الدكتور عبد المجيد قدي أستاذ العلوم الاقتصادية (جامعة الجزائر)

النمو يجب أن تتجاوز عتبة 7 بالمائة حتى يواجه التضخم

أجرت الحوار: فضيلة بودريش

ميزانية 2016 وسيلة لتجاوز آثار انهيار أسعار النفط
نحتاج إلى مؤشرات دقيقة  لتدارك النقائص

يقف الدكتور عبد المجيد قدي أستاذ العلوم الاقتصادية على راهن الواقع الاقتصادي في ظلّ أزمة انهيار أسعار النفط، مشخصا ومحللا الوضعية بإيجابياتها وسلبياتها وسلط الضوء على الحلول المتاحة لتجاوز الظرف الحالي، ولم يخف نظرته لميزانية 2016، التي تضمنها مشروع قانون المالية للسنة المقبلة والذي حظي بنقاش نواب البرلمان وينتظر عرضه على المصادقة.
وعلى صعيد الاستثمار اعتبر أنه لا يتسنى إرسائه إلا عندما يتوفر مناخ أعمال حقيقي مع استقرار تشريعي ومنظومة تمويل مناسبة إلى جانب مرونة في أسواق العمل من خلال اليد العاملة الماهرة بسعر اقتصادي تنافسي.
 الشعب الاقتصادي: كيف تصف مشروع قانون المالية 2016 المفتوح على النقاش.. هل يمكن اعتباره مولّدا للثروة أم يكرس إجراءات تقشفية؟
* الدكتور عبد المجيد قدي: في البداية يجب أن ندرك أن مشروع قانون المالية للسنة المقبلة يأتي إقراره في ظروف جد خاصة بسبب خصوصية الظرف، على اعتبار أن المورد الأساسي للميزانية يتمثل في الجباية البترولية التي تأثرت بعد انهيار أسعار النفط، لذا قدرة الحكومة ماليا للتدخل اقتصاديا واجتماعيا صارت محدودة في ظلّ تسجيل تحديين ويتعلق الأمر، بمراجعة الإنفاق كون الحكومة من الطبيعي أن تعترضها صعوبات في النفقات العامة وكذا بخصوص التكفل بالاحتياجات، لذا مراجعة النفقات العامة تتم بالنظر إلى اعتبارات فنية واجتماعية أي تولى العناية  للقطاعات الأكثر توليدا للثروة، وإلى جانب القطاعات الضرورية لحياة المواطن ونذكر منها الصحة والتعليم. بينما التحدي الثاني يكمن في أهمية البحث عن إمكانية تعويض الموارد المفقودة من الجباية النفطية، وإيجاد البديل عن طريق كيفية الرفع من الجباية العادية، وتجسد ذلك من خلال إرساء إجراءين: الأول يتمثل في زيادة الضريبة على الأفراد والتي تلقى في معظم الأحيان نوع من المعارضة كونها تؤثر على القدرة الشرائية. بينما الإجراء الثاني يتمثل في الإسراع نحو إدراج القطاع الموازي ضمن دائرة النشاط الرسمي للاستفادة من حجم كبير من الموارد التي يحتويها هذا القطاع غير الرسمي. وبخصوص التقشف ينبغي الإشارة إلى توضيح هذا الأخير بشكل جيد، كونه إجراء يمس بمختلف السلوكات للإدارات العمومية، أي مراجعة السلوك المعني بمختلف الهيئات الحكومية، علما أن التقشّف يمسّ جميع الوزارات ويتمثل في المراجعة المالية وتقليص نفقات الأشخاص بدرجة أكبر.
 تهيئة مناخ الأعمال التحدي الأكبر
كيف ترون الزيادات التي أقرّها مشروع قانون المالية وما هي انعكاساتها على وتيرة النمو؟
