بسم الله الرّحمن الرّحيم
والصّلاة والسّلام على رسولنا وسيّدنا محمد صلى الله عليه وسلم.
رحمك الله أختي خديجة
كان المؤذّن يؤذّن لصلاة العصر من يوم السبت 14 سبتمبر 2024، عندما رنّ هاتفي، إنّه الأستاذ الدكتور زميلي السابق في مهنة الصحافة بجريدة “الشعب” الغرّاء حكيم بوغرارة.
للوهلة الأولى شعرت أنّ الرّجل يحمل شيئا غير عادي..
استفسر الرجل عن أحوالي بسرعة فائقة، ثم بدأ يتلكأ في كلامه، ثم قالها صراحة: يا عمي السعيد..خديجة طاهر عباس انتقلت إلى الرفيق الأعلى..
أحسستُ بألم يعصرني، لكن لساني لم يتوقّف عن ترديد الله أكبر..الله أكبر..الله أكبر..ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم..شعرتُ بأنّ حكيم بوغرارة تأثر كثيرا لهذا المصاب الجلل..فقال لي: عمي السعيد..سأخبرك بالتفاصيل لاحقا.
هنا وبسرعة البرق عادت بي ذاكرتي إلى أواخر الثمانينيات من القرن الماضي، عندما التحقت الزميلة خديجة طاهر عباس بجريدة “الشعب” في حسين داي، وهي لم تتجاوز الـ 23 عاما.
كانت خديجة رحمها الله طموحة جدا، عملت في كل أقسام الجريدة، وحتى في الأيام الصعبة التي عاشتها الجريدة خلال سنوات 1991 و1992 و1993 و1994، بقيت مع الإخوة الصحافيين الذين فضلوا البقاء بجريدة “الشعب” على الذهاب إلى الجرائد الخاصة حديثة النشأة. ويعلم الله الصعوبات التي واجهتنا وقتئذ، حيث لم يكن عدد الصحفيين الذين بقوا في الجريدة يتعدى أصابع اليد الواحدة.
المرحومة خديجة طاهر عباس عانت - شأنها شأن الزملاء - من نقص وسائل العمل بعدما تمّ تحويل جريدة “الشعب” إلى جبهة التحرير الوطني، كما عانت كثيرا مثل كل الصحفيين وقتئذ من أزمة السكن الخانقة، وربما كنت من الأوائل الذين أخبرتهم يوم حصولها على مسكن تستقر فيه مع عائلتها الكريمة وذلك سنة 1995 على ما أعتقد.
ورغم هذا، صمدت خديجة وبقيت تكافح بجانب القلة القليلة من زملائها، ولا أبالغ إذا قلت إنّها كانت الصحفية الوحيدة التي لا تشكو من الصعاب التي واجهتنا في تلك السنوات السالف ذكرها.
في سنة 1992 على ما أعتقد، ذهبت في عطلة سنوية، ولأسباب قاهرة حسب روايتها، تأخّرت عن استئناف عملها في التاريخ المحدد، فواجهتها بعض المشاكل مع الإدارة، وكنت يومئذ رئيس القسم الوطني، فقصدتني وقالت لي: السعيد قرايت عليك أن تقول كلمتك وتوظّف سمعتك الطيبة ومنصبك، وتتدخّل لفض هذا النزاع المفبرك.
كنت شخصيا أكره النّزاعات وأمقت الظلم، وضعت القلم والأوراق وفورا فوق المكتب، وتوجّهت إلى المدير العام كمال عياش رحمه الله وطيّب ثراه. وطرحت عليه هذا المشكل المصطنع الذي واجهته الزميلة خديجة طاهر عباس، وقبل أن أنتهي من كلامي عن المشكل المصطنع تمّ حلّه على الفور، فقد كان المرحوم كمال عياش جادا وصارما. وبهذا استأنفت عملها والتحقت بالقسم الوطني إلى جانب زملائها وزميلاتها.
كان القسم الوطني في جريدة “الشعب” في حسين داي، يعمل كخلية نحل بأتم معنى الكلمة، كما كان يضم نخبة الجريدة في مقدمتهم الصحفي السعيد بن عياد، عبد الكريم مخالفة، محمد مقلاتي، خديجة طاهر عباس وسلوى روابحية.
عملت خديجة طاهر عباس رحمها الله، وطيّب ثراها، إلى جانبنا عندما انتقلت الجريدة إلى شارع باستور بالقرب من البريد المركزي سنة 1996، وفي مطلع الألفية الثالثة انتقلت بمحض إرادتها إلى التلفزيون العمومي في شارع الشهداء، وواصلت عملها بكل جد وتفان، وكان آخر منصب شغلته هو رئيسة تحرير.رحمك الله أختي خديجة وطيّب ثراك وأسكنك جنة الفردوس بجوار رسولنا وسيّدنا وحبيبنا وشفيعنا وقائدنا ومعلّمنا، وقرّة أعيننا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وسلّم تسليما كثيرا إلى يوم الدين.
إنّا لله وإنّا إليه راجعون