سوء الـتـغـذية.. الـتـجـويـع سـلاح حـرب في أيـادي الـظــالمــين
عام كامل.. وفلسطين تعيش حرب إبادة لم تستثن أحدا.. الكلّ مستهدف أطفال ونساء ومسنّون، لا أحد بمعزل عن الموت شهيدا تحت صواريخ وقنابل طائرات ومسيرات جيش الاحتلال.. عام كامل، أوّل ما أبيد فيه ضمير الإنسانية الذي رضي بدور المتفرّج، وأخذ وضعية القردة الثلاث لا “أسمع”، “لا أرى”، و«لا أتكلّم”.. عام كامل.. حرم العدوان الصهيوني فيه أكثر من عشرات الآلاف من الحقّ في الحياة، بينهم 17 ألف طفل وأكثر من 11 ألف امرأة، فضلا عن أكثر من 96 ألف مصاب و10 آلاف مفقود، ما يعني أنّ ثلثي الضحايا هم أطفال ونساء، أمّا الثلث الباقي فيعاني كلّ ما تجرّه الحرب من فظائع وجرائم ضدّ الإنسان.
بعد سنة كاملة من حرب الإبادة ضدّ الفلسطينيين، عاش فيها الغزّاويون، والفلسطينيون في كلّ الأراضي المحتلة، كلّ أنواع الدمار، التجويع والتهجير.. مجازر يرتكبها جيش الاحتلال ليفرض قانونه الدموي على الأبرياء والعزّل، ليحوّل حياة الأطفال والنساء والمسنّين إلى جحيم، ويصبح حلمهم الوحيد أن يستشهدوا دون أن تتحوّل أجسادهم إلى أشلاء أو تتبخر في الهواء، وبينما يستمتع أطفال العالم بطفولتهم، يجد الطفل الفلسطيني نفسه الهدف الأهم لقنابل الـ« أف 35”، ودرعا بشريا يستعمله جنود الاحتلال لمواجهة المجاهدين المقاومين في غزّة.
مجــــازر مـروّعـة شـهـداؤهـا أطــفـال ونــســاء
المتتبع لحرب الإبادة طوال العام، يجد الأطفال والنساء الهدف الأول والمفضّل للعدوان الصهيوني على غزّة، فمن منا لا يتذكر مجزرة مستشفى المعمداني التي هزّت العالم وجعلته يقف مندهشا وغير مصدق لما فعلته طائرات الاحتلال، ففي 17 أكتوبر 2023 ارتقى 500 شهيد معظمهم أطفال ونساء لجأوا إلى مستشفى المعمداني للاحتماء من ضربات الاحتلال لأنّ القانون الدولي يمنع ضرب المستشفيات، لكن جيش الكيان الصهيوني لا يعترف بأيّ قانون ما دام “فيتو” أمريكا موجود.
أما مجزرة جباليا، وقعت في 31 أكتوبر 2023، بمربع سكني يحاذي المستشفى الإندونيسي في مخيم جباليا شمال شرق مدينة غزّة، وخلّفت استشهاد وإصابة حوالي 400 فلسطيني معظمهم من الأطفال، وفق ما أعلنت وزارة الصحة في غزّة، مجزرة مدرستي الفاخورة وتل الزعتر.. نعم جيش الاحتلال قصف المدارس بعد المستشفيات ليظهر جليا مخطّط حربه الشعواء على أطفال ونساء غزّة، وقد خلّفت المجزرتين 250 شهيد أغلبهم أطفال ونساء نزحوا إليها هروبا من القصف.
مجزرة مستشفى كمال عدوان بمنطقة بيت لاهيا والتي خلّفت استشهاد وإصابة عشرات المرضى والجرحى والأطقم الطبية والنازحين في 16 ديسمبر 2023 وتعمّدت قوات الاحتلال إلى إخراجه عن الخدمة لتزيد من وضعية النازحين سوء وتعقيدا، أمّا مجزرة مخيم المغازي وقعت في 24 ديسمبر من السنة الماضية، خلّفت 70 شهيدا فلسطينيا أغلبهم نساء وأطفال، ومجزرة الطحين (الفرينة) وقعت في 29 فيفري الماضي بدوار النابلسي شمال قطاع غزّة، استشهد فيها نحو 120 شهيدا فلسطينيا سقطوا برصاص جيش الاحتلال عندما كانوا في طوابير الانتظار للمساعدات الغذائية، كما جرح فيها نحو ألف آخرين.
