يقف الدكتور عبد المجيد قدي أستاذ العلوم الاقتصادية بنظرة تحليلية عند مؤشرات النمو للسنة الجديدة الجارية على ضوء قانون المالية 2017، ويتحدّث عن خصوصية الظرف الاقتصادي الراهن وما يكتسيه من تحديات أبرزها تفعيل الاستثمار وأداء أقوى وأوسع للمنظومة البنكية، ولا يفوت الفرصة ليقدم سلسلة من التوقعات، التي يراها قريبة للتجسيد بخصوص تجسيد اتفاق تثبيت الإنتاج النفطي، الذي اتخذته دول «أوبك»، حيث دخل حيز السريان مطلع شهر جانفي الجاري ويستمر إلى غاية نهاية السداسي الأول من العام الجاري.
«الشعب»: كيف يمكن الحفاظ على وتيرة النمو على ضوء قانون المالية لسنة 2017؟
الدكتور عبد المجيد قدي: في الواقع الحفاظ على وتيرة النمو كما هو غير كافي، بل ينبغي تعزيز وتيرة النمو والسهر على استدامته، على اعتبار أن التحدي والإشكالية تتمثل في بلوغ معدلات النمو القادرة على استيعاب التضخم واليد العاملة الجديدة، أما فيما يتعلّق باستدامة معدلات النمو، لن يتجسد إلا من خلال تبني سياسات اقتصادية محفزة للاستثمار، لأنه لا يمكن الحديث عن نمو اقتصادي دون توسيع الاستثمارات، التي تتطلّب تهيئة مناخ مناسب، أما فيما يخص السياسات الاقتصادية المعتمدة، تشمل على وجه التحديد المجال الجبائي والطلب الذي يقودنا إلى المداخيل والمتمثلة في المعادلة الهامة لقانون المالية، أي.. كيف يمكن لقانون المالية الجديد أن يعمل على الإقلال والتخفيض من حجم الإنفاق الحكومي، وكذا المحافظة على المداخيل، ولا تخلوا هذه المعادلة من الصعوبة، باعتبار أن جزء كبير من المداخيل مرتبط بالنفقات العمومية.
للظرف الاقتصادي الراهن خصوصية تستدعي تشجيع الإدخار بجميع أشكاله.. ما هي الميكانزمات التي من شأنها أن تعزّز من ذلك؟
لدى الحديث عن الإدخار الوطني، يجب في البداية تحديد هذا الإدخار، لأنه يوجد عدة أشكال من المدخرات، على غرار الإدخار المؤسسي والإدخار الأسري أو العائلي، ويمكن الوقوف كذلك على الإدخار الحكومي، وفيما يخص الإدخار المؤسسي، لابد من إيجاد القنوات، التي يتسرب منها هذا الإدخار لفائدة الاستثمار، وهذا في الواقع مرتبط بتفعيل السوق المالية، والأمر ساري على الإدخار الأسري الذي لديه بعدين، الأول ثقافي حيث هناك ضرورة تحويل المكتنزات إلى مدخرات، كون الأسر عادة ما لا ينجذبون في ظلّ وجود فرص استثمارية ملائمة، وفي ظلّ وجود مؤسسات مالية تستجيب لثقافاتهم، ويفضلون الاكتناز ويلجؤون إلى الإدخار الذي يتناسب وأفكارهم والمتمثل في اقتناء الأراضي والمعادن النفيسة، وتجدهم يفضلون السيولة والمعادن النفيسة بدل التعامل مع البنوك.
التحكّم في التسيير
لا يُخفى أن المتعامل الاقتصادي مطالب بإنتاج الثروة على اعتبار أنه مستفيد من المرافقة والدعم المالي غير المسبوق..هل يمكن تحديد مهمته اليوم بدقة؟
بالموازاة مع ذلك نجد المتعامل الاقتصادي لديه ثلاثة أهداف جوهرية، تتعلّق في الجوهر بتحقيق الربح والبقاء في السوق وافتكاك رضا المستهلك، علما أن هذه الأهداف لن تتجسّد من دون توفر مجموعة من الشروط، في صدارتها توفر مناخ تنافسي والتحكم في التسيير، إلى جانب اعتماد الحوكمة، بالإضافة إلى وجود موارد بشرية تتمتع بالكفاءة، ويضاف إليها السياسات الحكومية الداعمة، علما أنه من دون هذه الأهداف، المستثمر لا يمكنه أن يستمر من دون ربح ولا يفكر في التوسع.
