غالبا ما تتأقلم حواء مع صعوبة الظروف والأزمات لتترجم خوفها واستياءها أو حزنها وغضبها فنّا، أدبا وإبداعا، زارعة بذلك الأمل في غد أفضل تنزاح معه الغمة ويذهب فيه البأس واليأس.
المرأة الجزائرية باقية صامدة كما عهدها الزمن والتاريخ في وجه الصّعاب والأزمات، ترجمت مواجهتها لأزمة كورونا بالامتثال لتعليمات بروتوكول الوقاية واحترام إجراءات الحجر الصحي، ومضاعفة مجهوداتها لحماية ذويها دون أن تهمل مواهبها وإبداعاتها التي ازدهرت خلال فترة الحجر الصحي.
يعود الثامن مارس من كل سنة ومعه إحياء اليوم العالمي لحقوق المرأة ليشكّل أمام حواء فرصة الإفصاح عن مواهبها الفنية والأدبية والحرفية وإبرازها للجمهور.
تعود الاحتفالية هذه السنة بطابع متميز جدا بعد عام من الجمود والتوقف الكلي للأنشطة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والرياضية بسبب الفيروس القاتل.
هي إذا مناسبة تغتنمها جريدة «الشعب» لتسليط الضوء على بعض تجارب الصمود في وجه جائحة كورونا لمثقفات جزائريات استطعن تحويل الخوف من المجهول إلى إبداع واستغلال أوقات الحجر لإطلاق العنان للموهبة.
العودة إلى الكتابة بعد انقطاع
«كانت الكتابة عن مرض كورونا ومحاولة إنجاز نص إبداعي قائم على هذه الفكرة هو أمر صعب ومثير،» حسب الاعلامية والاستاذة الجامعية ابنة مدينة تيارت خيرة عبد الله المقيمة بجزيرة المارتينيك.
لقد كنّا تقول «أمام الخوف من المجهول والمعاناة والمرض، النجاة والموت، وفي حين اعتاد الكتاب والمفكرون والفنانون والمبدعون على العزلة لأجل الكتابة الإبداعية أو الإنتاج الفني، اختلفت عزلة فيروس كورونا عن ذلك، فالأمر شائك والخوف من الفناء بديهي».
كان من الصعب على خيرة عبد الله التأقلم مع هذا الوضع، لكن بعد مدة وجدت السكون النفسي الذي افتقدته، فالحياة في الغربة قاسية، والجو متعب والبعد عن الأهل زاد الوضع حدة خاصة مع غلق الحدود.
فكان لابد تضيف «من التفكير في حل يرضي كل أطراف العائلة، كانت الفرصة سانحة أولا لقراءة القرآن الكريم، واستئناف دروس اللغة العربية لبناتي بعد غلق المسجد».
أصبحت خيرة عبد الله تدخل وبناتها المطبخ للإبداع في تحضير أطباق وحلويات تقليدية، «شاكرة» كورونا لأنها «احدثت مجالا للاتصال ومناقشة أمور عدة في جو عائلي، وأصبحت أرى زوجي باستمرار».
أما في المجال الفكري، فقد وضعت خيرة تحديا مع بناتها «كم من كتاب نقرأ؟»، وأقامت تشير «جوا من المنافسة، فكلما أنهت إحدانا كتابا، تروي لنا القصة وهكذا...أنهينا مكتبتنا وتبادلنا الكتب مع الجيران».
فبعد عشرين سنة من الانقطاع عن الكتابة، وجدت الإعلامية نفسها وبتشجيع بعض الزملاء، تعود باحتشام إلى الكتابة الصحفية، وانهاء بعض المشاريع المتبقية.
وفي سياق آخر، أشارت خيرة عبد الله أنّ من ايجابيات الحجر، بغض النظر عن الخوف من الموت، هو الإبداع في النكت، وقوة الاتصال الافتراضي بالأهل والاصدقاء.
واعتبرت في الأخير أنّ أزمة كورونا ستؤدي بالتأكيد الى «إبداع جديد وتطوّر فكري راقي، إذا استغلّها المثقف بشكل واع ودون كل التفاصيل. اليوم نستثمر وقت الحجر في القراءة والكتابة، لنخزن الكلمات للغد».
