باستطاعة الجزائر تصدير الخضروات المبكرة والقمح بفعالية

إمكانية مسـاهمة الفلاحة بنسبة 60٪ في النمو الاقتصادي

فضيلة/ب

الحفـــاظ على العقار الفلاحي يجب أن يـدرج ضمــن الأولويـــات

دعا الخبير والمهندس الفلاحي، بشير كاديك، إلى إرساء سياسة ناجعة تتسم بروح المسؤولية لدى القائمين والناشطين في القطاع الفلاحي، الذي يرى أن لديه القدرات ليساهم في التنمية الاقتصادية بنسبة تتراوح ما بين 60 و70 بالمائة، مشترطا الحفاظ على العقار الفلاحي من التآكل، وعول كثيرا على منتجات القمح والخضروات المبكرة في اقتحام مجال التصدير على مستوى الأسواق الخارجية وجلب العملة الصعبة، واعتبر في سياق متصل أنه حان الوقت من أجل تغيير نمط تسيير الإنتاج الزراعي والسير نحو الاهتمام بالموارد البشرية التي يعتقد أنها في حاجة ماسة إلى تأهيل وتكوين.
عكف الخبير بشير كاديك بشكل مستفيض، على تحديد العوامل التي تسببت في تراجع الأداء الفلاحي بعين الأكاديمي وخبرة المتمرس على أرض الواقع، ومن خلال البحوث الطويلة التي سهر عليها تحليلها في مخبره العلمي، وتحدث بشكل مطول وصريح عن مدى توفر المواصفات المطلوبة في المنتوج الفلاحي الوطني من أجل ضخه في الأسواق الدولية، كون وفرة الكم لا تعني بالضرورة أنه يمكننا التصدير، وأجاب عن إشكالية ..هل يمكن للجزائر أن تعتمد على مواد زراعية معينة للتصدير خارج قطاع المحروقات؟.. في البداية ركز الخبير والمهندس كاديك على الشق التاريخي الذي بدأ به تحليله وأجوبته عن الانشغالات المطروحة، فأوضح أن الجزائر التي استعمرت طيلة حقبة زمنية معتبرة تأثرت كثيرا، ولأنه من الطبيعي أن يقوم المستعمر الفرنسي بتوجيه هذا القطاع حسب رغبته وتخطيطه، لذا كان الاهتمام موجه أنذاك لإنتاج مواد معينة، مثل الكروم والقمح والحمضيات، التي كانت تسوق نحو فرنسا وأوروبا، وتم استغلال الأراضي التي اتسمت بتنوع مناخي ثري، يتصدره مناخ الولايات الساحلية، المعروف برطوبته وحرارته النسبية، هذا ما سمح بإنتاج بعض المحاصيل، مثل منتوج «البطاطا» المبكرة التي تنتشر في منطقة السواحل، وتنضج في شهر جانفي وتسوق بأوروبا في موسم الشتاء والطقس البارد الذي يقل فيه جني الخضروات، لكن يجب الإشارة إلى أن العديد من الأراضي في المنطقة الشمالية طالها الاسمنت واستولى على مساحات شاسعة مثل سهل متيجة الذي كان يشتهر بالكروم والأشجار المثمرة، وما يميز الجزائر فلاحيا أن كل منطقة بها تختص في منتوج معين، فمثلا إنتاج القمح والشعير، منذ عهد الرومان اشتهرت الجزائر بأنها تحوز على أجود وأحسن البذور على الإطلاق في منطقة البحر الأبيض المتوسط، بل كان يصدر بكميات كبيرة نحو إيطاليا للصناعة الغذائية بما فيها العجائن، وحتى الأتراك استفادوا في فترة تواجدهم من جني محاصيل القمح وغابات الفلين الذي كان يلعب دورا اقتصاديا بارزا.

