أثير مؤخرا الحديث حول ضرورة إجراء إصلاحات فعلية على نظام التقاعد الحالي خاصة ما تعلّق بإيجاد حلول للتقاعد النسبي ودون شرط السن في ظل تسجيل ما لا يقل عن 700 ألف متقاعد يتلقون منحة التقاعد، لكن لا يتوفر فيهم لا شرط السن ولا سنوات الخدمة وأعمارهم تتراوح ما بين العقدين الرابع والخامس، في وقت رفعت فيه الفدرالية الوطنية للمتقاعدين التابعة للاتحاد العام للعمال الجزائريين تخوفاتها من تضرر احتياطي صندوق التقاعد، علما أن عدد المتقاعدين في الجزائر ارتفع إلى 2.8 مليون معني بالمنحة.
مازال الشريك الاجتماعي ممثلا في المركزية النقابية لم يعلن بشكل رسمي عن الشروع في فتح النقاش حول إصلاح منظومة التقاعد أو تغيير الصيغ التي صارت تحرج احتياطات الموارد المالية للصندوق تجنبا للوصول إلى مرحلة حدوث عجز في تغطية معاشات المتقاعدين خلال السنوات المقبلة.
الحسم قبل نهاية العام
لكن، لا يخفى أن فدرالية المتقاعدين رفعت تخوفاتها بلهجة محذرة من اتساع دائرة المستفيدين من التقاعد النسبي وحتى المسبق ودون شرط السن وتكبد الصندوق ضائقة مالية مستقبلا، لذا يؤكد أن الاتحاد العام للعمال الجزائريين أخذ المسألة بالكثير من الاهتمام. وحسب ما كشفت عنه مصادر نقابية، فإن التحضير جار من أجل إيجاد حلول لإصلاح منظومة التقاعد وتجنيبها أزمة سيولة من خلال إعداد المقترحات اللازمة. ولعلّ ما يثبت النية القائمة لمراجعة النظام الحالي للتقاعد آخر تصريح للوزير الأول خلال القمة الثلاثية المنعقدة بولاية بسكرة منتصف شهر أكتوبر الجاري، حيث أقرّ صعوبة وعدم إمكانية الاستمرار في العمل بنظام التقاعد النسبي عندما قال “لا يعقل أن يحال على التقاعد من يبلغ من العمر48 عاما، على اعتبار انه مازال قادرا على العمل وفي أوج العطاء في منصب عمله ولم يشارك في صندوق التقاعد بالنسب المطلوبة..”
وفي ظلّ هذه التصريحات واتضاح مؤشر إعادة النظر في منظومة التقاعد، اقتربت “الشعب الاقتصادي” من الفدرالية الوطنية للمتقاعدين وتحدثت إلى أمينها العام السيد اسماعيل بوكريس، حيث أوضح أن الفدرالية حسمت موقفها بمطلب ضرورة التعجيل بإيجاد حلول للنظام الحالي في الشقّ المتعلق على وجه الخصوص بالتقاعد النسبي عن طريق الإلغاء أو الإبقاء، لكن بشرط تعويض صندوق التقاعد بالموارد المالية التي يتضرر بسببها من خلال تكفل الدولة بذلك، واصفا في سياق متصل الوضعية الحالية بالسلبية ولم يخف بوكريس أن ما لا يقل عن 700 ألف شخص استفادوا من التقاعد النسبي ودون شرط السن من مجموع 2.8 مليون متقاعد، ما أثر كثيرا على موارد الصندوق الوطني للتقاعد. وواصل إطلاقه لسلسة من التحذيرات كون الاستمرار بالعمل بالنظام الحالي للتقاعد سيسفر عن مشاكل مالية عويصة مستقبلا قد تؤدي إلى انعكاسات تعصف بالاستقرار المالي للصندوق. والجدير بالإشارة، أن فئة المتقاعدين تستعد لعقد مؤتمرها الوطني قبل نهاية السنة الجارية والمرجح أن الكشف عن النية في إصلاح قانون التقاعد أو إعطاء الضوء الأخضر من أجل فتح النقاش من المرتقب أن يكون في هذا اللقاء الذي سيختار فيه المتقاعدون أمينا عاما جديدا لهم في ظلّ تعدد أصوات التعجيل بوقف نزيف موارد الصندوق المهددة بالتضاؤل.
