في سلاسل القيم العالمية، حيث ستسمح هذه الآلية بتنظيم ملتقيات للأعمال والشراكة تضم مختلف الفاعلين الاقتصاديين من القطاعين العام والخاص تعقد دوريا وبالتناوب بين هذه الدول، وكذا بتوحيد الإجراءات الميدانية الكفيلة بتسهيل انسياب السلع وتسهيل التعاملات المالية البينية مع خلق بنك معلومات موحد يوضع في خدمة المتعاملين الاقتصاديين للدول الثلاثة، وفق بيان صادر عن هذا اللقاء.
بنـاء جسـور للتنميـة بـين بلدان الجوار
ومن بين آليات العمل المشتركة اليوم ــ يقول الخبيرــ هناك نقاط اتصال في كل منظمة تعمل على تحقيق هذا التبادل الموجود والاتفاق على بعض المشاريع المشتركة، خاصة في بعض المناطق الحدودية بين البلدان من أجل خلق مشاريع حقيقية، والتي تستهدف تحسين ظروف معيشة المواطنين سواء في الجزائر وتونس أو ليبيا وموريتانيا، مع ضمان تحقيق التنمية المنشودة، مع الوعي بالتحديات المشتركة وهذا للاستفادة من التجارب والخبرات وترقية هذه المناطق لمواكبة المستجدات الجديدة، من أجل ترقية الولايات الحدودية اقتصاديا، والتي ستعود حتما بالإيجاب من الناحية الاجتماعية والثقافية، مع استغلال الإمكانات اللوجستية المتاحة في هذه البلدان، بوضع خطوط برية وبحرية وجوية لتسهيل التبادلات التجارية، بغية إنجاز بنى تحتية مشتركة لتنمية المناطق الحدودية.
وقال الخبير قويدري، أن هذا المسعى الاقتصادي المنشود، سيبحث إقامة شراكات استثمارية بين مختلف الفاعلين الاقتصاديين في الدول المعنية، مع أهمية إقامة مناطق للتبادل الحر بالمناطق الحدودية المشتركة، بما يساعد على تطوير مناخ الأعمال بهذه المناطق التي ستصبح في المستقبل، بعد إقرار تعديلات تشريعية، جمركية وسيولة العبور وغيرها لتواكب المتغيرات الحاصلة، فضاء للاستثمار ولإقامة مشاريع مشتركة، وخلق بيئة ملائمة للأعمال التجارية.
وأكد الخبير شكيب قويدري، أنه انعقد نهاية شهر سبتمبر الماضي بتونس المنتدى السنوي السادس للاستثمار الجزائري، التونسي والليبي، الذي يهدف إلى دعم الاستثمار والتبادل التجاري وخلق مناصب شغل وإقامة مشاريع مشتركة من شأنها أن تعزّز اقتصاديات بلدان الجوار، مع جعل المنتدى مناسبة لخلق فرص تعاون توسيع الشبكات الاجتماعية وتبادل التجارب والخبرات ومزيد تفعيل الشراكة الحقيقية وتوحيد الرؤى، وفق تصريحات مشاركين من هناك.
قــوّة طـرح وتفــاوض
وحول سؤال متعلق بمقومات نجاح هذا المسعى، أبرز شكيب قويدري، أنه فرصة للدفع بالاستثمار وبحث العراقيل لتذليلها وخلق بيئة اقتصادية مشجعة بين هذه البلدان وتوفير الحوافز والامتيازات للمستثمرين من خلال تطوير المشاريع الاستثمارية، وتعزيز أكثر للعلاقات الاقتصادية لتحقيق اندماج اقتصادي متكامل وناجح يعود بالفائدة على الشعوب في البلدان الثلاث، حيث ستكون مناسبة لخلق فرص تعاون وتفعيل الشراكة وتوحيد وتكوين سوق ملائمة للبلدان المعنية.
وفي هذا الإطار، أشار الخبير الاقتصادي، إلى أهمية تدعيم فرص التعاون وإنشاء مناطق حرة بين البلدان المعنية بالشراكة، من خلال بناء فضاءات مشتركة في جميع المجالات، للوصول إلى إيجاد أسواق إقليمية متنوعة، تقوم على أساس المصالح المتبادلة.
وفي نفس المضمون، قال المختص في الدبلوماسية الاقتصادية، إن هذه البلدان التي تنتمي للمنطقة، ستسعى بأن يكون هذا الاندماج الاقتصادي فرصة لتشكيل قوة طرح وتفاوض بالنسبة للعالم الخارجي، بدل أن يفاوض كل بلد اقتصادي على حدا، حيث ستمتلك القوة مجتمعة ومتحدة، بأن تكون شريكا حقيقيا لجيرانه، في وقت يعرف العالم تغييرات متسارعة، نظير ما يحدث من تقلبات غير متوقعة جيوسياسيا أثّرت على الاقتصاد العالمي.
وخلص الخبير إلى التأكيد على استهداف خلق سوق مشتركة مهمة، من مواطني البلدان المعنية، وهذا بعد إيجاد آلية فعالة تضمن تأمين انفتاح أسواق الدول على بعضها البعض.
وكان الوزير المعني في الجهاز التنفيذي، الطيب زيتوني، قد تحدث شهر ماي الماضي عن “تشكيل فوج عمل مهمته الأساسية هي اتخاذ ومتابعة التدابير الكفيلة بتذليل الصعوبات التي تعيق انسياب السلع والبضائع بين هذه الدول وبحث السبل الكفيلة للرفع من حجم التبادل التجاري وتسريع إنشاء مناطق تجارة حرة مشتركة”.