يسجّل عجز بنصف الاحتياجات في سوق السمك لأسباب مختلفة، منها طبيعية وأخرى تصنّف في خانة الأنشطة الموازية للصيد والتعاملات خارج إطار السوق المنظمة مثل البيع في أعالي البحر، وعدم الرفع من حجم الإنتاج بالصيد لبقاء الأسعار على درجة عالية ضمن معادلة قلة العرض مقارنة بحجم الطلب المتزايد على الأسماك، خاصة في ظل تراجع مستوى استهلاك مختلف أنواع اللحوم البرية خاصة الحمراء لغلائها أيضا.
ولمواجهة هذا الاختلال راهنت الدولة منذ سنوات على خيار إرساء بديل ممكن وبأقل كلفة، يتمثل في تربية المائيات بمختلف الأنواع بما في ذلك داخل الأقفاص في البحر بالساحل، وعلى مستوى المسطحات المائية بالهضاب العليا والجنوب. ويعود الحديث عن هذا الخيار في الظرف الراهن من أجل إنجاز الأهداف المسطّرة من حيث الاستثمار وتموين السوق، وتشغيل اليد العاملة في وقت تنتظر فيه جملة من الملفات بحوالي 100 مشروع للتجسيد الميداني بعد طول انتظار.غير أنّ مثل هذه الاستثمارات التي تدعّمها مشاريع أخرى في المستقبل القريب تتطلّب مرافقة جوارية على مستوى دراسة الجدوى الاقتصادية والاجتماعية والبيئية والتركيبة المالية وتوفير الفضاءات العقارية الملائمة والمواقع المائية أو البحرية الضرورية وفقا للمعايير العلمية من أجل ضمان إنجازها في الآجال وبالنوعية اللازمة لإدراك الأهداف المحدّدة في مجال الرفع من الإنتاج وديمومة الوفرة في السوق المحلية، ولم لا تدعيم قدرات التصدير نحو أسواق إقليمية وجهوية في زمن تحول فيه الأمن الغذائي إلى معركة يجب كسبها.
عين صالح..الوجهة المستقبلية
ويمثّل الجنوب الوجهة التي يراهن عليها لاستيعاب مثل هذه المشاريع، حيث سجّلت في نهاية السنة المنصرمة فقط استفادة حوالي 70 فلاحا بعين صالح (ولاية تمنراست) من تكوين في تربية الأسماك في المياه العذبة. وأشرفت على هذا اللقاء التكويني إطارات من المعهد التكنولوجي للصيد البحري وتربية المائيات بالقل (سكيكدة)، ومن الغرف المشتركة بين الولايات للصيد البحري وتربية المائيات لكل من ورقلة وقالمة وسطيف. وشمل التكوين التقنيات المستعملة في التفريخ الاصطناعي في ظل وجود مؤهلات جغرافية وطبيعية تساعد على تنمية هذا النشاط خاصة سمك الجمبري.
وتساهم هذه الشعبة المحاطة بآليات للتكوين والدعم في بعث الحركية الاقتصادية المحلية خاصة بإدماج تكنولوجيات الاتصال والطاقة المتجددة لتوفير حاجيات إدارة وسائل الإنتاج وتقريب المسافات من الأسواق، حيث يمكن لمناطق تصنف أقطاب تربية المائيات في الجنوب بالأخص أن تدفع بسكانها إلى مرتبة متقدّمة على مسار التطور والمساهمة في النمو، خاصة وأنّ التّقسيم الإداري لإنشاء ولايات منتدبة مندمجة يرمي في الجوهر إلى تحويل تلك الربوع إلى مصادر تنتج الثروة دون المساس بطابعها البيئي الأصلي ضمن إطار بناء اقتصاد أخضر.
إدخال تربية الأسماك في الوسط الزّراعي
نفس التوجه تعتمده مديرية الصيد لولاية الجزائر بتمكن قرابة 100 مزارع في سنة 2016 من تكوين في مجال تربية الأسماك من أجل تحسين وفرة منتوجات الصيد البحري وتربية المائيات الموجهة للاستهلاك الغذائي. ويقصد بتربية الأسماك المدمجة في قطاع الزراعة إدخال تربية الأسماك في الوسط الزراعي من خلال تطوير النشاطين باستفادة فرع من امتيازات فرع آخر. وبخصوص مزايا تربية الأسماك المدمجة في قطاع الزراعة، تجدر الإشارة إلى أن عملية الإدماج هذه ستسمح بضمان دعم إضافي من حيث البروتينات، وتنوّع مداخيل المستثمرات الفلاحية وتحسين نوعية معيشة الفلاحين لاسيما في المستثمرات الصغيرة. كما تسمح أيضا بتثمين استعمال المسطحات المائية الطبيعية والاصطناعية وتخفيض تكلفة السمك، وتكثيف المردود الفلاحي للمستثمرات، إضافة إلى تطوير فلاحة طبيعية ومستديمة.
