قيل قديماً: «الحرب أوّلها الكلام». وقال زهير بن أبي سلمى، وهو ثالث ثلاثةٍ من فحول شعراء الجاهلية، بعد امرئ القيس والنابغة الذبياني: «وما الحربُ إلا ما علمتم وذقتم، وما هو عنها بالحديث المرجّم».
هي الحرب إذن، تلك التي ما زالت نارُها مستعِرةً في غزّة، أوقدت شعلتها الثانية، دون أُفقٍ بانطفائها أو خمود أوارها، فيما يتراءى وميضُ نارٍ أُخرى من خلف أعمدة الدخان الذي يلفّ الشمال، وسط ستارٍ كثيفٍ من الكلام القابل للاشتعال، على وقع تبادل الردود بما يتجاوز الحدود، وينفلت من أيّ قيود.
«حرب سلامة نتنياهو».. ذلكم هو التوصيف الدقيق الذي خلص إليه كاتب عمود في صحيفة «هآرتس» الصهيونية، في معرض قراءته لتداعيات التفجيرات التي طاولت أجهزة الاتصالات في لبنان. ودعا بـ»حنجرة مخنوقة» الصهاينة إلى عدم الاستجابة لنوازع نتنياهو الشخصية في الذهاب مثل القطيع إلى الذبح.
جميع الشواهد المرئية على الأرض، وفي التصريحات النارية التي تتقاذفها الألسنة، توحي بأنّ الكيان الصهيوني كان بحاجةٍ للاحتكاك الذي يقدح الشرارة في كومة القشّ، قبل دخول الشتاء، لكي يُسوّقَ نتنياهو نفسه كرجلٍ يفي بوعده للفارّين من مستوطنات الشمال، بأن يضمن لهم «حقّ العودة» إلى منازلهم التي غادروها قبل نحو عام.
الكذّاب المخادع يقول الشيءَ ونقيضَه، يدّعي حرصه على المفاوضات، ويضع العصيّ في دواليبها، يعد الأمريكيين بعدم الذهاب إلى الحرب مع حزب الله، ويستدعي ردّاً بتفجيرات أجهزة الاتصالات وقتل الأبرياء، بل قتل قيادات حزب الله.. في حرب يمدّدها ويحرص على إبقاء جذوتها مشتعلة..