راهنت الجزائر منذ استقلالها قبل 62 عاما على تأسيس إعلام قوي لا ينحصر دوره في مرافقة ودفع عملية البناء الداخلي، بل ويمتد الى مواكبة جهود الجزائر الدبلوماسية، وتعزيز مسار سياستها الخارجية المتوهّجة بقيم السلام والإنسانية والحرية.
منذ تأسيسها، وعبر كل مراحلها ومحطاتها، حرصت جريدة “الشعب” على مرافقة العمل السياسي الخارجي للجزائر، وتعزيز نجاحها الدبلوماسي وتعاظم دورها نصرة لقضايا التحرر العادلة وخدمة للأمن والسلام العالميين.
لقد حملت “الشعب” التي قرّرت أن تكون شريكا في نجاح الدبلوماسية الجزائرية وليس شاهدا على ذلك فقط، لواء الدفاع عن الأمن وحقوق الانسان وقضايا التحرر في العالم، فكانت قضية فلسطين على رأس القضايا التي ظلّت الجزائر ولا زالت تدافع عنها، إيمانا بعدالتها وبحجم الضَّيْم الذي يقع على شعبها، الذي يواجه اليوم حرب إبادة مروّعة ترمي ليس فقط إلى تصفية قضيته بل وإلى تصفيته هو أيضا.
في الواقع، وكما كان بين الجزائر وفلسطين عهد على الدعم والمساندة، فقد كان بين جريدة “الشعب” والقضية الفلسطينية وعد والتزام بمتابعة كل فصولها وتغطية كلّ أخبارها، الأمر الذي جعل فلسطين ساكنة في صفحات الجريدة كما هي ساكنة قي قلوب كل الجزائريين.
وكونها تحظى بالأولوية في المعالجة، فغالبا ما كان يخصّص للقضية الفلسطينية صفحات كاملة في الجريدة، بل وملحقات تتناول عبر كل أنواع الكتابة الصّحافية، من خبر وتعليق وتحليل وحوار، تطوراتها الميدانية وحقائقها التاريخية والقانونية.
وللأمانة فأنا أشهد بأنّ أحداث فلسطين لم تمر يوما مرورا عابرا في جريدة “الشعب” ولا كانت بدون أثر، بل على العكس تماما، فقاعة التحرير والقسم الدولي كانا يعيشان الألم الفلسطيني مع كل عدوان غاشم يستهدف الفلسطينيين ومع كل شهيد يسقط في ساحة الوغى، وقد كان للجريدة صحافيين متخصصين في الكتابة عن فلسطين حوّلوا أقلامهم إلى سيوف للدفاع عنها، وغالبا ما كانوا يطاردون السبق الصحفي كلّما سمحت لهم الفرصة بذلك.
وأتذكّر زميلي الرّاحل عبد الجليل جلالي الذي قصّ عليّ يوما بكل فخر واعتزاز، كيف أجرى حوارا مع الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، وكيف اختار هذا الأخير جريدة “الشعب” لإجراء الحوار دون غيرها من الجرائد، كما أتذكّر الزميل محمد علي خوازم، وهو أكثر الصحافيين المدافعين عن القضية الفلسطينية صادفته في مسيرتي المهنية، إضافة إلى محمد العربي عبد الرحماني وجمال أوكيلي والراحل فنيدس بن بلّة، الذي كان يحرص وهو مديرا للتحرير على صدور ملحق “صوت الأسير” في موعده المحدد.
وهو للإشارة ملحق صدر عدده الأول عام 2011 بالتنسيق والتعاون بين سفارة دولة فلسطين بالجزائر وجريدة “الشعب”، ومازال يصدر إلى غاية اليوم، حيث يعنى بقضايا الأسرى ويعمل على تفعيل قضيتهم والدفاع عنها.
ومثل القضية الفلسطينية، لم تغب القضية الصحراوية العادلة يوما عن صفحات جريدة “الشعب”، فهي حاضرة على الدوام من خلال متابعة أخبارها، وكشف حجم المؤامرات التي تطالها على يد الاحتلال المغربي وزبانيته من لصوص الثروات ومنتهكي حقوق الشعوب.
لقد واكبت “الشعب” مختلف مراحل هذه القضية، منذ الغزو قبل نحو نصف قرن مرورا بالمواجهة العسكرية، فوقف القتال ثم العودة الى الكفاح المسلح، كما سجّلت الانتصارات الكبيرة التي حققتها على مستوى الأمم المتحدة وإفريقيا والعدالة الأوروبية.
فالقضية الصّحراوية ما زالت بموجب قرارات الأمم المتحدة قضية تصفية استعمار، وحلّها يمر عبر استفتاء لتقرير المصير يحدد من خلاله الصحراويون مستقبلهم بكل حرية ونزاهة، وهي بالنسبة لإفريقيا آخر مستعمرة تنشد الاستقلال، وبالنسبة للعدالة الأوروبية تعتبر الصحراء الغربية أرضا منفصلة تماما عن المغرب ومتمايزة عنه.
والمؤكّد أنّ جريدة “الشعب” ستظل بدفاعها المستميت عن عدالة القضية الصحراوية وحق شعبها في الحرية، شوكة مغروسة في طريق الاحتلال، تمنعه من التقدم واستكمال فصول مؤامرته التي بدأها قبل نصف قرن.
إنّ “الشعب” التي وقفت دوما في خط الدفاع الأمامي عن قضايا التحرر العادلة، هي نفسها التي نراها اليوم ترافق بكل اعتزاز الانتصارات الدبلوماسية الكبيرة التي تحققها الجزائر، وتسجل الحضور الجزائري المتعاظم على الساحة الدولية ومؤسساتها الوازنة وعلى رأسها مجلس الامن الدولي، أين أصبح لصوت الجزائر صدى كبيرا ووقعا هائلا خاصة وهو الصوت الذي يصدح بالحق نصرا للفلسطينيين والصحراويين والشعوب المضطهدة، ويدافع عن إفريقيا وحقها في تبوّء المكانة التي تستحقها، كما يرافع من أجل نظام عالمي عادل لا تنتهك فيه حقوق الضعفاء ولا تضيع قيم الشرفاء.
وستظل جريدة “الشعب” منارة إشعاع لقيم ومبادئ الحرية والعدالة والسّلام.