تشكل القمة الثلاثية التي تقرّر عقدها مطلع شهر جوان المقبل، موعدا جديدا للبتّ في الخيارات الاقتصادية والاجتماعية، وإثراء البرامج والمخططات المسطرة بشكل يعجّل بنجاعة المنظومة الاقتصادية، بعيدا عن الاختلالات والنقائص، ومن الملفات التي تأكد مبدئيا طرحها، وتبني نموذج اقتصادي جديد ينهي التبعية النفطية وملف التقاعد، يضاف إليها الوقوف بتشريح دقيق ونظرة معمقة على سير ومدى تطبيق التوصيات وتجسيد الملفات المتفق عليها على طاولة القمم الثلاثية المنعقدة في ولاية بسكرة، خاصة العقد الوطني الاقتصادي والاجتماعي للنمو، الذي يعوّل عليه في امتصاص البيروقراطية وتسريع وتيرة نمو أداء الآلة الإنتاجية، التي تواجه حتمية الانخراط السريع والفعّال في خلق الثروة والمساهمة الحقيقية في تدفق القيمة المضافة، وتعزيز المداخيل الوطنية خارج قطاع المحروقات، وإن كان ملف مشروع قانون العمل لم يتم الحسم بعد في إمكانية إدراجه رغم أنه استغرق سنوات عديدة من النقاش والدراسة، لكن توجد عدة أطراف ترشح طرحه بعد إرجائه عدة مرات كونه شبه جاهز.
لعلّ نحو عشرة أسابيع كاملة على ما يبدو، مازالت تفصلنا عن اللقاء الثلاثي التقليدي الذي يجمع الحكومة بشركائها الاقتصاديين والاجتماعيين مطلع شهر جوان القادم، بحضور خبراء مختصين بهدف تعميق الحوار وتفعيل التشاور حول القضايا الاقتصادية والاجتماعية الراهنة والتي تتطلّب، مساهمة جميع الفاعلين حتى يتسنى التقدم بخطى ثابتة نحو تجاوز الظرف الراهن الذي يتّسم بالصعوبة ولا يخلو من التحديات، وخلال هذه القمة الثلاثية التي يترقبها عالم الشغل باهتمام بالغ، عقب الإعلان عن النية القائمة في مراجعة نظام التقاعد الحالي الذي ترى فيه العديد من النقابات على المستوى الوطني أنه يتضمن مكاسب عديدة للطبقة الشغيلة، ويتخوّف من فقدانها، من جهتهم المتعاملين الاقتصاديين والمستثمرين على حدّ سواء ينتظرون بفارغ الصبر الكشف عن النموذج الاقتصادي الجديد، الذي تمّ تحديد شهر أفريل موعدا للإعلان عنه، ودون شك شركاء الثلاثية في قمة جوان، سيقومون بإثرائه وتزكيته ليدخل حيز التجسيد والسريان في أقرب وقت للتحرر من تداعيات اضطراب سعر برميل النفط في الأسواق العالمية، علما أنه خلال هذه الفترة، سيكون العقار الصناعي قد تمت تهيئته كما سطر وجاهز للاستغلال، فضلا عن مشروع قانون الاستثمار الذي ستمكن مناقشته والمصادقة عليه، من إضفاء المزيد من جهود وعوامل تحسين مناخ الأعمال.