 ضرورة العودة إلى بذور القمح الجزائرية لأنها الأجود

ويمكن الوقوف على حرص المعمر في انتقاء أجود أنواع القمح الجزائري من مختلف مناطق الوطن، وإدخاله المخبر بمعهد العلوم الفلاحية بالحراش، فكل مناخ لديه نوعية تتأقلم معه، حتى في منطقة تمنراست ذكر المهندس أنهم عثروا على نوعية من القمح نادرة وحرصوا على الحفاظ عليها من خلال إبرام عقد مع الفلاح عندما كان كاديك مديرا، حتى يحافظ هذا الأخير على نشاطه وبذوره، وحتى بالنسبة للجمال توجد على الأقل 10 أنواع من فصيلة الجمال التي تعد ثروة حيوانية عبر صحرائنا على امتداد منطقة النيجر، ولأن هذا التنوع البيولوجي جد مهم، في ظل توفر الجزائر على مناخات عديدة فمن 1000 ملمم من الأمطار تسجل بولاية جيجل إلى غاية صفر ملم بأقصى مناطق الجنوب.  
وعلى صعيد تحديات هذا القطاع الحيوي، صنف الخبير التكوين وتأهيل الموارد البشرية ضمن الضروريات التي يجب أن تكون ذات أولوية، وأبدى تأسفا كون الإطارات في هذا المجال واليد العاملة بصفة عامة، تحتاج إلى تكوين ومرافقة، ودعا في سياق متصل إلى الحفاظ على أنواع بذور القمح الجزائرية من الاندثار والزوال، ونذكر منها ما يطلق عليه بتسمية «واد زناتي» و»هدبة» و»بسكري» و»محمد بلبشير» وما إلى غير ذلك، إلى جانب السهر على مستوى مخابرنا على تطوير أنواع القمح، علما أن «الثورة الخضراء» التي ابتكرها «بارلوف» ركزت على جلب أحسن البذور خاصة من المكسيك، حيث قام الباحث «بارلفوف» بسبب المجاعة التي عصفت بعدة بلدان من العالم عام 1968 من بينها الصين والهند وبلدان إفريقية، عندما تغير المناخ واثر كثيرا على المحاصيل، بالخروج إلى الميدان وأحضر أحسن البذور، والجزائر كذلك أحضرت أنواعا من البذور، مكسيكية الأصل وعدة أنواع أجنبية، لكن يجب العودة في الوقت الراهن إلى الأنواع الجزائرية، لأنها جيدة وتلاءم المناخ والتربة، ففي كل منطقة من الوطن يمكن الوقوف على 10 أنواع من بذور القمح والشعير ونحتاج إلى مراكز للبحث الفلاحي تختص وتركز على محاصيل القمح والشعير حتى نكبح استيراد المادتين الغذائيتين الحيويتين، من خلال العودة إلى  استغلال المناطق السهبية.
إرساء سياسة ناجعة تتسم بروح المسؤولية
 ولا أخفي أن الجزائر تتوفر على إمكانيات كبيرة لزراعة القمح وكذا الشعير الذي يوجه لإنتاج علف الحيوانات بنوعية جيدة، لكن يشترط تغيير نمط تسيير الإنتاج الزراعي، فمثلا في الولايات المتحدة الأمريكية يملكون بنكا للبذور في «فلوريدا» لكل من بذور البطاطا والتمور والحمضيات ولقد قمت بزيارته، بينما نحن لدينا مزايا يجب استغلالها والاستفادة منها مثل الخضروات المبكرة، ونستطيع اقتحام الأسواق بهذه المنتجات المبكرة، وقبل ذلك يجب أن ندرس تربة الأراضي الفلاحية ومناخها، ثم نوزع المحاصيل حسب الاحتياجات. وأثار المهندس بشير كاديك مسألة القدرات التي يتمتع بها القطاع الفلاحي وكيفية استغلالها بالشكل الصحيح، والنسبة التي يمكن أن يساهم بها في مجال التنمية الاقتصادية، حيث اغتنم الفرصة لينتقد توجه استيراد منتوجي القمح والشعير، في ظل امتلاك الجزائر لما لا يقل عن 4 ملايين هكتار من الأراضي الفلاحية، مشددا على ضرورة استغلالها بشكل جيد ومدروس ومنظم، مع وجود إمكانية تطوير تربية المواشي وصناعة الأعلاف، ولن يتحقق ذلك حسب تقديره، إلا عن طريق تقسيم الأدوار على كل من لديه إمكانية العطاء لهذا القطاع الاستراتيجي، والاستفادة من أداء وأبحاث كل من سبقنا، وعدم القطيعة حتى نحافظ على الاستمرارية ولا نضطر للعود إلى الصفر. ويتطلع الخبير إلى إرساء سياسة ناجعة تتسم بروح المسؤولية لدى القائمين والناشطين في القطاع الفلاحي الذي لديه القدرات ليساهم في التنمية الاقتصادية، بنسبة تتراوح ما بين 60 و70 بالمائة، لكن شريطة الحفاظ على العقار الفلاحي، ويمكن أن يعول على القمح في عملية التصدير وجلب العملة الصعبة إلى جانب منتوج الخضروات المبكرة.

 

 

 

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19792

العدد 19792

الإثنين 09 جوان 2025
العدد 19791

العدد 19791

الخميس 05 جوان 2025
العدد 19790

العدد 19790

الأربعاء 04 جوان 2025
العدد 19789

العدد 19789

الثلاثاء 03 جوان 2025