ملح الأرض.. الأسير سامر العربيد..
قصة معاناة اللجوء والسجن وفقدان الأسرة
ينتظرُ الأطفال الثلاثة ريتا ومينا وجولان زيارة والدهم بشوقٍ كل شهر، إلّا أنَّ 45 دقيقة لا تكفي لِسردِ قصصِهم ومغامراتهم، فتراهم يتسابقون ويتشاجرون خلف زجاج السجن لمحادثةِ والدهم، «بينما أنا أقف حائرة لعلّي أسترق محادثة صغيرة مع سامر الذي أشتاق له وأحنُّ إليه» تروي نورا مسلماني زوجة الأسير سامر العربيد لـ ملح الأرض. تؤكد نورا أنها تهتم أن يحصلَ أطفالها على أكثرِ وقتٍ ممكن مع والدهم، حتى لو لم تتمكَّن هيَ من محادثته، إذ أن أبناءها أولى الآن.. التقت مجلة «ملح الأرض» بالسيدة نورا مسلماني زوجة الأسير سامر العربيد وهو أحد الأسرى الفلسطينيين من مدينة رام الله والمُعتقل في سجون الاحتلال الاسرائيلي منذ حوالي 3 سنوات، ولديهما ثلاثةِ أبناء ريتا 11 عام، مينا 8 أعوام، وجولان 6 أعوام. إلى جانبِ كونها أم للأطفال الثلاثة الذين سَرَقَ منهم الاحتلال والدهم، فإن نورا مُعَلِمة بإحدى مدارس مدينة القدس حيث تعيش اليوم إلى جانبِ عائلتها (أهلها) كونها اضطرت للانتقالِ هناك بعد اعتقال سامرعام 2019. سامر مواطن فلسطيني يبلغ من العمر 47 عاما من سكان مدينة رام الله، وهو بالأصل لاجىءٌ من مدينة يافا عام 1948 حيث عاشت عائلته اللجوء، وهو يعيش اليوم عذاب القهر والسجن بعيداً عن أطفاله. فقد اعتقلت قوات الاحتلال الاسرائيلي سامر صباح يوم 25 سبتمبر 2019 بينما كان برفقةِ عائلته. تَعَرَضَ سامر خلال فترة التحقيق التي امتدت لأيامٍ طويلةٍ لتعذيبٍ جسديٍّ ونَفسيٍّ كبير على يد ما يسمى «جهاز الشاباك» الاسرائيلي، وعانى إصابات بالغة أدخلته المستشفى عدة مرّات حسب مؤسسات حقوقية تابَعَت قضية سامر منذ بدايتها. وحسب تقارير حُقوقيِّة سابقة أيضاً فقد عُرِضَ سامر على أطباء اسرائيليين فور اعتقاله، والذين قالوا إنه لم يَكُن يعاني من أيِّة اشكاليات صحيِّة وقتها، فيما قال تقرير آخر أن سامر وصل إلى عيادةٍ في مُعتَقَل المسكوبيِّة صبيحة يوم 27 سبتمبر الساعة 7:10 صباحا على كرسيٍ مُتَحَرِكٍ وكان يُشتَبَه بإصابته بنوبةٍ قلبيّة نُقِلَ على إثرِها إلى مستشفى «هداسا» بحالةٍ حَرِجةٍ، حيث عُثِرَ على جسده آثار كدمات كبيرة وإصابات بليغة في أطرافهِ ورَقَبته وعموده الفقري، وكسور في 11 ضلعاً من أضلُعِ صَدره، بالإضافةِ إلى فقدانه السمع بنسبةٍ تصل إلى 60% في أذنه اليُمنى، وتعرضه لحالاتٍ إغماءٍ مُتَكَرِرة. كما وبقي سامر موصولاً على أجهزة التنفس الاصطناعي لأكثر من 3 شهور داخل مشفى «هداسا» ثم في مشفى «سجن الرملة» بسبب كسور أضلاعه التي أفقدته القدرة على الكلام والتنفس بسهولة. واليوم، وبعد مرور حوالي 3 أعوام على اعتقالهِ وتعذيبه، تؤكد زوجته نورا لـ ملح الأرض أنّ سامر لايزال يُعاني من إصاباتِهِ البَليغة وخصوصاً من آلامٍ عامة في الظَهرِ والأرجل والرَقَبَة، بالإضافةِ إلى استمرار فقدانهِ للسمعِ في أذنه اليُمنى ومعاناته من طنين مستمر فيها.