مشاورات بالمركزية النقابية
وبخلاف ذلك صرّح عمار تاكجوت الأمين العام لفدرالية عمال النسيج والجلود بالاتحاد العام للعمال الجزائريين، أنه مازال لم يطلع ولم يستدع من أجل المساهمة بمقترحاته، لكن بخصوص منحة نهاية العمل بالنسبة للمتقاعد والتي كذلك راج أنها معنية بالإلغاء أوضح تاكجوت أن هذه المنحة تندرج ضمن المفاوضات في الاتفاقيات الجماعية داخل كل مؤسسة، وربما أي تغيير فيها يتطلب إعادة التفاوض داخل المؤسسة بين الإدارة والنقابة، وذكر الأمين العام لفدرالية عمال النسيج والجلود أن منحة المغادرة تختلف من قطاع إلى آخر ومتوقفة على الصحة المالية للمؤسسة.
وأمام النية القائمة لمراجعة ملف التقاعد وتصحيح الصيغ القديمة، اعتبر الأمين العام لفدرالية عمال النسيج والجلود أن نظام التقاعد يهم المتقاعدين والعمال على حدّ سواء والكل يحاول الدفاع عن مصالحه على اعتبار أن المتقاعدين لهم الحق في طرح انشغال تذبذب موارد الصندوق المالية والخوف من نفاذها، بينما العمال يعتبرون أنهم أدوا خدمة 32 سنة في المؤسسة وأعمارهم مازالت في بداية الـ 50 عاما وفوق كل ذلك متخوفون من الوضعية المالية لمؤسساتهم أو شبح إفلاسها، لذا هذا الملف ليس سهلا ويحتاج إلى نقاش معمق وحقيقي.
وبالموازاة مع ذلك كشف عمار تاكجوت عن عقد اجتماع للمركزية النقابية يوم 5 نوفمبر الداخل بدار الشعب يشارك فيه ممثلو الفدراليات الوطنية ومن المرتقب أن يعكف على دراسة ومناقشة الوضع الاجتماعي والراهن الاقتصادي ولا يستبعد أن يطرح هذا الملف على طاولة النقاش لإيجاد تدابير لا تضر بالعمال.
إذا التوجه القائم يسير نحو إصلاح نظام التقاعد وإنهاء صيغة التقاعد النسبي دون شك بالإضافة إلى إيجاد صيغة توافقية بالنسبة للتقاعد دون شرط السن الذي مازال لم تثر بخصوصه أي مقترحات، على خلفية أن بعض هذه المقترحات المتداولة خارج الأطر الرسمية لأطراف الثلاثية تصبّ في الرفع من سنّ التقاعد القانونية المقدرة بـ 60 سنة إلى 62 أو 63 عاما، ويذكر أن نظام التقاعد النسبي تم إدراجه قبل عقدين من الزمن في مرحلة ووضع استثنائيين كانت تعيشه الجزائر وطبق إلى جانب المادة 87 مكرر التي ألغيت خلال القمة الثلاثية للسنة الماضية.
وبسبب الأزمة المالية التي عصفت بالجزائري خلال عشرية التسعينيات، فان العديد من المؤسسات الاقتصادية عرفت صعوبة مالية وأخرى أفلست، مما اضطر إحالة العديد من العمال حتى أولئك الذين لا يتوفر فيهم لا شرط السن المقدر بـ 60 سنة ولا سنوات الخدمة المقدرة بـ 32 عاما، على التقاعد بدل إحالتهم على صندوق التامين على البطالة، وطبق هذا الإجراء بتوصية من صندوق النقد الدولي “الأفامي” في وضع اقتصادي محرج عاشته الجزائر أسفر عن غلق العديد من المؤسسات الاقتصادية إصابة الجبهة الجتماعية بأضرار وخيمة.
يذكر أن الفدرالية الوطنية للمتقاعدين أبرمت سلسلة من الاتفاقيات من أجل أن يستفيد المتقاعد من عدة امتيازات من بينها تخفيضات بنسبة 50 بالمائة على تأمين السيارات والمنازل مع الشركة الوطنية للتامينات إلى جانب اتفاقيات مع مؤسسات التسيير السياحي مع الغرب وقريبا مع المؤسسة في الوسط والشرق، حتى يستفيد المتقاعد من تخفيضات تقدر بـ40 بالمائة في مراكز الاستحمام والطب المعدني.