فدرالية المتقاعدين: لم ندعو إلى إلغاء نظام التقاعد بل إيجاد حلول للتوازن المالي
قال اسماعيل بوكريس الأمين العام لفدرالية المتقاعدين بالمركزية النقابية، أنهم لم يقترحوا إلغاء أي صيغة من نظام التقاعد الساري في الوقت الحالي، بل دعوا إلى التعجيل بإرساء حلول عدم التوازن للموارد المالية في صندوق التقاعد، وعلى اعتبار أن نظام التقاعد الحالي يحمل الكثير من الامتيازات للعمال والموظفين، أوضح بوكريس أنه في ظل تهافت العديد من العمال والعاملات، لإيداع ملفات التقاعد بعد ترويج سلسلة من الإشاعات خلال الأشهر القليلة الفارطة، مفادها أن منحة الإحالة على التقاعد ستلغى إلى جانب إلغاء نظام التقاعد النسبي، بالإضافة إلى صيغة التقاعد دون شرط السن، هذا ما أربك العمال، حيث شهد عالم الشغل تهافت على التوجه نحو التقاعد، ولم يخف ممثل فدرالية المتقاعدين أنه منذ عام 2010، سجّل ازدحام في طلبات التقاعد، أما خلال الأشهر القليلة الفارطة عادت الظاهرة وتفشت بشكل قوي بعد الإشاعات العديدة التي روّج لها وسط عالم الشغل، رغم نفي صريح صدر عن الجهات المعنية، وهذا بدوره ما خلق مشكلة مالية، حيث صارت النفقات أكبر من المداخيل، والفدرالية تحرص بدورها على الدفاع عن المكاسب المتمثلة في مزايا نظام التقاعد الحالي وتنقل كل هذه الانشغالات إلى قيادة الاتحاد العام للعمال الجزائريين، وذكر في سياق متصل أنه إلى حد اليوم، لا يوجد أي قرار يرمي إلى وقف منحة الإحالة على التقاعد، ولا وجود لأي تغيير في المرحلة الراهنة. وأبدى اهتماما كبيرا بإمكانية إيجاد حلول لإصلاح منظومة التقاعد وتجنيبها أزمة سيولة، دون التفريط بالامتيازات الحالية، بالنظر إلى أنه ما لا يقل عن 700 ألف عامل وموظف استفادوا من التقاعد النسبي ودون شرط السن من مجموع 2.8 مليون متقاعد على المستوى الوطني منذ عام 1997، هذا ما أثر على حدّ تقديره على موارد الصندوق الوطني للتقاعد. ودعا إلى أهمية الحفاظ وحماية موارد صندوق التقاعد في القريب العاجل. علما أنه توجد لجنة تعكف على دراسة قانون التقاعد على مستوى المركزية النقابية، وكان قيادي من دار «الشعب» أكد فيما سبق لـ»الشعب الاقتصادي» أن إمكانية إلغاء التقاعد النسبي واردة لكن التقاعد دون شرط السن سيبقى عليه، حيث سوف يسمح للعمال الذين تجاوز سنهم الـ50 عاما بالتوجه نحو التقاعد، وأي تعديل للقانون موجه لفئة الشباب الحالي، ولعلّ ما يؤكد هذا الطرح، تأكيدات الوزير الأول عبد المالك سلال خلال القمة الثلاثية المنعقدة بولاية بسكرة منتصف شهر أكتوبر الماضي، والذي كشف عن تعذّر الابقاء على نظام التقاعد النسبي، حيث صرّح «أنه لا يمكن أن يستفيد من التقاعد، العامل الذي يبلغ من العمر 48 عاما، كونه مازال في قمة عطائه وقادرا على العمل ويضاف إلى كل ذلك عدم مشاركته في صندوق التقاعد بالقدر الكافي..». أما فيما يتعلق بنسبة الزيادة والتثمين السنوية للمتقاعدين، أفاد بوكريس أنه ما زال لم يتفق على حجمها ويرى أنها ليست مرتبطة بالوضعية المالية كون القانون رقم 38/12 ينص عليها. واغتنم ممثل فدرالية المتقاعدين الفرصة ليدعو إلى تخفيف الضريبة على المعاش على اعتبار أن دخل المتقاعد أضعف من دخل العامل النشيط.
تعميق توجه بناء اقتصاد إنتاجي
يأتي إعلان الوزير الأول عبد المالك سلال منذ أيام قليلة عن عقد قمة ثلاثية يركز فيها على ملف اقتصادي جوهري يتمثل في نموذج اقتصادي جديد الذي سيكشف عنه شهر أفريل الداخل، كإشارة وبمثابة الضوء الأخضر لاستعداد أرباب العمل للمساهمة بفعالية لإنجاح هذا الخيار الذي سيفتح نحو جميع الفاعلين نحو الإثراء والتوافق على خطة تجسيده على أرض الواقع في الفترة الممتدة من 2016 إلى غاية آفاق 2019، علما أنه يحظى في الوقت الحالي بالدراسة والإعداد. والتزم الوزير الأول كذلك بأن تتوّج قمة جوان الثلاثية بقرارات سوف تصبّ حول ترقية الاقتصاد الوطني، مع المحافظة في نفس الوقت على المكاسب الاجتماعية الموجودة. إذا النموذج الاقتصادي الذي سيطرح من شأنه أن يعمّق توجه بناء اقتصادي إنتاجي الذي تمّ طرحه، وإعادة تأكيد الخيارات مثلا في الفلاحة يتم صياغة النموذج الفلاحي، حيث إن هذا القطاع الحيوي يجب أن ينخرط في الدينامكية الصناعية، باعتماد التكنولوجيات الحديثة في السقي لتجسيد الزراعة المكثفة، علما أن الصناعة يجب أن ترافق نمو هذا القطاع أي بكل ما يتعلق بالصناعة التحويلية، حتى تستوعب هذه الصناعة الفائض في الإنتاج، مثل البطاطا والطماطم والتمور على وجه الخصوص، من أجل التصدير أي إرساء سياسة مرافقة للتصدير مثل صناعة التوظيب والشحن، مع توفير أرضية معلوماتية تربط الجزائر بالأسواق الدولية، كون شروط المستهلك الأجنبي صارمة خاصة من حيث المعايير والجودة، وتعد فرصة أمام المؤسسات الصغيرة والمتوسطة للاندماج في هذا التحدي.
