تعكس خللا في النّظام الاجتماعي

ظاهرة تستدعي التّدخل العاجل

ورقلة: إيمان كافي

 انتشار ظاهرة تعاطي المخدرات في المجتمع أخطر ما يهدد البناء الاجتماعي، بفعل انعكاساتها المدمرة على الفرد وعلى المجتمع، والتي لا يمكن تصورها من حيث السلوك والأفعال والانحرافات الاجتماعية المصاحبة لها. والأخطر لما تقترب من المجال التربوي والتعليمي ومؤسسات التنشئة الاجتماعية بشكل عام، نظرا لكون هذه المؤسسات تحتضن فئات عمرية شابة، تعد أساس مستقبل المجتمع والدولة، كما يؤكد ذلك الدكتور أحمد بجاج، أستاذ علم الاجتماع بجامعة غليزان.

 اعتبر الدكتور بجاج أنّ أي مساس بقداسة الفضاء التربوي والاستراتيجي، وتهديد العملية والفعل التربوي هو ليس فقط تهديدا للمنظومة التربوية وإنما مساس بالأمن الاجتماعي والقومي.
وأفاد أنّ ما تشهده مؤسساتنا التربوية من عنف وظواهر اجتماعية شاذة وانحرافات وانتشار التدخين بين المتمدرسين في الأطوار الثلاثة وما ينجر عنه من انحرافات وسلوكات، يتعارض مع القيم التربوية والاجتماعية ومتطلبات العملية التعليمية والتربوية، لا يمكن اعتباره إلا ناقوس خطر يتطلب التدخل الفعال للحد من انتشاره ومعالجته بالطرق والمناهج العلمية، وبشكل كلي باعتبار أن هذه الظاهرة لها امتدادات وخلفيات تعبّر عن هشاشة واقع اجتماعي، أمام انفجار سكاني غير مخطّط له، وفرضته جملة من العوامل الاقتصادية والاجتماعية المحلية والدولية باعتبار أنّ تجارة وإنتاج المخدرات تعد عابرة للحدود.
وعن انعكاس هذه الظاهرة الخطيرة على سلوك التلاميذ، أوضح المتحدث أنّه من المهم الإشارة إلى أن ظاهرة انتشار التدخين ومنه المخدرات في الوسط التربوي، تعكس خللا في النظام الاجتماعي والنسق القيمي للمجتمع، ما يؤدي إلى خلل وظيفي على مستوى الأسرة، ودورها في تعزيز الروابط الاجتماعية.
وتحوّلت الأسرة إلى مجرد آلة بيولوجية للتكاثر وليس مؤسسة اجتماعية منتجة للقيم ومعززة للروابط الاجتماعية، والأمر كذلك ينسحب على الفواعل الاجتماعيين من نخب وعقلاء، والذين لهم دور محوري في التوجيه والتوعية والرعاية والوقاية.
كما أنّ انسحاب واستقالة الوالدين من العملية التربوية بحجة الظروف وإكراهات الواقع، وترك المجال مفتوحا لمختلف العناصر المؤثرة عبر الفضاء العمومي الواقعي والافتراضي شكّل أرضية خصبة لانتشار الآفات والظواهر الاجتماعية السلبية.