* يمكن القول إن الميزانية تقبل أن تكون أداة إنفاق ووسيلة اقتصادية، علما أن النمو الاقتصادي يتحقّق عن طريق الإنفاق. والجزائر اليوم في وضعية انكماش ورغم أن هناك ضغط على الطلب لتحقيق الاستقرار والتحكم في التضخم، لكنه لا يخلق النمو الاقتصادي، لذا يمكن المراهنة على تحريك الطلب عن طريق الإنفاق الخاص، لأنه يعد بديلا لذا يجب النظر في كيفية الزيادة على الطلب الخاص، لكن دون شك الاستثمار والطلب الخاص لا يتحرك إلا بوجود مناخ ملائم للأعمال بهدف زيادة الإنفاق الخاص، ولا يتكثّف عدد المتعاملين الخواص إلا في بيئة ملائمة ويعد أمر جوهري بالنسبة للجزائر، لأن أغلب الاستثمارات الأساسية في الوقت الحالي حكومية، ولو تتوقف يتوقف معها تدفق الاستثمار، حيث لا يخفى أن العديد من المستثمرين الخواص مازالت نظرتهم لمناخ الأعمال تحمل الكثير من التردّد. لذا ميزانية 2016، يمكن أن تكون وسيلة لتجاوز آثار انهيار أسعار النفط وليس أداة لتحقيق النمو الاقتصادي.
 يعد النمو الخيار الذي تبنته الحكومة في مواجهة تراجع إيرادات المحروقات، كيف يمكن تجسيد هذا الهدف الذي يكتسي أولوية؟
* يعتبر النمو هدف جميع اقتصاديات البلدان، ولا يجب أن نتحدث عن سقف ونسبة النمو، بل ينبغي التركيز والخوض في معدلات النمو وربطها مع الكثافة السكانية وكذا التضخم وإن كانت فعلا تتناسب معها، وأؤكد أن معدلات النمو يجب أن تتجاوز حدود7 بالمائة حتى يواجه التضخم وزيادة الكثافة السكانية، وتسجيل نسبة نمو أقل  تكون دون شك غير ملائمة للإقتصاد، وتجدر الإشارة أن النمو يعد أداة حقيقية لامتصاص البطالة واستحداث مناصب الشغل وكذا بالنظر إلى قدرته في استغلال الموارد المتاحة وتحسين مداخيل الأفراد المتمثل في الزيادة في الدخل القومي الذي ينعكس على الجبهة الاجتماعية من خلال آثاره الاجتماعية واستيعابه لقوة العمل في سوق التشغيل.
 تسجيل توازنات كلية لكنها ليست قوية
 هناك عدّة طرق اقتصادية لتعويض الفارق الذي يفقده الميزان التجاري في الظرف الراهن مثل تحديث النظام الضريبي ومكافحة الفساد وامتصاص السوق الموازية ومكافحة تهريب الأموال للخارج.. فما رأيكم؟
*  لابد السير نحو التقليص من القطاع الموازي والرفع من مساهمته في الدخل الفائض وحماية الناشطين فيه اجتماعيا وتوجد إمكانية تحسن التحصيل الجبائي مع مكافحة التهرب الضريبي بالبحث عن العوامل التي أدت إلى هذا التهرّب، بالإضافة إلى محاربة الفساد الذي يمنع من استغلال الموارد المتوفرة، ويؤثر على مناخ الأعمال وإضفاء الشفافية التي كلما توسّعت تضاعف معها إنفاق المال وتشجع المتعاملين على تسديد الضرائب. ومن بين المشاكل التي يجب الإسراع في احتوائها القضاء على أسباب  التبذير، والانطلاقة تكون من الإدارات العمومية.
 يبقى الاستثمار الجسر الآني لإخراج المنظومة الاقتصادية لبرّ الأمان.. أليس كذلك؟
