شكل اجتماع الجزائر لدول أوبك نقطة تحول حاسمة في مواقف الدول الأكثر إنتاجا، وتدفقا للعرض النفطي في سوق المحروقات، واستطاع بعد 8 سنوات من إحداث تقاطع تاريخي وتكريس توافق كان يبدو شبه مستحيل، حول ضرورة التعجيل بتصحيح معادلة الأسعار، من خلال تثبيت الإنتاج لامتصاص تخمة الأسواق. وبخلاف التوقعات المتشائمة، ضربت الجزائر بقوة، من خلال مساعيها المكثفة وبتوظيف ثقلها الدبلوماسي وعلاقاتها السياسية الجيدة مع جميع الأطراف، لتصنع المفاجأة من خلال تتويج لقاء تشاوري غير رسمي بقرار تاريخي ومصيري جريء، من شأنه أن يساهم في إزالة الاختلالات وإعادة الاستقرار لأسواق النفط التي عرفت اضطرابا عصف باقتصاديات العديد من الدول، بعد أن تراجعت الأسعار إلى أكثر من النصف..بل وجاءت نتائج لقاء الجزائر كأرضية صلبة وورقة قوية سوف تطرح للتنفيذ، في مؤتمر فيينا شهر نوفمبر المقبل، فهل سيتم الالتزام بنظام الحصص العادل الذي ستحدده اللجنة التقنية المشكلة من الخبراء؟
تمكنت الجزائر بخطواتها الثابتة وحنكتها الطويلة وخبرتها المتمرسة، في التفاوض المثمر وتقريب وجهة نظر الفرقاء، واضعة مصلحة منتجي النفط داخل منظمة «الأوبك» ضمن الأولويات، وبالنظر إلى سمعتها التي تتمتع بها، على اعتبار أنه ينظر إليها كشريك موثوق وينظر إليها كذلك بارتياح كبير وتحظى فوق كل ذلك باحترام جميع الأطراف، حتى بالنسبة للدول المنتجة للنفط خارج «أوبك»، ويمكن القول أن الجزائر رفعت التحدي ونجحت في إذابة جليد الخلافات وجمعت جميع الأطراف المتباعدة حول موقف واحد يخدم مصلحة الجميع، ورغم كل ما قيل قبل اللقاء بأسابيع أو أيام عن اجتماع الجزائر، المنعقد على هامش منتدى الطاقة الدولي، بأنه لقاء غير رسمي وذا طابع تشاوري ولا يمكنه اتخاذ أي قرار محسوس، من شأنه تصحيح معادلة السوق، فجر مفاجأة كبيرة للدول النفطية التي صارت تعاني منذ انهيار الأسعار على وجه الخصوص، وأثبت أنه مازال للنهج الدبلوماسي دوره في التأثير على السوق والحد من آثار تنامي الحفريات الأمريكية، خاصة الصخرية والتي تسببت طيلة موسم الصيف المنصرم في تذبذب الأسعار تارة، وتارة أخرى انتعاشها بنسب محدودة عندما يتقلص الاحتياطي الأمريكي، ولقاء الجزائر جاء ليثبت أنه مازال لمنظمة الأوبك الذي جاء الحديث باكرا عن إمكانية تعرضها للتصدع، كلمتها ووفاقها وثقلها على خلفية قفز سعر برميل البترول إلى نحو الـ 50 دولارا، وصار مرشحا لبلوغ سقف الـ 60 دولارا خلال الأشهر القليلة المقبلة، فما هي المكاسب التي بإمكان أعضاء هذه المنظمة النفطية تحقيقها في ظرف اقتصادي عالمي، لا يخلو من الصعوبة والتحديات، في ظل تراجع نمو الاقتصاد الصيني وكذا الدول الناشئة على غرار البرازيل والهند.
توّقع أسعار ما بين 60 و70 دولارا للبرميل
كان الخبراء قد وصفوا نتائج الاجتماع بالمؤشر الإيجابي، الذي يمهد للسير نحو تجاوز تداعيات أزمة أسعار النفط، وقال الخبير الاقتصادي عبد الرحمان مبتول أن القرارات يمكن وصفها بالايجابية، كون سعر برميل النفط سجل مباشرة بعد اتخاذ القرار ارتفاعا، ويعتقد الخبير مبتول أنه في حالة تحرك معدل النمو عام 2017 و 2020 بصفة قوية سوف يرتفع سعر البرميل إلى ما بين 60 و 70 دولارا مستبعدا وصول البترول إلى أكثر من 80 دولارا.