شعبة جديدة تعد بمستقبل كبير
وبدأ نشاط تربية المائيات بولاية الشلف مع بداية سنة 2014 في إطار البرنامج الوطني 2014 - 2020 الذي يمس كل الولايات، ويستهدف الوصول إلى 190 مشروع. وتدخل تربية المائيات ضمن الأنشطة الفلاحية والتجارية المحلية، حيث سجّلت المصالح المعنية 12 طلبا للاستثمار، واستكمال إجراءات الاستفادة من مشاريع تربية المائيات عبر 11 موقعا تمّ اختيارها عبر الولاية لتكون ورشة لممارسة هذا النشاط، والتطلع لاستلام 04 مشاريع جديدة في مجال تربية المائيات سنة 2017، وذلك على مستوى عرض البحر بكل من مناطق المرسى وسيدي عبد الرحمان وبني حواء في غضون شهري أفريل وماي المقبلين. وسيتم تنصيب مشروع ببني حواء بإنتاج يتراوح ما بين 600 و1000 طن عبر 24 قفصا عائما، ومشروع المرسى بطاقة 900 طن، فيما تقدّر الطاقة الإنتاجية لمشروعي سيدي عبد الرحمان بـ 1000 طن، فضلا
عن مشروع آخر هو حاليا في طور الإجراءات. ويهدف تشجيع الاستثمار في نشاط تربية المائيات تحصيل ثروة سمكية تقدّر ما بين 3000 إلى 4000 طن مع آفاق موسم 2019 - 2020 لمنافسة إنتاج الموانئ الذي يقارب 5000 طن سنويا. ويقوم المستثمرون بتربية ذئب البحر والقاجوج وبلح البحر، إلى جانب الجمبري الذي يرتقب نجاح تربيته في المشاريع المقبلة، إلا أن نقص الغذاء والأسماك الصغيرة التي تستورد من أوروبا يشكّل أحد مشاكل هذا النشاط.
التّكوين والمرافقة الإدارية والمالية
وعلى صعيد التكوين البشري المؤهل في هذا المجال، يساهم المعهد الوطني العالي للصيد البحري وتربية المائيات في تخريج دفعات بمستوى تقني سامي في تربية المائيات ينبغي أن تجد متابعة من الدوائر الإدارية المختلفة المعنية بتجسيد برامج النهوض بالاقتصاد خارج المحروقات وبالذات في فرع الصيد وتربية المائيات وفقا لمنظومة تحفيزات تثير اهتمام الشباب، وتبعث فيهم الثقة في جدوى متابعة مثل هذا التكوين وتعميق الثقة في مثل هذه المؤسسات التي توفر العنصر البشري الملائم.
وبالنظر للدور البارز الذي يقوم به هذا المعهد وغيره من المؤسسات ذات الصلة بالقطاع يمكن لتوفير المزيد من الإمكانيات وتوسيع مساحة التحفيزات لجذب اهتمام الشباب نحو هذا النشاط الذي يحتاج إلى تصنيفه على مستوى الجماعات المحلية ضمن أولويات الاستثمار خاصة في المناطق ذات الخصوصيات المناخية والبيئية الملائمة سواء في الساحل باعتماد مشاريع تربية الأسماك في الوسط الطبيعي أو في الهضاب العليا والجنوب باستغلال أمثل وناجع للمسطحات المائية العذبة مثل السدود والأحواض (الصيد القاري).
ولذلك من المفيد أن يتعزّز التعاون والتنسيق بين جهات التكوين والقطاعات المعنية مباشرة بإنجاز المشاريع وجذب المستثمرين المحتملين سواء المحليين أو الأجانب، خاصة وأن هذا الفرع يساهم في تنمية عدد من الأنشطة الصناعية الصغيرة والمتوسطة مثل إنتاج التجهيزات والأدوات والأغذية وكذا تحويل الأسماك وتعليبها وتسويقها خاصة في المواقع التي تتوفر على سوق يرتفع فيها الطلب على هذا النوع من الغذاء.
غير أنّ للبنوك الدور البارز في بعث هذا الخيار بالانفتاح على الشباب وتنظيمهم في شكل تعاونيات لإطلاق مشاريع قابلة للنمو وذات جدوى مساهمة من المؤسسات البنكية في انجاز مسار النموذج الاقتصادي الجديد للنمو كمموّل أساسي يتحمّل جانبا من مهمة تشغيل اليد العاملة المؤهّلة، وبالتالي تمويل التنمية المحلية المندمجة وتصحيح النظرة تجاه البنك، بحيث يؤكّد التزامه بالمرافقة الجوارية وتأطير اليد العاملة الجريئة في مواجهة تحدي التحول الاقتصادي نحو إنتاج الثروة، والتحرر من التبعية للمحروقات.