وترفض سلطات السجون الاسرائيلية إدخال أية أدوية لسامر لتخفيف آلامه، «حتى كتاب يحتوي دليل لعملِ تمارين رياضية لتخفيف الآلام رفضت اسرائيل إدخاله» تقول زوجته لـ ملح الأرض، كما أنّ الاحتلال يرفض عَرضه على طبيبٍ من طرف العائلةِ للاطمئنان عليه ومتابعته بالرغم من تقديم العائلة لطلب خاصٍ منذ اعتقاله، إلّا أنّ الرفض مستمر حتى اليوم. مضت حوالي 3 أعوام على اعتقال سامر الذي يمضي سجنه في مُعتقل نفحة الصحراوي، لكن حُكماً بحقه لم يصدر بعد، على الرغم من توقعات العائلة ومحاميها بأن يكون الحُكم قاس وطويل، إلّا أنّ العائلة تحاول أن تتفاءل وتُخَفف وقع السِجنِ على أطفاله الثلاثة الذي ينتظرون لقاءه الشَهري. «يكون اللقاء حَميميٌ جدّا» تقول نورا لـ ملح الأرض حيث يتشوّق الأطفال للقاء والدهم حتى لو كان ذلك من خلف الزجاج، إلّا أنّهم عندما يرونه سرعان ما يبدأون بسردِ قصصهم وأخبارهم، بينما تقف الأم بمشاعرٍ حزينة مليئة بالحَسرةِ على هذا الشوق المحدود والعَشم المأسور، مع قليل من السعادة أنّ الأطفال على تواصلٍ مع والدهم كما سَرَدَت لمراسلتنا. يُصِرُ مينا ابن الثمانية أعوام وفي كلِ لقاء على سؤالِ والده: بابا، ايمتا بدك تروّح؟ فهو الذي اعتاد أن يرافقَ والده في الأرضِ وزراعة الأشجار ورعايتها، ولديه تَعَلُقٌ شديد به. تُضيف نورا أنّ مينا ابنهما وفي إحدى الزيارات لوالده قال له: «شو رأيك بابا أصير ابن القاضي عشان أطلب من القاضي يروّحَك على البيت، وبس تروّح على البيت برجَع ابنك..». تقول نورا إنّ سامر شعر بقهرٍ شديدٍ يومها من حجمِ اشتياق ابنه له ولوجوده معهم في البيت، ولكنها تؤكد أنها لن تخبر ابنها بأنّ والده سيقضي كثيراً في السجن (حسب توقعات محامي العائلة). «سامر عاطفيٌ جدا، بيتوتي، يحب عائلته وكان يقضي الكثير من وقته في البيت معنا، أو برفقةِ الأطفال خارج البيت». تضيف نورا لـ ملح الأرض أنهم كانوا عائلة كأيّ عائلة أخرى بجوٍ دافئ تحتفل بالأعياد والمناسبات ولهم نشاطاتهم الاجتماعية وزياراتهم الكَنَسية وغيرها قبل أن يُحَوّل الاحتلال حياتهم إلى جحيمٍ ويصدمهم باعتقالِ الزوج والأب والسند للبيت، لا بل وتعذيبه أيضاً.» أعيش اليوم لوحدي، أقوم بمهامِ الأم صباحاً، وأتوجه لعملي في المدرسة ثم أعود لتدريس الأطفال وتنظيم احتياجهم وهي مهمات مُضاعفة وصعبة بغياب الأب عن البيت». لكن نورا تؤكد أيضاً أنّ ما تفعله ليس عملا خارقا، بل هي الظروف التي أجبرتها أن تكون بهذا الوضع أسوةً بزوجاتِ وأمهات آلاف الأسرى في سجون الاحتلال. سامر حُرِمَ من أبسطِ حقوقه في السجن، وهو الدواء أو قراءة كتاب، ونحن حُرمنا الأب والزوج. تضيف نورا: سامر صحته جيدة اليوم أفضل من بدايةِ اعتقاله، لكنه يشتاق للأكل البيتي، فسامر يحب الشيشبرك خصوصاً من أيدي عمته التي توفيت مؤخرا، ويحب الفوراغ والكرشات والأكل الدسم بشكلٍ عام، «يا ريت أقدر أبعتله…بس ممنوع، إذا الدواء منعوني أدخله…».وكانت والدة سامر توفيت بعد مَضيّ عام على اعتقاله وهي بحالةِ حَسرة وشوق له، ولديه شقيقٌ مريضٌ. تُحَدِث نورا لـ ملح الأرض بصوتٍ يحمل نبرة الألم عن غياب سامر عن البيت وعن حياتهم قائلةً: في فراغ صعب تعبّيه، كل واحد له دوره بالحياة، وهذا أب، وزوج، وهناك مشاعر عاطفية فأنا أشتاق له وأفتقده جداً، وهناك مشاعر إنسانية فالأطفال بحاجة والدهم ويشعرون بهذا الفراغ بالرغم من محاولتي الكبيرة أنا وأهلي أن نلبي كل احتياجاتهم. وكانت مؤسسات حقوقية محلية ودولية تابعت ملف الأسير سامر العربيد وما تَعَرَضَ له من تعذيب جسدي ونفسي خلال التحقيق العسكري الذي خضع له عام 2019 وتسبب بإصاباتٍ بالغةٍ يعاني منها حتى اليوم، كما وطالبت هذه المؤسسات بفتح اسرائيل تحقيقٍ بهذا التعذيب، إلّا أن سلطات السجون قامت بتحقيقٍ شكلي سرعان ما أغلقته في يناير(جانفي) عام 2021 لتنهي بذلك أيّ متابعة قانونية للجريمةِ التي اقترفها محققو الشاباك بحقِ سامر واستخدامهم لأساليب تعذيب غير مسبوقة بحقه. ويعتبر سامر العربيد واحدا من بين عشرات الأسرى الفلسطينيين المسيحيين المعتقلين في سجون الاحتلال، ومنهم من هو معتقل إدارياً (أيّ بدون حكم)، ومنهم من يقضي أحكاما تتراوح بين عدة شهور وعدة سنوات.
الخميس الموافق 02/06/2022