يقول جدعون ليفي في صحيفة “هآرتس” الصهيونية في مقاله اليومي، إن التقرير الذي قدّمته منظمة بتسيلم عما يجري في السجون الصهيونية هو التعبير الأصدق عما يجري في (الكيان الصهيوني)، وهو تقرير عن مسلكية الكيان الصهيونى. فحسب استطلاع أجرته القناة 12 الصهيونية، تبين أن 47 بالمائة من الصهاينة يؤيدون اغتصاب السّجناء الفلسطينيين.
إنّها نتائج مرعبة رغم أن النسبة أعلى بكثير ممّا نشر إذا ما أخذنا بعين الاعتبار عدم مشاركة 22 بالمائة من المجتمع الصهيوني في الاستطلاع، فهذا يرفع النسبة الى أكثر من 60 بالمائة من الصهاينة اليهود.
هل هذا الانحراف عفوي أم يأتي ضمن الاستراتيجيات العشرة التي تحدَّث عنها المُفَكِّر الأمريكي ناعوم تشومسكي، والتي تَبَنَّاها واعتمدها أصحاب النُّفوذ العالمي من ساسَة ورأسماليين منذ عام 1979 في وثيقة سرية تم اكتشافها صُدْفة عام 1986 بعنوان (الأسلحة الصامِتة لِخَوْض حرب هادِئَة)، وهو دليل للسيطرة على عقول ومُقَدَّرات وأموال الشعوب، وبالتالي توجيه سُلوكهم والسيطرة على أفعالهم.
هل سيكون بالإمكان تصويب الانحراف السلوكي والقيمي المرعب في المجتمع الصهيوني، والذي من غير المستبعد أن يكون ضمن الاستراتيجيات الواردة في الوثيقة السرية آنفة الذكر إضافة إلى عدة عوامل مرتبطة بمجملها بالنظرة الفوقية التي يتبنّاها صناع القرار في الكيان الصهيوني، وربطها بنصوص دينية لا أحد يعرف من أين أتت، والتي يتم استثمارها في التحريض واقتناص غلاة الفكر الصهيوني أي فرصة لتعزيز الكراهية والحقد ضد الآخر حتى وان كان يهوديا.
ومن أجل وضع الأمور في سياقها الصحيح، فإن علينا الاسترشاد بتعريف عالم النفس الاجتماعي هاري ستاك سوليفـان لسلوك الافراد والذي أسماه (وهم الفردية)، حيث الرواية التي تبنتها الحركة الصهيونية وما أوجدته من مسوغات لهذه الرواية أحيانا بالاستناد إلى نصوص دينية تتناقض بالمطلق مع طبيعة وروح الأديان كافة، مأخوذة من تفسيرات تخدم الهدف الأساسي للحركة الصهيونية وهو السيطرة على العالم.
سأسترشد هنا بما كتبه المؤرخ الصهيوني “إسرائيل شاحاك” في كتابه الديانة اليهودية وطأة ثلاثة آلاف عام حول نص ديني مفاده (إذا وجدت اغيارا يحفرون بئرا ولديهم سلم للصعود والهبوط لا تقتلهم بل انزع السلم فسيموتون وحدهم).
وفي مكان آخر من نفس الكتاب وبعد استفسار من الحاخامات الذين أكدوا له أن من واجب اليهودي إذا استشعر خطرا مستقبليا من طفل رضيع، فلا بأس من قتله..إن إشارة نتنياهو إلى نبوءة إشعيا وحديث رئيس جهاز الأمن القومي الصهيوني السابق بأن ليس هناك أبرياء في غزة ومطالبة وزير التراث بمحو غزة عبر قنبلة نووية، وقيام بن غفير بتسليح المستوطنين، وقبلها المطالبة بحرق القرى الفلسطينية، تدفع باتجاه مزيد من الانحراف السلوكي للفرد والمجتمع في الكيان الصهيوني.
ومن أجل انحراف سلوكي وقيمي وأخلاقي بلا عودة، عمد صناع القرار في الكيان الصهيوني إلى اختراع روايات عن فظائع قام بها الفلسطينيون! في غلاف غزة لتعزيز روح الانتقام داخليا ولاستعطاف العالم خارجيا.
وكاستنتاج، فقد نجح نتنياهو في جر غالبية المجتمع الصهيوني الى تبني فكر انتقامي سيصبح من مركبات الشخصية اليهودية عند انتهاء الحرب، حيث أن من يرى ممارسات الصهاينة تجاه الفلسطينيين في الضفة الغربية وغزة، ومن يتابع التصريحات من شخصيات دينية ومجتمعية وسياسية في الكيان الصهيوني يستطيع أن يدرك كيف سيكون هذا المجتمع الصهيوني بعد الحرب.
وهنا سنعود إلى السؤال..إلى أي مدى سيسهم هذا الانحراف، مستقبلا، في تقويض المجتمع الصهيوني من الداخل عبر صراع بين مكونات المجتمع بما فيهم فلسطينيي الداخل؟ وهل بالإمكان فعل شيء خاصة بعد تفعيل بروتوكول هاني بعل والذي سيضع الجيش في مواجه أهل المختطفين الذين تعرضوا لخطر الموت، وفعلا مات غالبيتهم على يد الجيش في غزة والايحاء بأن إرهابيي حماس هم المسؤول الأول عن حياة المختطفين ممّا سيعزّز الكراهية والحقد الذي تشكل عبر تاريخ الحركة الصهيونية ضد الاغيار وبالأخص الفلسطينيين، ممّا سينتج زيادة مطّردة في وتيرة العنف الصهيوني ضد الفلسطينيين والرد عليه بمقاومة أكثر عنفا من قبل الشعب الفلسطيني.
في الختام، أعتقد جازما أن قيادات الكيان الصهيوني، وعبر كل ما سلف، سيأخذون مشروعهم، كيانهم، حقدهم وانحرافهم إلى الهاوية غير مأسوف عليهم.