من ركام الألم ومن رحم المعاناة، تشمخ سنابل فلسطين وقاماتها العملاقة، لتنير درب الأحرار في كلّ بقاع الأرض، حقّاً: تقف الحروف حيرى، عاجزة على أن تنتظم بمديح يليق بمقامهم، هم الشهداء العظام عزّ نظيرهم، هم نبض البطولة وأنشودة التضحية والفداء، حملوا الوطن في عقولهم وقلوبهم وحدقات عيونهم.
ترجّلت الفارسة وذهبت إلى علّيين، وبقيت سيرتها العطرة تفوح في أرجاء الدنيا، فمهما عبّرنا عن تضحياتها لن نوفيها حقّها، لكنّ الكلمات تزاحمت على بوابة مجد فلسطين العظيم، تاهت الحروف واختنقت الأصوات ألما وحزنا ووجعا، ذرفت دموع العيون وشردت الأذهان علّها تستذكر ماض جميل غادرنا، تلعثم اللسان، وذبلت المآقى، لكنّ ضوء الشمس أشرق وتوهّج وجعلنا نقترب من الشهيدة هداية حمد، فى مدينة بيت حانون، مدينة الصمود والتحدّى، في تلك المدينة استقبلت الدنيا الصرخة الأولى لهداية حمد، حيث كان ميلادها خيرا وبركة.
حملت هداية هموم الوطن في نفسها الوديعة، فالتحقت بالهلال الأحمر الفلسطيني الوطنية، وغدت شابة معطاءة تكفكف الجراح، حتى أصبحت مسؤولة عن دائرة الشباب، كانت هداية شابة محبوبة من كافة الشرائح الاجتماعية وذلك بفضل شخصيتها الإنسانية الراقية، والتي كانت محطّة مهمة من محطات حياتها المشرقة، فكانت كبيرة بحجم التحدّيات، لا تملّ ولاتكلّ، حيث نالت احترام زملائها ومحبّتهم في العمل..
كانت هداية دمثة الخلق، عزيزة النفس، متواضعة، ثائرة حتى غدت شخصية اعتبارية لها بصمات كبيرة فى مجال الإنسانية الرحبة، كانت حياة هداية حافلة بالانتصار للفكرة والحلم والارتقاء بفلسطين، حيث تجسّدت كلّ القيم والمثل في أعماق قلبها، وكانت بمثابة ثورة وقوّة وعنفوان، جعلتها تنتصر لدموع الأطفال الذين صرخوا من حمم الطائرات التي تدمّر البيوت على رؤوس ساكنيها، لكنّ الليل لن يطول وإنّ الحلم سيتحقّق بإذن الله، والقدس ستعود لتعانق كلّ المدن والعواصم العربية والدولية..
في محافظة خان يونس أطلقت قوّات الاحتلال الإرهابية وابلا من الرصاص على جسدها الطاهر لتلتحق بقوافل الشهداء الأطهار لتكتب اسمها في سجلّ الخالدين، رحم الله الشهيدة البطلة هداية حمد وكلّ شهدائنا الأبرار.