في جولة استطلاعية قامت بها «الشعب» إلى بعض محلات بيع المواد الغذائية بالتجزئة بكل من بلديتي واد السمار والدار البيضاء شرق العاصمة، تبيّن أنّ مادة السميد على اختلافها غائبة في المحلات والفضاءات التجارية الكبرى، في المقابل تتوفّر مادة الفرينة بكميات كبيرة في المحلات والأسواق الكبرى.
لم تقتصر الأزمة على مادة السميد، حيث اتّضح من خلال جولتنا، أنّ زيت المائدة غائب على رفوف المحلات التي أصبحت شبه فارغة بعد سحب بكميات كبيرة أذهلت التجار، حيث قال أحد الباعة في حديثه إلينا «فوجئنا بتهافت المواطن على مادة الزيت واقتناء كميات كبيرة تكفي لمدة ستة أشهر»، في حين قال آخر «الأزمة سببها المواطن».
من جهته، أكّد بائع آخر على مستوى سوق القرية ببلدية الدار البيضاء، أنّ ندرة مادة الزيت كانت بصفة مفاجئة، وتفاقمت بشكل كبير خلال الأيام الأخيرة، بعد انتشار خبر الندرة، ما تسبّب في «انفجار» الطلب عليها من قبل الزبائن إلى درجة إحداث طوابير أمام المحلات، ويرى البائع أنّ انتشار الإشاعة بين المواطنين يعمّق الندرة أكثر فأكثر، إن لم يتم مراجعتها والتحكم فيها من قبل المصالح المعنية.
صرّح تاجر آخر في ذات السياق، أنّ المواطن يلجأ لشراء كميات كبيرة من الزيت والسميد من أجل تخزينها وليس استهلاكها حاليا، الأمر الذي جعل الكثير من الزبائن في رحلة بحث يومية عن هذه المادة ذات الاستهلاك الواسع، في حين لجأ آخرون إلى الحصول عليها بطلب من التجار المقربين منهم، ولمدة تزيد عن يومين من أجل تزويدهم بها.
الإشاعة تغذّي النّدرة
من جهته رئيس الجمعية الوطنية للتجار الحرفيين الجزائريين الحاج طاهر بولنوار، قال في تصريح لـ «الشعب»، إنّ مادتي الزيت والسميد يكثر عليهما الطلب في شهر رمضان، لكن الإشاعة هي السبب في الندرة، موضّحا أنّ مخزون المواد الغذائية الواسعة الاستهلاك يكفي لضمان التموين وتلبية الطلب، خاصة مادة الزيت حيث أنتجت المصانع مخزونا وفيرا يكفي لشهرين بعد العيد.
وقال عن الندرة المسجلة في مادة الزيت، إنّ المخاوف انتشرت بعد أزمة روسيا وأوكرانيا، التي لا يمكن أن تضر بالجزائر حاليا، على اعتبار أن المخزون المتوفر عند الديوان المهني للحبوب وطلبية الاستيراد الموجودة تكفي للتموين وتلبية احتياجات السوق الوطنية، موضّحا أنّ الجزائر لا تستورد القمح من الروس وأوكرانيا وإنما من أوروبا، ولذا فإنّ المخزون المقدر بمليون ونصف من الحبوب ومشتقاتها، وكذا الإنتاج المحصل من مرحلة الحصاد التي ستكون شهر جوان المقبل تحقق الطلب السنوي.
وحذّرت الجمعية، مع اقتراب شهر رمضان من إشاعات الندرة في بعض المواد على غرار السميد، الزيت والحليب، تلك الإشاعات التي يبثها المضاربون لزيادة الطلب، كما حدث السنة الماضية مع مادة السميد، ثم مادة الزيت التي دخلت فيها أطراف كثيرة تسبّبت في الندرة وزيادة السعر بشكل آثار استياء المواطنين، وجعلهم في رحلة بحث عن قارورة زيت.
أكّدت في سياق موصول، أنّ تهافت المواطنين على مادتي الزيت والسميد يفتح المجال للمضاربين للزيادة في الأسعار، ويخلق الندرة التي تتناقض مع المنتوج المتوفر الذي يحقق فائضا على الطلب، بالنظر إلى كميات الإنتاج خلال هذه السنة، داعيا المواطنين الى ترشيد استهلاكهم والابتعاد عن الإشاعة التي تحدث تذبذبا في السوق الوطنية.