ماهي الإصلاحات البنكية التي مازالت لم تتحقق في ظلّ المناخ الاستثماري الايجابي؟
يمكن القول أن المشهد العام للبنوك تغيب عنه المنافسة بين مؤسسات المنظومة المصرفية، من خلال وجود سيطرة واضحة للبنوك العمومية بالنظر إلى حجم تواجد البنوك الخاصة الناشطة الأقل انتشارا، وفي ظلّ هذه السيطرة العمومية توجد حماية واضحة للسوق المصرفية الجزائرية، ومازالت المؤسسات العمومية المالية لم تفتح رأسمالها للخواص، وهذا ما لا يسرع حسب التوقعات، بتبني الآليات الجديدة للتسيير، هذا من جهة ومن جهة أخرى الشركات العالمية تتفادى خطاب معدلات الأرباح في البلدان الصناعية وتبحث عن يد عاملة وأسواق رخيصة، ومن جانب آخر للتملص من الضغوط التي يمارسها المحافظين عن البيئة، وإعادة انتشار الصناعة العالمية وهذا ما يعزز استقطابها للاستثمار.
القدرة التنافسية ..مفتاح الأسواق
ما هي الحظوظ القائمة للتصدير في السنة الجديدة الجارية بعد تأهب المؤسسات الاقتصادية للتموقع في الأسواق الإفريقية؟
مما هو متعارف عليه أن التصدير الاقتصادي لا يتعامل فيه بالعواطف، وإنما يخضع للواقع البحت، وأي دولة أو مؤسسة تتطلع للتصدير، يجب أن تتمتع بالقدرة التنافسية التي تعدّ مفتاح الأسواق، ولن يتوفر ذلك إلا من خلال وجود عوامل محددة، تنحصر في جودة المنتوج والتكلفة المنخفضة وكذا الخدمات المرافقة للمنتوج المسوّق، أي القدرة على الضمان المستمر للمنتوج، وأي دولة ومؤسسة قادرة على توفير الجودة وتقدم خدمات تجد رواجا لمنتوجها عبر الأسواق.
ما هو تصّوركم لمعالم سوق المحروقات والسقف الذي سوف تستقر عليه أسعار برميل النفط، في ظلّ الاتفاق التاريخي، الذي تبنته دول منظمة «أوبك» وكانت أرضيته قد هيئت في لقاء الجزائر؟
يعدّ الاتفاق التاريخي لدول «أوبك» بالفعل جيد، لكنه يثير العديد من الإشكاليات، أبرزها مدى التزام الدول العضوة في منظمة «أوبك» ومن خارجها بتعهداتها واحترامها لمواقفها التي اتفقت عليها، لكن كل ذلك لا يمنع من وجود العديد من التحديات، التي لا ينبغي أن يغفل عليها ويتعلّق الأمر بالوضع السياسي في العراق وليبيا ونيجيريا، ويضاف إلى كل ذلك طبيعة السياسة الطاقوية الجديدة التي تعتمدها الولايات المتحدة الأمريكية، بينما المتغير الآخر يتمثل في أن ظهور أمريكا في السوق النفطية كمنتج وبائع، من شأنه أن يؤثر كثيرا على السوق ويقلب التوقعات، لكن إذا افترضنا أن الأمور بقيت على حالها ويتحقّق الالتزام، وأن السياسة الطاقوية الأمريكية لم تعرف تغيرا كبيرا، ومن جانب آخر معدلات النمو الاقتصادي تحسنت أو استمرت على حالها، يرشح أن يتراوح معدل أسعار البترول ما بين 60 و70 دولارا، غير أنه إذا لم تكن الأمور كذلك، لاشك أن الأسعار لن تتماسك بهذا المستوى وتكون أقل من ذلك.
الدكتور عبد المجيد قدي:
السياسات الاقتصادية المحفزة للإستثمار وحدها تكفل ديمومة النمو
حاورته: فضيلة بودريش
شوهد:894 مرة