من المبكر وضع تقييم لمسار القرض السندي ذي الطابع الاقتصادي الموجه لإنعاش النمو بعد شهر من إطلاقه في 17 أفريل الماضي، وينبغي انتظار مدة 6 أشهر المحددة لعمر العملية للقيام برصد تقييم شامل من كافة الجوانب انطلاقا من حجم السيولة المالية المحصلة إلى تحديد القطاعات والمشاريع المرشحة للتمويل مرورا بتشخيص إجراءات ومسارات الاكتتاب.
غير أن لقاء بهذا الخصوص يزمع تنظيمه قريبا بحضور كافة الشركاء الفاعلين تتقدمهم البنوك وشركات التأمين العمومية التي انخرطت بحجم كبير في عملية الاكتتاب المتواصلة في انتظار أن ترفع منظمات أرباب العمل من وتيرة مساهمة أعضائها في العملية التي تعود بنتائج ايجابية مباشرة على المؤسسات الجزائرية في مواجهة تداعيات الصدمة الملاية الخارجية الناجمة عن انهيار أسعار المحروقات.
وضاعفت وزارة المالية من نشاطها تجاه الحقل الاقتصادي عن طريق انتشار القائمين عليها لترويج القرض السندي وشرح أبعاده الاقتصادية والتنموية باعتباره آلية للاستدانة الداخلية التي تقلّل من هاجس الاستدانة الخارجية التي تترصد الاقتصاد الوطني في مرحلة مفصلية تتطلب تجنيد كافة الموارد وحشد كل الطاقات الوطنية لرفع تحديات التحول الاقتصادي نحو إرساء اقتصاد متنوع وإنتاجي يعتمد على القيمة المضافة وإنشاء الثروة خارج المحروقات.
ومن أجل تنمية جاذبية القرض بدأت البنوك وشركات التأمين في إدماج وكالاتها عبر التراب الوطني إلى جانب مراكز البريد لتسويق سندات القرض التي يجمع الخبراء على أنها آلية مالية جديرة بالاهتمام من المتعاملين وأصحاب الموارد المالية النائمة لتنمية مدخراتهم، خاصة وأن معدل نسبة الفائدة يتناسب مع معدل نسبة التضخم إذ تقدر بـ 5 بالمائة للسندات ذات أجل بـ3 سنوات و5,75 بالمائة لقروض بأجل 5 سنوات وهي نسبة أفضل من النسب المتعامل بها في البنوك والمقدرة حاليا بين 1,75 و2 بالمائة.
بدائل لتجاوز جدل الفائدة
في خضم عملية القرض السندي الذي تضمنه الخزينة العمومية برزت مسألة أحدثت ترددا لدى البعض واخرج النقاش من الدائرة الاقتصادية إلى مجالات أخرى على ما فيها من موضوعية، مما أدى في نهاية المطاف إلى رصد عجز في تشكيلة المنتجات المالية التي تسوقها المنظومة البنكية وتعلق أساسا بالمنتجات المصنفة ذات طابع إسلامي أي قروض واستدانة بدون فائدة.
وكان بالإمكان تفادي الغرق في هذا الجدل المستنزف للوقت والمضيع للفرص لو اشتغلت الدوائر المعنية بالتعاون والتنسيق، خاصة على مستوى وزارتي المالية والشؤون الدينية بإشراك الخبراء من مختلف المدارس من اجل بلورة تصور جامع يمنح الفرصة لأكبر عدد من المكتتبين، بحيث يجد كل اتجاه مساره المالي المناسب فيساهم الجميع في تنمية الادخار الوطني لمواجهة أزمة السيولة وحماية البلاد من عودة شبح الاستدانة الخارجية التي سوف تلقي بظلالها وتفرض واقعها في المدى المتوسط، إذا لم تبادر كافة القوى الاقتصادية والمالية الوطنية من المواطن الميسور الحال إلى المؤسسات مرورا برجال المال والأعمال المدركين للرهانات وثقل التحديات المستقبلية بالمشاركة في مسار إخراج الاقتصاد الوطني من دوامة الصدمة المالية الخارجية.
ولرفع أي لبس وتدارك الموقف بوضع كل فئات المكتتبين في أريحية من أمرهم تجاه الشق المتعلق بالفائدة لهذا القرض المصيري فقد تبين أنه يمكن للمكتتب أن يتنازل عن نسبة الفائدة وعدم احتسابها مما يضع المطالبين بذلك أمام مسؤولياتهم الوطنية في المشاركة في حماية القدرة المالية للبلاد، كما شرعت بنوك عدّة في إطلاق منتجات بنكية بدون فائدة من أجل تمكين كافة أبناء الوطن من وضع أيديهم في مشروع بناء الجدار الاقتصادي الوطني بدءا بتأمين القدرات المالية، علما أن الكثير من الدول الأوروبية خاصة سبق لها وأن رسمت التعامل مع المنتجات المالية الإسلامية، بحيث ما يهم في الجوهر إدخال السيولة المالية إلى البنوك التي أصبحت في وضعنا الرهان الجبهة الأولى في مواجهة متطلبات حماية التوازنات المالية.
تحدي النمو ضمانة لديمومة التنمية
وبالفعل، فإن البنوك من خلال هذا القرض سوف تستعيد أنفاسها كطرف معني بالاستثمار والمشاركة في انجاز مسار النمو. ولذلك فإن البنوك في ظلّ هذه الوضعية المتسمة بالصعوبة مطالبة بأن تكون أكبر من مجرد خزائن لاكتناز السيولة المالية وتسييرها طرق تقليدية تجازها الزمن، بحيث يمكنها اليوم وهذا أمر ضروري بأن تتحوّل إلى متعامل استثماري وشريك في تجسيد مشاريع ضخمة ذات صلة بالبرنامج الوطني للتنمية.
