كان آخر لقاء لي مع الزميلة خديجة طاهر عباس، رحمها الله، في مقر التلفزيون الجزائري، وكانت يومها دعتني للمشاركة في أحد البرامج التلفزيونية التي كانت تشرف عليها حين كانت تشغل منصب رئيسة تحرير مكلفة بالحصص الخاصة، على ما أعتقد.
اتّصلت بي خديجة كعادتها هاتفيا لتتأكّد من وصولي إلى مقر التلفزيون، قبل البرنامج بنصف ساعة أو أكثر قليلا، قائلة بهدوئها المعتاد “أمين خويا رانا نستناو فيك”. أجبتها بأنّني في قاعة الضيوف فجاءت إلى هناك مباشرة، وبعد التحية سألتني عن حالتي الصحية، وكنت يومها لا أزال أعاني من آثار الوعكة التي ألمّت بي، فأجبتها بأنّني أحسن، لكن أعاني من صعوبة في المشي والجلوس بسبب آلام أسفل الظهر، فقالت: “ربي يشافيك أمين خويا”، وأضافت: “أنا ثاني ظهري راه داير فيا حالة”، فقاطعتها قائلا: “غير الخير أختي خديجة؟”، فأجابت: “خلّيها لربّي، الحمد لله وخلاص”.
كانت هذه العبارات آخر ما سمعته من الأخت الطيبة البشوشة خديجة، ولم أكن أعلم حينها أن هذه الجملة التي كانت تحمل كثيرا من معاني الصبر والشجاعة المشفوعة بابتسامة رضى بقضاء الله، تخفي ورائها سرطانا خبيثا. لم آخذ علما بذلك إلا بعد أشهر من الزملاء في التلفزيون الجزائري، الذين أخبروني بأن خديجة مصابة بالسرطان، فرفعت مباشرة هاتفي واتصلت بها للاطمئنان عليها ومواساتها، ولكن كان رنينا دون رد وكذلك الحال بعد محاولات متكررة للاتصال، لأتفاجأ بخبر وفاتها ليلة المولد النبوي، وهو الخبر الذي انتشر كالنار في الهشيم على مواقع التواصل الاجتماعي.
رحم الله الأخت والزّميلة خديجة طاهر عباس..
إلى جنّات الخلد والرّضوان إن شاء الله
وجزاك الله بما صبرت جنّة وحريرا
إنّا لله وإنّا إليه راجعون