في حين الخبير الاقتصادي كمال رزيق، أوضح أن قرارات لقاء الجزائر يمكن وصفها بالجد جريئة، ولم يكن من المنتظر أن تتخذ في الجزائر و ذلك بفضل ثقل وقوة الدبلوماسية الجزائرية. بينما الخبير «كارين يونغ» أستاذ بجامعة العلوم الاقتصادية والسياسية بـ «لندن»، أكد أن اتفاق الجزائر جاء مفاجأة للأسواق، متوقعا في سياق متصل أن الاجتماع الرسمي المرتقب انعقاده شهر نوفمبر، سيكون حاسما بالنسبة للبلدان المنتجة للنفط. علما أن الخبير أشار إلى أنه حتى وإن كان هناك أثر إيجابي فوري على الأسعار، فإن أعضاء الأوبك أمامهم شهران لاستكمال الاتفاق، على اعتبار أن الاتفاق مازال لم يوقع. كانت أسعار برميل النفط قد قفزت بنحو 6 بالمائة، حسب ما نقلته وأوردته الوكالات العالمية بعد الإعلان عن هذا الاتفاق المصيري الهام.
إذا اتفقت الدول الأعضاء في أوبك على تخفيض إنتاج النفط بنحو 750 ألف برميل يوميا وتثبيت مستويات الإنتاج ما بين 32.5 و33 مليون برميل يوميا، حيث ينتظر أن يطبق هذا القرار التاريخي خلال اجتماع فيينا، شهر نوفمبر المقبل.
بعد النتائج الإيجابية والأولى من نوعها المحققة بعد 8 سنوات، يرتقب أن يساهم اتفاق الجزائر الاستثنائي والجريء، في تقليص مستوى الإنتاج، مما سينعكس على الأسعار بشكل إيجابي، حيث يتوقع أن يرتفع من 7 إلى 10 دولارا، خلال النصف الأول من عام 2017، حسب توقعات استشرافية قدمها بنك غولدمان ساكس.
التطبيق الصارم للاتفاق ينعش الأسعار
تضمنت تحليلات خبراء غولدمان ساكس عدة نقاط نذكر أبرزها والمتمثلة في التطبيق الصارم لاتفاق منظمة الدول المصدرة للنفط أوبك في 2017 ، والذي من المنتظر أن يفضي بشكل تلقائي إلى تراجع في حجم الإنتاج، أي ما بين 480 و980 ألف برميل يوميا، وهذا من شأنه أن ينعش الأسعار. دفعت كل هذه المستجدات بالمختصين والمتتبعين للشأن الطاقوي بتأكيد توقعاتهم التي مازالت ثابتة فيما يتعلق بسعر النفط إلى غاية نهاية عام 2016 وإلى غاية عام 2017 ، وتشير ذات التوقعات إلى إمكانية استقرار الخام الأمريكي غرب تكساس الوسيط عند مستوى 43 دولارا للبرميل مع نهاية العام الجاري وفي حدود 53 دولارا في 2017.
الجدير بالإشارة، فإن احتضان الجزائر لنظرائها في «الاوبك» كان في حجم التحدي، بعد أن تجسد ما لم يكن متوقعا وبدا تحقيقه جد صعب، بفضل التوصل إلى تثبيت سقف الإنتاج، عند مستوى 32 مليونا و500 ألف برميل يوميا، علما أن الاتفاق تمكن في وقت قياسي من رفع قيمة أسهم شركات الطاقة ببورصة «وول ستريت» ومرشح إلى تحقيق المزيد من المكاسب مع اقتراب اجتماع فيينا القادم، من خلال وقف المضاربة والضغط بقوة لإحداث التوازنات المطلوبة من طرف الدول المنتجة داخل السوق النفطية التي طالت اضطراباتها وتأثيراتها على الدول المنتجة.
يذكر أن لجنة الخبراء المنبثقة عن لقاء الجزائر تعكف على توزيع حصة كل بلد بهدف امتصاص التخمة والفائض الذي شكل عائقا حول توازن الأسعار، ويرشح أن تواصل الجزائر بذل جهودها ومساعيها الدبلوماسية في مؤتمر فيينا حتى تقول «الأوبك» كلمتها الموحدة من موقع قوة وتعود بثقلها إلى السوق النفطية تشارك في رسم ملامح استقرار السوق. يبقى الالتزام بالنسبة لكل دولة هو الضامن والظاهر أن جميع الأطراف التي شاركت في الاجتماع التزمت حقيقة وبشكل رسمي.