* إن الاستثمار الرافعة الاقتصادية لجميع اقتصاديات دول العالم، لكن إرساء الاستثمار، لا يتسنى إلا في وجود مناخ أعمال حقيقي واستقرار تشريعي ومنظومة تمويل مناسبة، مع مرونة في أسواق العمل من خلال اليد العاملة الماهرة بسعر اقتصادي تنافسي، بالإضافة إلى تسجيل نسبة تضخم معقولة، وتكريس نظام ضريبي معتدل. ومناخ الأعمال الملائم يحفّز المستثمرين المحليين والأجنبيين، خاصة أمام السوق الكبيرة التي تغري الأفراد. وحان الوقت لتوضيح الأولويات والعمل على استقرار النصوص التشريعية، كون الاستثمار عملة نادرة حيث يوجد تنافس كبير بين الدول لاستقطاب أكبر عدد من المستثمرين، وأينما ارتفع الاستثمار سوف تسجّل الزيادة في النمو ويتسع استيعاب اليد العاملة.
 في الوضع الاقتصادي الحالي يحصر البعض الإشكالية في العقار الصناعي.. فما هي مسؤولية المؤسسة الجزائرية ورجل الأعمال في تصحيح هذه المعادلة، علما أن متعاملين أجانب يدخلون السوق الجزائرية دون أن يتعذروا أو يتأثروا بهذه المعوقات، حيث تجدهم يؤجرون وينشطون في المجالات التي اختاروها؟
* العقار إحدى المتغيرات في الجزائر، فلا يوجد سوق عقاري شفاف، وعلى سبيل المثال نأخذ العقار المنزلي فسعر قطعة الأرض أبهظ ثمنا من نظيرتها في اسبانيا. ويذكر أن أغلبية الأراضي مملوكة للدولة بينما توجد مساحات وضعيتها غير سليمة، إلى جانب تسجيل العديد من العوائق يجب تفادي الوقوع فيها وتصحيحها، نذكر منها وجود مستثمرين أجانب أقبلوا على الاستثمار وتغيّرت نظرتهم بسبب البيروقراطية أو انعدام مؤسسات المناولة وكذا العقار، لذا يبقى حجم الاستثمار ووتيرته ضعيفة لا ترقى إلى إمكانيات الجزائر من حيث وفرة الموارد الطبيعية والبشرية وكسوق كبير وذات موقع مهم. وحان الوقت للقيام بتشخيص الأوضاع بشكل موضوعي ودقيق للوقوف على النقائص التي تتطلب الإسراع بتجاوزها.
 في آخر تقرير للمجلس الوطني الاقتصادي والاجتماعي وصف سنة 2015، بالأكثر صعوبة ماليا واقتصاديا، على ضوء مؤشرات إحصائية دقيقة.. ما هي قراءتكم لها على غرار المداخيل بالعملة الصعبة ومعدلات البطالة ونسبة النمو ومناخ الاستثمار وما إلى غير ذلك؟  
*  جميع المؤشرات صعبة، لكن لا يخفى أن هناك توازنات اقتصادية كلية في الجزائر، فمعدل التضخم وحتى بالنسبة للبطالة معقول وكذا احتياطات الصرف، لكن يمكن وصف هذه التوازنات بغير القوية على اعتبار أنها مرتبطة بإيرادات النفط، لذا الرهان الكبير يكمن في إعادة هيكلة الاقتصاد الوطني، حتى تلعب القطاعات غير النفطية دورها وتأخذ مكانها في التنويع، عن طريق إرساء سياسات قطاعية وتكون لكل قطاع سياسة خاصة مبنية على ضوء مؤشرات لمتابعة سير الاقتصاد التي نحتاجها وليست موجودة بهدف الاطلاع على كل ما يسجل لتدارك النقائص وتصحيحها.
 ما هي القطاعات التي يمكن أن تبنى عليها آفاق اقتصادية تحت رهان الترشيد وليس التقشّف؟
*  الاقتصاد يبنى على جميع القطاعات، ونحن في الوقت الحالي في حاجة إلى جميع القطاعات وأذكر منها قطاع الفلاحة والصناعة والنقل، ويشترط أن يكون توازن بينها لتساهم بفعالية في التنمية.



 

 

 

 

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19628

العدد 19628

الأربعاء 20 نوفمبر 2024
العدد 19627

العدد 19627

الثلاثاء 19 نوفمبر 2024
العدد 19626

العدد 19626

الثلاثاء 19 نوفمبر 2024
العدد 19625

العدد 19625

الإثنين 18 نوفمبر 2024