خطر يحدق بفئة المتمدرسين

 كما سهّل من مهمة المتاجرين والمروجين لمختلف المواد الخطرة باعتبار أنّ فئة المتمدرسين فئة يسهل إغراؤها واستغلالها في الترويج، بحكم الكثافة والعدد الهائل من التلاميذ ونتيجة التفاوت الاجتماعي لأسر التلاميذ وأمام ضعف المراقبة، ما يجعل العديد من التلاميذ ضحية، بحكم غريزة الفضول وحب الاكتشاف وأيضا توفر عوامل مختلفة نفسية اجتماعية اقتصادية، ممّا يحول هذا الوسط التربوي إلى ساحة عنف وانحرافات أخلاقية، وما ينجر عنه انخفاض المستوى التعليمي وانسحاب من العلمية التربوية ومنه التسرب أو عدم التركيز في تلقي المادة التربوية والتعليمية، وهو ما يعني ضياع جهد المنظومة التربوية في إعداد الفرد المواطن الفعال وعرقلة للعملية التربوية، وتهديدا للنسيج الاجتماعي وعدم القدرة على إنتاج وإعادة إنتاج المجتمع بمختلف مكوناته وعناصره الثقافية والاجتماعية الأساسيتين.
وبالعودة إلى واقع هذه الظاهرة في ولاية ورقلة وعلى المستوى الوطني، قال المختص في علم الاجتماع إن ولاية ورقلة وبحكم أنها مدينة استقطاب وتعرف نموا عمرانيا بشريا متسارعا، وظهور أحياء شعبية ذات كثافة سكانية عالية، وأيضا مساهمة الدولة في إنشاء أقطاب عمرانية كبيرة كحي النصر نموذجا، حيث انعكس ذلك على المجال الاجتماعي والقيمي، إذ من الطبيعي أن تشهد انتشار ظواهر اجتماعية مثلها مثل المدن الكبرى والتي تفتقر للفضاءات والمؤسسات والمرافق الترفيهية المصاحبة للتوسع العمراني، من حيث المساحات الخضراء والمرافق الرياضية التجهيزات والتأطير والاهتمام بالفئات الشابة لتحصينها من الشعور بالتهميش والإقصاء الاجتماعي، إذ أن هذا الواقع  ينسحب على المجال التربوي وظروفه، باعتبار أنّ التلاميذ ينتمون إلى ذات المجال الاجتماعي بمختلف مكوناته وتشكلاته والمنتج لنفس السلوك والأفعال ورغم غياب أو عدم صدور إحصائيات ودراسات سوسيولوجية عن الواقع الاجتماعي بمختلف تمظهراته، فإنّه من الطبيعي أن ظاهرة انتشار وتعاطي المخدرات، تعرف تناميا متزايدا بحكم توفر عناصر وعوامل الانتشار، وخاصة بين الفئة العمرية بين 15 إلى 25 سنة.
كما أنّ الفئة العمرية المتمدرسة، والتي تنتمي إلى الطورين الثاني والثالث من التعليم، إذ تشكّل فئة واسعة وهي الأكثر استهدافا واستغلالا من طرف مروجي المهلوسات ومختلف المواد القاتلة ولكن الموضوعية، تفرض علينا أن لا نصرح إلا عندما تتوفر لدينا أرقام ومعطيات ميدانية رسمية تكشف عن حجم الظاهرة ومدى انتشارها في الوسط المدرسي بورقلة، رغم أنّ الملاحظة البسيطة والمتابعة والمعاينة بحكم الاهتمام بالدراسة العلمية للواقع الاجتماعي، تعبّر عن حالة قلق من خطر انتشار الظاهرة، وخطر عدم الاهتمام الرسمي والمجتمعي للحد منها ومعالجتها.
وذكر المتحدّث أنّ ما تكشفه بشكل ملفت وسائل الإعلام التقليدية وشبكات التواصل الاجتماعي عن انتشار وتنامي ظاهرة تعاطي المخدرات والمهلوسات ومختلف المواد الخطرة في الوسط التربوي بمدينة ورقلة، مضيفا هنا أنّ الأمر ذاته يمكن ملاحظته عبر عصابات الأحياء.
ولاحظ بحكم تواجده كأستاذ جامعي بمدينة غليزان في الغرب الجزائري، أنّ عصابات الأحياء والتي تتشكل من فئة عمرية بين 14 إلى 20 سنة، تمثل العمود الفقري لهذه الجماعات غير المنظمة، وهي ضحية تسرب مدرسي وضحية مروجي المخدرات والمهلوسات، بمختلف تسمياتها وأشكالها، كما أنها تتمركز في أحياء تعرف تهميشا وإقصاء اجتماعيا وغياب مرافق ضرورية، ما يؤشّر على انتشار المخدرات في الوسط المدرسي، يساعد في تشكل عصابات الأحياء وتدعيم عناصرها، وأن هناك علاقة بين نمو عصابات الأحياء وانتشار المخدرات في الوسط المدرسي.

الأشكال الجديدة للمخدرات

 قال الدكتور بجاج إنّ انتشار وسائل التواصل الاجتماعي ومختلف التطبيقات الإلكترونية عبر الهواتف الذكية وسهولة الاستعمال، مكّن من انتشار مفردات ومعطيات وتداول مفاهيم ومنتجات وعلامات بين فئة واسعة جدا من كل الأعمار وبين الجنسين.
كما أنّ طبيعة ومصدر هذه السموم باعتبارها عابرة للقارات والحدود وشبكات الإجرام المرتبطة بها وبارونات المخدرات والمروّجين والمستفيدين من الربح السريع، على حساب صحة الفرد والمجتمع وفي ظل الظروف الصعبة والهشاشة الاجتماعية لشريحة واسعة، مكّن وساعد في انتشار الظاهرة، رغم علم الجميع بمخاطرها بمنفيهم الأولياء.

من أجل وسط مدرسي خال من الآفات

 أكّد أستاذ علم الاجتماع أنّ الوسط المدرسي لا يمكن عزله عن مجاله الاجتماعي، بحكم أنّ المؤسّسة التربوية نسق مفتوح مدخلاتها ومخرجاتها من المجتمع المحلي، وهي بذلك تتأثّر بالمحيط الثقافي والاقتصادي والاجتماعي، بمعنى أنّ الحد من انتشار الظاهرة يجب أن يكون على مستوى اجتماعي شامل، بحيث تكون كثقافة وسلوك اجتماعي لدى كل مواطن وعند مختلف الشّركاء الاجتماعيّين ومؤسّسات التنشئة الاجتماعية في مختلف القطاعات كما الوسط التربوي في مواجهة ظاهرة التدخين والانحرافات والمخدرات والعنف بمختلف أشكاله اللفظي والجسدي، تفرض تنمية ثقافة المؤسّسة في الوسط المدرسي، تجعل من كل عنصر بشري شريكا في العملية التربوية والأخلاقية، بغض النظر عن دوره ومكانته ووظيفته، لأنّ التلميذ يتأثّر بسلوك وأفعال معلمه أو أي عنصر بشري يلاحظه داخل المؤسّسة التربوية.
ومن الناحية العملية، فإنّ تكييف الفعل التربوي مع متطلّبات العصر والحداثة تفرض النظر إلى التلميذ من جميع النواحي، ليس مجرّد وعاء لنقل المعلومات وتخزينها وإنما تنمية شخصيته الاجتماعية ومواهبه، من خلال تدعيم وتشجيع النشاط الفني والثقافي والرياضي والترفيهي، من الرّحلات والخرجات الميدانية للتعرف على الوسط المهني والاجتماعي والاقتصادي، وتشجيع وتحفيز المتفوّقين ماديا ومعنويا لخلق المنافسة بين التلاميذ وبين المؤسّسات التربوية.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19521

العدد 19521

الخميس 18 جويلية 2024
العدد 19520

العدد 19520

الأربعاء 17 جويلية 2024
العدد 19519

العدد 19519

الثلاثاء 16 جويلية 2024
العدد 19518

العدد 19518

الإثنين 15 جويلية 2024