انطفأت زغاريدنا وانفجرت طاقات إبداعنا
اعتبرت الأديبة وحيدة رجيمي أن الحجر الصحي وما يفرضه من تباعد، وغياب عن الساحة، وتباعد اللقاءات والأمسيات وصمت الزغاريد ساهم في تحفيزها على مراجعة بعض كتاباتها.
وكان الحجر حسب ما أوضحت السبب في عودتها «إلى سنوات الجامعة والمحاولات التي كتبتها في ذلك الزمن لمراجعتها».
وقالت وحيدة في هذا السياق: «الحجر الصحي ساعدني على جمع قصصي القصيرة في مجموعة معدة للنشر..ميرا..ميرامار «سيدة البحر»، أكملتها منذ شهر سأرسلها للطبع..»، مضيفة لقد «أكملت كتابي في أدب الرحلات..رحالة زاده القلم، أرسلته لدار نشر لكن في الأخير لم نتّفق..».
أيضا إلى جانب ذلك «تفرّغت للتدقيق في أوّل رواية كتبت (...حب تسقيه الدّموع) قبل الطباعة. أكملتها بنسبة 85 %..وبحول الله الكتب الثلاثة في طريقها للطباعة والنشر، هذا بالإضافة الى كتابات نثرية أكتبها دوريا».
وجب الإشارة تقول وحيدة رجيمي في الختام: «إنّني وصديقي المايسترو (الطيب عبادلية) نتقدّم في كتابنا المشترك الثاني بعد إصدارنا لأدب الرّسائل، نحن بصدد الانتهاء من زجليات..لونجا والڨوال كتاب نثر زجلي جزائري دما ومضمونا».
الكتابة والرّسم ترياق للحياة
حاولت الكاتبة والفنّانة التّشكيلية سهام شريط قدر المستطاع تجنّب هي وعائلتها الاختلاط غير المرغوب فيه بالحرص منذ البداية على احترام وتطبيق البروتوكول الوقائي.
أشارت سهام شريط أنها: «قسمت وقتها بين واجباتها المنزلية واستراحتها الجسدية وكتاباتها ورسوماتها».
وكشفت في هذا الشّأن: «توصّلت إلى إصدار ثلاثة كتب منشورة في أوائل سنة 2021 بدار الألمعية للنشر والتوزيع والمعنونة بـ: ترانيم وهي مجموعة نصوص نثرية وغلاف الكتاب لوحة لي تمثّل جذورنا الأمازيغية؛ وشدو الأعماق، مجموعة نصوص نثرية باللّغتين العربية والفرنسية وغلاف الكتاب لوحة لابنتي الفنانة التّشكيلية ندى مالكية، إلى جانب رواية عزف على وتر الزمن».
ورسمت سهام خلال هذه الفترة أزيد من 6 لوحات فنية، كما لم تتأخّر عن المشاركات الأدبية والفنية الافتراضية.
من صبر وإصرار إلى أوّل إصدار
امرأة أخرى رفعت التحدي وجعلت من فترة الحجر الصحي فرصة لإنجاز الكثير من الأمور العالقة في حياتها بسبب مسؤوليات البيت وتربية الأولاد، وأصدرت أول كتاب لها في أدب الطفل. إنّها الشاعرة نورة طوبال من البويرة التي تكيفت مع الوضع من خلال «المشاركة في مسابقات أدبيّة أطلقت على مواقع التواصل الاجتماعي».
وأطلقت نورة طوبال على حسابها حملة «ابقى في بيتك ازرع أرضك»، وزرعت تقول «بذور اليقطين وكنت أعتني بها حتى كبرت أوراقها لتظلّل ما حولها، وأدركت قيمة الحياة عندما رأيت النبتة الضعيفة تقاوم من أجل أن تحيا».
ومن جمل إنجازاتها خلال هذه الفترة الصّعبة هو إطلاق قناة لها على اليوتيوب، وإصدار أول كتبها في أدب الطفل، قصة «لونجة واخوتها السبعة»، قصّة من التراث الجزائري الأمازيغي، باكورة أكثر من سنتين من المجهود.
وقد أرادت عبر هذا الإصدار باللغة الأمازيغية «العودة إلى الجذور من خلال التراث اللامادي الذي خلّفه الأجداد، ومن واجبنا المحافظة عليه».