تتجّه أنظار الشركاء في السوق العالمية للمحروقات إلى الاجتماع المزمع عقده قريبا (مصادر إعلامية مختلفة تشير إلى 20 مارس الجاري بموسكو) بين أعضاء منظمة البلدان المصدرة للبترول وكبار البلدان المنتجة من خارج «اوبيك» من أجل التوصل إلى تكريس اتفاق حول الحد من الإنتاج باعتماد السقف المسجل في شهر جانفي الماضي، وهو الاتفاق الذي توصلت إليه كل من العربية السعودية من أعضاء «اوبيك» وروسيا من خارجها، في لقاء جرى قبل أسابيع قليلة بالدوحة، حيث لقي ترحيبا من مختلف البلدان المعنية من بينها الجزائر التي كانت من السباقين لإطلاق ناقوس خطر انهيار الأسواق وبعث مسار الحوار بين المنتجين، كافة خاصة البلدان التي لديها قدرات هائلة قصد إيجاد أرضية توافق لاعتماد سعر عادل ومتوازن ضمن معادلة تستجيب لمصالح الشركاء.
وقد سجّل إنتاج بلدان اوبيك في جانفي 2016، سقف 32,3 مليون برميل في اليوم أي بزيادة تقدر بـ 131 ألف برميل / يوم، مقارنة بالرقم المسجل في ديسمبر 2015. وتبلغ حصة السعودية 10,093 مليون ب/ي مع عجز في الميزانية، قطر 655 ألف ب/ي، فنزويلا 2.32 مليون ب/ي. فيما سجّل إنتاج روسيا حصة إضافية بأكثر من 534 مليون طن لتبلغ 10,7 مليون ب/ي في آخر السنة المنصرمة أي بزيادة تقدر بـ 1,4 بالمائة، مقابل انخفاض في المداخيل.
ويبدو التوجه الايجابي على مستوى بورصات النفط واقعيا وممكن التحقيق إذ سرعان ما انتعشت أسعار البرميل لترتفع على مراحل حتى سجّل البرميل مستوى 40 دولار، منذ إعلان كل من روسيا والسعودية تجميد الإنتاج قبل أن تتأثّر بفعل إعلان أمريكا عن ضخ 10 ملايين برميل خام أسبوعيا في مخزوناتها، في وقت تشير فيه المعطيات إلى أن الأسواق تحتاج لتخفيض الإنتاج وسحب الفائض حتى تصل إلى درجة تعافي الأسعار.
واستأنف برميل النفط في التعافي على مستوى بورصات المحروقات، حيث انتعشت الأسعار منذ الأسبوع الأخير ليسجل البرنت تجاوز 39 دولار للبرميل في ظلّ جملة عوامل محفزة إلى جانب الأمل القائم بالتوصل إلى اتفاق بين البلدان المنتجة انخفاض قيمة الدولار. وحسب المتتبعين، فإن هذا الاتفاق المتعلق باعتماد السقف المسجل في جانفي الأخير يدعم مسار بناء توافق لإعادة بناء سعر متوازن وعادل يستجيب لمصالح المنتجين والمستهلكين.
خطوة أولى حتى وإن لم تكن كافية
تعتبر الجزائر من أولى البلدان المعنية، حيث كانت من السباقين لاطلاق مسار الحوار بين المنتجين كافة قصد بناء توافق يضمن اعتماد سعر عادل ومتوزان يستجيب لمصالح كافة الشركاء في السوق البترولية. وفي هذا الإطار صرّح وزير الطاقة صالح خبري مؤخرا بأن الجزائر تؤيد الاتفاق المتوصل إليه بين العربية السعودية وروسيا لتجميد الإنتاج النفط في المستوى المسجل في جانفي المنصرم. كما أكد أنها ستشارك في الاجتماع المزمع عقده الأيام المقبلة مشيرا أن «الجزائر تؤيّد كل القرارات التي من شأنها إعادة الاستقرار للسوق النفطية.
وحتى إن لم يكن القرار كافيا، فإن تجميد الإنتاج بحد ذاته يعتبر خطوة أولى ستسمح لبلدين من أكبر المنتجين في العالم (روسيا والسعودية) بالجلوس حول طاولة واحدة والتفاوض من أجل مصلحة الدول المنتجة». وعن سؤال حول ما إذا كانت الجزائر ستلجأ إلى تخفيض إنتاجها في حال ما تقرّر ذلك خلال الاجتماع المنتظر أوضح خبري، أن الجزائر سترجّح هذا الخيار في حال تبين أن تجميد الإنتاج غير كاف مذكّرا أنه سبق وأن دعت لتخفيض العرض قصد دعم الأسعار.
مشاريع استثمارية في الأفق
يرتقب أن يتم توقيع عقد انجاز أشغال تجديد وعصرنة وحدات الإنتاج التابعة للشركة الوطنية للمحروقات «سوناطراك» بحاسي مسعود من أجل تأمين وتحديث منشآت استخراج النفط والرفع من قدرات الإنتاج بضخ كمية إضافية تقدر بـ 3000 طن / يوم، من النفط الخام. من جانب آخر، وبنفس الوتيرة، أطلقت سوناطراك دراسة تتعلّق بمشروع انجاز ثلاث مصافي بحاسي مسعود، بسكرة وتيارت. وتمّ إبرام العقد في 7 مارس مع مكتب دراسات بريطاني بمبلغ 17,28 كليون اورو. ويتكفّل الجانب البريطاني بإعداد دراسة للهندسة القاعدية لهذه الوحدات في أجل 15 شهرا. وتمتاز المصافي المسجلة بطاقة معالجة 15 مليون طن / سنة، من المواد البترولية والغازية وفقا للمعايير الأوروبية والدولية، خاصة من حيث الحفاظ على المحيط والبيئة. ومن شأن هذا المشروع أن يحوّل سوناطراك من مستورد للوقود إلى مُصدّر له.