وفي هذا الإطار، فإن القرض السندي يكتسي طابعا اقتصاديا من خلال توجيهه بشكل مباشر وإلزامي لتمويل الجهاز الإنتاجي والاستثمارات الوطنية واضحة المعالم ودقيقة المؤشرات، الأمر الذي يتطلب بالموازاة العمل على رصد الاستثمارات المعنية وتحددي المشاريع المؤهلة لذلك بحيث من المفيد أن يعلم المكتتب إلى أين تتجه تلك الموارد المدخرة مما يعزز جانب الثقة.
ومن المهم أن لا تؤول المدخرات المحصلة إلى خزائن مقفلة، أنما تصبّ مباشرة وفقا لمخططات تمويلية واضحة وصارمة في مشاريع إنتاجية في مختلف القطاعات المؤهلة التي تظهر مؤشرات للنمو والتنافسية تخضع لإدارة شفافة وصارمة تمنع أي خلل أو انحراف محتمل.
في انتظار القطاع الخاص الوطني
ويعتبر القرض السندي منعرجا حاسما أمام القطاع الخاص الوطني من حيث تحديد ارتباطه بمصير الاقتصاد الوطني الذي وفّر للمؤسسة الخاصة على مختلف المراحل مساحة واسعة للنمو والنجاح بما في ذلك تأسيس ثروات مالية حان الوقت لأن يعود جانبا منها على الأقل إلى الدورة الاقتصادية بالمساهمة في تنمية الادخار الوطني، كما أنه فرصة لتأكيد روح المواطنة للمؤسسة الخاصة التي تستفيد اليوم من مناخ ايجابي يرتكز على منظومة للدعم والتحفيز في أكثر من جانب.
وسبق لرئيس المنتدى المشكل من أعضاء يتميزون بقدرات مالية هائلة أن أعلن عشية إطلاق القرض السندي الاقتصادي عن وجود «إرادة قوية» لدى رؤساء المؤسسات للمشاركة في عملية الاكتتاب من خلال تحسين وتيرة الإقبال على السندات المختلفة، خاصة المعدة لكبار المدّخرين خاصة وأن عائدات الادخار تعود بالمنفعة على المؤسسة الجزائرية المنتجة.
وفيما يرتقب دخول مختلف أعضاء منظمات «الباترونا» الآخرين في المعركة ينبغي التذكير بمدى المكاسب التي حقّقها القطاع الخاص الوطني على امتداد عشريات طويلة إلى اليوم سواء بالنسبة لتمويل الاستثمارات وتوفير للعقار الصناعي أو أفضلية السوق بدعم الدولة للإنتاج الجزائري والتحفيزات المخصصة للتصدير.
الحذر من اخطبوط المديونية الخارجية
ويدرك أصحاب المؤسسات الجزائرية قبل السلطات العمومية مدى الخطورة التي تنجم عن تعثر القرض السندي بحيث ينبغي أن يلعب الشركاء الكبار كامل الدور في تجسيد الأهداف المسطرة عن طريق تحويل الادخار إلى استثمار.
وفي انتظار ذلك يلوح مجددا هاجس الاستدانة الخارجية التي تخلصت منها البلاد في مرحلة سابقة بفضل القرار الشجاع والتبصر للرئيس بوتفليقة بالتسديد المسبق للمديونية التي كانت تكبّل البلاد برمتها إلى درجة رهنت فيها السيادة الوطنية خاصة خلال التسعينات.
وسوف تكون المؤسسة الاقتصادية بغض النظر عن طابعها القانوني عمومية أو خاصة أول الضحايا لسيناريو التمويل الخارجي الذي يتطلب التزام الحذر والحيطة في التعامل معها بحيث ينبغي أن يكون التعاطي مع هذا الخيار في حالة الضرورة باعتماد عنصر النجاعة وذلك باللجوء إلى استدانة ضمن شراكة تقوم على مشاريع إنتاجية تتطابق مع ورقة الطريق المفتوحة على التصدير خارج المحروقات والذكاء في استعمال عقود الامتياز بمعايير طول الآجال وضعف الفائدة، علما أن الخبراء يشيرون إلى وجود فرص قابلة للدراسة، يمكن للقطاع الخاص الوطني أن يهتم بها أيضا ضمن توجه اقتصادي مندمج يرتكز على رؤية إستراتيجية في قطاعات جذابة مثل الطاقات المتجدّدة والفلاحة الصناعية والسياحة المستدامة.
وأمام هذا المنعرج الذي يعني جميع الشركاء فأنهم مطالبين تحت تأثير الظرف الراهن والمصيري بالتزام خط سير متوازن وثابت يقوم على التكامل والمبادرة مع إخضاع كل الخيارات والقرارات لمقاييس النجاعة ومن ثمّة التمييز بين التمويل التضامني والتمويل الاستثماري للمشاريع الإنتاجية مثلما يرمي إليه القرض السندي الذي يحمل في نهاية المطاف موارد تضخ في الحقل الاستثماري الإنتاجي.
وفي هذا الإطار، فإن المؤشرات الخاصة بالتشغيل في مختلف القطاعات مشجعة للمؤسسات على غرار الفلاحة التي توفر حسب ما أعلنه وزير العمل محمد الغازي في منتدى «الشعب» الأسبوع الماضي 800 ألف فرصة عمل وقطاع الأشغال العمومية والبناء والري تطرح حوالي 500 ألف فرصة عمل، ناهيك عن سوق السياحة ذات الجاذبية خاصة في الظرف الراهن المتميز بانهيار وجهات بفعل غياب الأمن وازدهار وجهات أخرى يمكن للسوق السياحية في الجزائر.