وبالنسبة للصناعة، فإن هذه الأخيرة يجب أن تنهض، أي رؤساء المؤسسات والمستثمرين ينبغي أن يكونوا على دراية بالأسواق، أي من منطلق الإصغاء للمستهلك وأخذ كل ذلك بعين الاعتبار في ظلّ الانفتاح على الأسواق الخارجية، ولأن المستهلك الجزائري ليس مرغما على استهلاك منتوج لا يطابق المعايير، وأمام كل ذلك لا يجب أن تضيع المؤسسات الإنتاجية سواء العمومية أو الخاصة، فرصة القرض الاستهلاكي المرهون باحترام الجودة وتنافسية الأسعار، وحتى لا يتحوّل القرض إلى منتوج تستفيد منه البنوك من خلال نسبة الفائدة المرتفعة، بحيث ينبغي أن تتدخل المؤسسة بإيجاد معادلة شفافة ومتوازنة مع البنوك قصد ضبط نسبة الفائدة ليستفيد الجميع.
عقد النمو مرآة عاكسة لتجسيد الالتزامات
أبدى العديد من مثلي منظمات أرباب العمل ونقابيين تفاجئهم بعقد قمة ثلاثية خلال شهر جوان المقبل، ورفضوا التعليق على هذا الموعد، بحجة أنه لم يتمّ إخطارهم بشكل رسمي، حتى يجتمع مجلس منظماتهم ويتفقوا على المقترحات والملفات التي سيعكف على معالجتها. ومن جهته بوعلام مراكش رئيس الكنفدرالية الجزائرية لأرباب العمل، اعتبر أن ما أعلن عنه الوزير الأول عبد المالك سلال مؤخرا، يعد نظرة جديدة تهدف إلى تجاوز التحديات والمشاكل الراهنة في المجال الاقتصادي، والتغلب على الصعوبات الاقتصادية، واصفا في سياق متصّل أن هذا اللقاء من شأنه أن يحرّك الوضعية الاقتصادية من خلال استغلال الإمكانيات، ويعكس إلى جانب كل ذلك وجود إرادة سياسية قوية. بينما عمار تاكجوت رئيس فدرالية عمال النسيج والجلود بالاتحاد العام للعمال الجزائريين، أكد أنهم لم يتلقوا أي معلومات رسمية بخصوص اجتماع ثلاثية جوان، لكنه لم يخف أن هناك لجنة قديمة مازالت تعمل على مشروع قانون العمل.
الجدير بالإشارة، فإن مشروع قانون العمل والذي كانت مواده موزعة وتتواجد في العديد من النصوص التشريعية، لأول مرة اتفق على تجميعها في نصّ واحد واستغرقت عملية الدراسة والصياغة عدة سنوات عكف فيها المختصون إلى جانب ممثلين عن الحكومة والشركاء الاجتماعيين والاقتصاديين على تحيين التشريع الوطني للعمل الذي يتشكل بما لا يقل عن 400 مادة قانونية، حيث يحرص أن تواكب المستجدات وينسجم مع التحولات التي شهدتها الجزائر سواء اقتصاديا أو اجتماعيا، ويتوافق كذلك مع التزامات الجزائر الدولية، وربما قد يدرج ملف قانون العمل ضمن أجندة الثلاثية المقبلة لتعبيد الطريق نحو التجند الكبير لإقلاع اقتصادي ومعركة تنموية حقيقية تتحرّر فيها الجزائر من التبعية النفطية، ودون شك فإن لقاء الثلاثية سيكون فرصة أخرى لتقييم مدى التزام كل طرف من الشركاء على تجسيد بنود العقد الوطني الاقتصادي والاجتماعي للنمو والذي من مهامه تسريع عجلة النمو وتحسين مناخ الأعمال ويتضمن في جوهره عوامل التشجيع على ترقية أداء المنظومة الاقتصادية.