أضاف بولنوار، حسب المعطيات المتوفرة على مستوى الدواوين الحكومة (الحليب - الحبوب - الخضر والفواكه)، وكذا على مستوى المصانع وشبكات التخزين وأسواق الجملة، أنّ التموين يبقى مستقرا خلال شهر رمضان المبارك، ولن تعرف الأسواق ندرة في المواد الغذائية، خاصة الأساسية.
أوضح رئيس الجمعية الوطنية للتجار والحرفيين، أن مخزون الفرينة والسميد يكفي لأشهر عديدة، والحديث عن الندرة مجرد إشاعة لاستغلال زيادة الطلب من أجل رفع اسعارهما، ثم رفع أسعار مشتقاتهما، محذّرا من التلاعب بالقدرة الشرائية للمواطن التي أصبحت في تدهور، بعد الزيادات المستمرة التي شهدتها العديد من المواد الغذائية في الفترة الأخيرة.
الحفاظ على حقوق المستهلك
طالبت الجمعية من التجار تحديد كميات البيع بخصوص مادتي الزيت والسميد والمواد التي تشهد الندرة، لكن بشرط الحفاظ على حقوق المستهلك، الذي يقول «إنّ الزبون يحصل على مقتنياته الكاملة وفقا لقانون البيع»، وهذا من أجل ترشيد الاستهلاك والقضاء على اللهفة التي تخلق النذرة في المواد الغذائية، خاصة في المناسبات.
في المقابل، دعت الجمعية المواطنين إلى التسوق العادي، وتجنّب تخزين السلع في البيوت محافظة على استقرار التموين وعدم فتح المجال أمام المضاربة، كما تدعو ممثليها عبر الولايات إلى التحسيس بترشيد الاستهلاك، وتنبيه تجار المواد الغذائية العامة وأصحاب المساحات التجارية بتسقيف الكميات المطلوبة للزبائن في بعض المواد «الحليب، الزيت والسميد» عند المبالغة في الطلب.
وطمأن بولنوار المواطنين، أنّ شهر رمضان لن يشهد الندرة في المواد الغذائية، خاصة وأن وزارة الفلاحة أكّدت توفر مخزون الحبوب، الذي يكفي حتى نهاية السنة الجارية، وقد يحقق فائضا في حال الالتزام بالثقافة الاستهلاكية، داعيا جمعيات حماية المستهلك إلى تنظيم حملات توعية وتحسيس بضرورة تغيير سلوكيات وأنماط الاستهلاك.
التّوعية والتّحسيس وليس الرّقابة
من جهته، أمين عام المنظمة الجزائرية لحماية وإرشاد المستهلك، حمزة بلعباس، قال في تصريح لـ «الشعب»، إنّ الأزمات المتكرّرة في السوق الوطنية، جعلت دور الجمعيات وفدراليات حماية المستهلك يتحول من التوعية والتحسيس، إلى التحقيق في أسباب الندرة والتذبذب الذي تشهده السوق الوطنية في الزيت والسميد، في وقت من المفروض أن تقوم أجهزة أخرى بالرقابة لمعرفة الأسباب الحقيقية وراء الندرة.
صرّح المتحدث، أنّ التوعية والتحسيس لا تؤدي دورها اللازم، على ضوء تكرّر أزمة الندرة في السوق الوطنية، مؤكّدا على دور القائمين على تنظيم السوق الممثلين في وزارة التجارة والفلاحة، من خلال ضخ منتوج كاف يقضي على الأزمة في المواد الغذائية واسعة الاستهلاك، خاصة السميد والزيت الذي يشكّل إقبال الكثير من المواطنين.
وشدّد الأمين العام للمنظمة الجزائرية لحماية وارشاد المستهلك على ضرورة إعادة هيكلة السوق الوطنية من أجل تحقيق الشفافية في عمليات البيع، والقضاء على المضاربة التي تؤدي إلى الزيادة في السعر والندرة، داعيا الجهات الوصية إلى تقديم معلومات دقيقة حول ما يجري في السوق الوطنية، لمعالجة الأزمة من جذورها، وتفادي تكرار سيناريو الندرة في كل مرة.