مجزرة مستشفى الشفاء وقعت في أواخر مارس الماضي، أعدمت قوات الاحتلال أكثر من 300 فلسطيني من النازحين والطواقم الطبية والموظفين الحكوميين بالمجمع الطبي، إضافة إلى اعتقال نحو ألف آخرين.
ومجزرة مدرسة التابعين التي قصف جيش الاحتلال المدرسة المكتظة بالنازحين أثناء صلاة الفجر، ففي 10 أوت الماضي سقط أكثر من 100 شهيد وعشرات المصابين والمفقودين معظمهم من الأطفال والنساء، ووصفت منظمة الأمم المتحدة المجزرة بأنّها “إحدى أشدّ الهجمات دموية على مدرسة تؤوي نازحين منذ بداية الصراع”.
هي أبرز المجازر في غزّة العزّة التي كشفت وجه الكيان الإجرامي وعرّت ازدواجية المعايير الغربية في التعاطي مع العدوان الصهيوني على الفلسطينيين.
الـــترويـع والــتـــجــويـع..
يواجه آلاف الأطفال في غزّة خطر سوء التغذية الحادّ، فمنذ بداية العام، تم فحص نحو 240 ألف طفل في غزّة، وتبين إصابة ما يقرب من 15 ألف منهم بسوء التغذية، منهم حالات حرجة تحتاج إلى رعاية عاجلة. وقد تم تشخيص 3,288 منهم بسوء التغذية الحادّ الوخيم، حسب ما جاء في موقع الأمم المتحدة أوت الماضي.
وتدعم منظمة الصحة العالمية مركز علاج سوء التغذية في مستشفى كمال عدوان، شمال غزّة، وهو واحد من أربعة مرافق تعمل في هذا المجال في القطاع، ويعرف المستشفى توافد الحالات مع المضاعفات وهي المرحلة التي يصطلح الأطباء على تسميتها بمحطة “ما قبل الموت”.
وكان برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة قد حذّر مؤخراً من أنّ انهيار نظام الصحة والافتقار إلى الوسائل المستدامة للحصول على غذاء، يعرّض حياة عدد كبير من أطفال قطاع غزّة للخطر. وأكّد صندوق الأمم المتحدة للسكان أنّ “سوء التغذية في غزّة يشكّل خطراً كبيراً على الحوامل وحديثي الولادة وسط تزايد ولادة أجنّة ميتين وأطفال منخفضي الوزن، ويعانون الهزال وتأخر النموّ.
وتحذّر وكالات الأمم المتحدة باستمرار من خطر حدوث مجاعة في قطاع غزّة منذ ديسمبر الماضي، وفي جانفي تجاوزت عتبات الطوارئ لسوء التغذية الحادّ لدى الأطفال. ويستمر سوء التغذية الحادّ بين الأطفال في الارتفاع بسرعة وعلى نطاق واسع، وهناك خطر كبير من أن يستمر في الزيادة في جميع أنحاء قطاع غزّة، ممّا يؤدّي إلى إزهاق المزيد من الأرواح، في ظلّ غياب المزيد من المساعدات الإنسانية واستعادة الخدمات الأساسية.
بينما وصفت ربع السكان، أيّ ما يقدّر بأكثر من 500 ألف إنسان، بأنّهم في وضع كارثي، وكلا الفئتين تعاني، وفق المنظمة العالمية، من جوع شديد ونقص حادّ في الغذاء.
وأعلنت منظمة الأمم المتحدة للطفولة “اليونيسيف” في منتصف فيفري 2024 أنّ واحدا من كلّ 6 أطفال دون سنّ الثانية في القطاع، يعانون من سوء التغذية الحادّ، منهم 3% يعانون من هزال شديد، وهو أشدّ أشكال سوء التغذية تهديدا للحياة.