ويرتقب أن تدخل الخدمة في 2019 / 2020، وتشكّل جانبا من برنامج شامل للصناعة الكيماوية بحيث ينتظر بلوغ رفع الإنتاج الوطني من الوقود والمواد الطاقوية إلى 60 مليون طن / سنة في 2019، مقابل 27 مليون طن حاليا. للإشارة، بلغت واردات الوقود 3,4 ملايين طن السنة الماضية (80 بالمائة منه بنزين ومازوت) أي بزيادة تقدر بـ 64 بالمائة بسبب ارتفاع الطلب الداخلي.
الكويت.. ستلتزم لكن بشروط
غير أن بناء اتفاق بهذا الحجم في ظلّ تطورات وتداعيات جيواستراتيجية تلقي بظلالها على مناطق تعرف بمصدر الطاقة العالمي يخضع لضغوطات من مختلف البلدان التي تضع المصلحة الذاتية في صميم الاشكالية على غرار إيران التي تعتبر من حقها أن تستدرك، ما فقدته جراء العوقوبات الدولية التي رفعت عنها منذ أول جانفي، فيما صرّح وزير النفط الكويتي بالنيابة أنس الصالح قبل أيام كما أوردته مصادر إعلامية أن بلاده لن تلتزم بأي تجميد عالمي محتمل لمستويات إنتاج النفط إلا إذا اتفق جميع كبار المنتجين بمن فيهم إيران على المشاركة في الاتفاق. وقال ردا على سؤال عما سيحدث إذا لم يتفق جميع المنتجين على الانضمام لاتفاق تجميد الإنتاج «سأنطلق بأقصى طاقتي إن لم يتم التوصل لاتفاق. وسأبيع كل برميل أنتجه». علما أن الكويت تنتج حاليا ثلاثة ملايين برميل من النفط يوميا.
ومن جهة أخرى، قال نزار العدساني الرئيس التنفيذي لمؤسسة النفط الكويتية إن المؤسسة نجحت في رفع إنتاج شركة نفط الكويت إلى ثلاثة ملايين برميل يوميا وتسعى الآن لزيادته إلى 15ر3 مليون برميل يوميا. وأضاف أن المؤسسة ستستثمر «5ر34 مليار دينار خلال 5 سنوات حتى 2021، في القطاع النفطي. وسيكون 65 بالمائة من هذا المبلغ لقطاع الاستكشاف والإنتاج». وتقول الكويت إنها تعمل على الوصول بطاقتها الإنتاجية إلى أربعة ملايين برميل يوميا بحلول عام 2020 منها 65ر3 مليون برميل يوميا من نفط الكويت و350 ألف برميل يوميا من المنطقة المقسومة مع السعودية. للإشارة تعمل الكويت على زيادة عدد أبراج ومنصات الحفر من 95 حاليا إلى 140 في بداية 2017، ثم يزداد العدد بما يحقق حفر 2000 بئر بحلول عام 2020.
واردات الصين ترتفع 20 بالمائة
تدفع المؤشرات إلى توقع تسجيل ارتفاع في الطلب العالمي، خاصة من البلدان التي تتوفّر على وتيرة نمو صناعي مثل الصين التي عرفت وارداتها من النفط قفزة تقدر بـ 20 في المائة على أساس سنوي في فيفري، لتسجّل أعلى مستوى لمتوسطها اليومي على الإطلاق مع هبوط الأسعار لأدنى مستوياتها فيما يزيد عن عشر سنوات، وهو ما شجّع مجموعة جديدة من المستوردين على الشراء فضلا عن تكوين مخزونات تجارية وحكومية. وأوضحت بيانات الإدارة العامة للجمارك الصينية، أن الصين ثاني أكبر مستهلك للخام في العالم استوردت 08ر31 مليون طن من الخام الشهر الماضي لتسجل مستوى قياسيا للواردات بلغ ثمانية ملايين برميل يوميا. وعزّز الطلب القوي في الصين المصافي المستقلة التي حصلت على حصص استيرادية من بكين خلال الأشهر التسعة الماضية، فيما قفز المتوسط اليومي لواردات فيفري نحو 27 في المائة مقارنة مع 29ر6 مليون برميل يوميا في جانفي.
وفي جانفي توقّعت شركة البترول الوطنية الصينية الحكومية، أن يرتفع صافي واردات الصين من الخام 3ر7 في المائة هذا العام. وارتفع المتوسط اليومي لصادرات الوقود في فبراير 8ر71 في المائة مقارنة مع نفس الشهر من العام الماضي إذ بلغت الصادرات 99ر2 مليون طن أو ما يوازي 721 ألفا و700 برميل يوميا بعد أن سجلت مستوى قياسيا بلغ 975 ألفا و500 برميل يوميا في ديسمبر.