يشكل العقد الوطني الاقتصادي والاجتماعي للنمو هدفا جوهريا في معركة التنمية الراهنة، ومن خلال التحديات القائمة للرفع من تنافسية الآلة الإنتاجية فلا بديل للجزائر عن إقحام النسيج المؤسساتي المطالب بالتوسع، في خلق الثروة واستحداث مناصب الشغل ومن المنتظر أن يلعب العقد دور الضابط والمحفز لمناخ الأعمال الذي تتوقف جاذبيته على مدى تدفق الاستثمار أداة تكرس الاستقرار والسلم الاجتماعي..لكن وبالاستفادة من التجارب السابقة العقد يجب أن يتجاوز الإطار النصي القانوني ويسير نحو التجسيد وتجاوز ذهنية الإرتجال وعدم الانضباط مع النصوص التشريعية التي من المفروض أن تجسد بدقة وصرامة على أرض الواقع إذا فعلا كنا نتطلع إلى إرساء أداء تنموي يماثل ما تحققه الدول الناشئة.
إن التطلع لما بعد الثلاثية أهم بكثير كون القمة الثلاثية الأخيرة أعطت الضوء الأخضر لخوض غمار الانفتاح على إنعاش اقتصادي حقيقي في صدارته ترقية المؤسسة لتعزيز مكانة المنتوج الوطني ومواجهة متطلبات ما يقتضيه التصدير خارج قطاع المحروقات ومن يعرقل أدوات التنمية وخطوات الاستثمار من المفروض أن يخضع للمساءلة، لأن الظرف يتطلب تقديم تبريرات ملموسة وكل من يخطأ متعمدا أو بشكل عفوي يتحمل مسؤوليته الاقتصادية كون الحكامة الاقتصادية باتت عنصرا ضروريا يتطلبه الإقلاع التنموي ولا يمكن إرساء هذه الأخيرة في الحياة الاقتصادية بمعزل عن الكفاءات التي بدورها في حاجة إلى تكوين وتأهيل ومنحها الأولوية في التسيير من خلال وضع الثقة في قدرات الكفاءات الشابة ومن ذوي الخبرة كذلك لأن تهميشهم يعد خسارة كبيرة ومؤشرا على الاستمرار في التقدم بخطى بطيئة في عجلة النمو.
خارطة للاستثمار لتلبية طلبات السوق
من المفروض أن يعكف على توجيه الاستثمار وتحديد القطاعات التي ينبغي أن يعزز فيها الاستثمار في خارطة دقيقة، على اعتبار أن الحظائر الاقتصادية التي توجد طور الإنجاز وتكون جاهزة كما هو مسطر نهاية السنة الجارية ستحتضن هذه الاستثمارات، فلا يعقل أن يركز على الصناعة الغذائية والتحويلية بل الاقتصاد في حاجة إلى المؤسسات الصغيرة والمتوسطة في جميع المجالات من بينها تلك التي تختص في صناعة التكنولوجيات الحديثة نذكر منها الالكترونية والكهرومنزلية والميكانكية وما إلى غير ذلك، وحتى شركات المناولة مازالت قليلة في الجزائر خاصة الناشطة في قطاع الميكانيك على اعتبار أن هذه الأخيرة بإمكانها أن تغطي طلبات السوق الوطنية وتقلص من فاتورة الاستيراد إلى جانب امتصاصها للبطالة من خلال استحداثها لمناصب شغل جديدة فينبغي تشجيع المهتمين في الاستثمار في هذا المجال، لأن جميع الشركاء بما فيهم الحكومة تدرك جيدا أهمية المؤسسة في المعادلة التنموية ولن تدخر جهدا من شأنه أن يطهر محيط المؤسسة ويرفع من تنافسيتها كون التحدي القائم يكمن على المدى المتوسط في الوصول إلى استحداث 1 مليون مؤسسة صغيرة ومتوسطة. والإستراتجية القائمة يجب أن تعزز ثقة المستثمر المحلي والأجنبي على حد سواء لأنهم جميعا سيشتركون بالقفز بنسبة النمو إلى مستويات أعلى حتى تكون الجزائر في منأى عن أي أزمة اقتصادية حتى وإن عرفت السوق النفطية اضطرابات جديدة وتهاوي في الأسعار، إذا المسير وممثل الإدارة وكل من له قدرات للاستثمار جميعهم أمام مسؤولية اقتصادية تاريخية من شأنها أن تحتجز مكانة أفضل في الأسواق الدولية ويعد التحدي الأول والأهم للجزائر في مرحلة يجري الحديث حسب آخر تأكيدات لوزير المالية خلال قمة الثلاثية الأخيرة أن احتياطات صرف الجزائري تكفي للاستيراد لمدة 23 شهرا. ويدرك الجميع أن التنمية الاقتصادية تعني كذلك التنمية الاجتماعية فأي أثر اقتصادي إيجابي ينعكس بصورة سريعة على رفاهية الجبهة الاجتماعية المدعوة أيضا للمشاركة بقوة في الإنعاش وتسريع وتيرة النمو.
الإخطار الفوري بأي تجاوزات ..
ومن المؤشرات الإيجابية المشجعة على تجاوز المرحلة الحالية توافق الرؤى بين الشركاء الاقتصاديين والاجتماعيين وكذا الحكومة وكل طرف على دراية بصعوبة التحول الحالي، ولا يبقى سوى السير نحو التجسيد ولا يمكن الانتظار ثلاث سنوات أو خمس سنوات للخروج من دائرة الصمت والتصريح بأنه العديد من بنود العقد الاقتصادي والاجتماعي الوطني للنمو لم يحترم تجسيدها، لأنه يجب الإخطار بأي تجاوزات تحدث وتحول دون تجسيد بنود العقد فور وقوعها وبصورة تلقائية من طرف الشركاء بل ترفع إلى لجنة متابعة تجسيد العقد لوضعها أمام مسؤوليتها ثم إلى الحكومة حتى تتدخل وترفع العراقيل وتضع حد لذهنية البيروقراطية وكل من لا يأبه بتطبيق القانون. وتترقب الجبهة الاجتماعية باهتمام عودة القرض الاستهلاكي الذي من شأنه على الصعيد الاجتماعي أن يشجع الادخار العائلي ويفك الأزمة المالية للأسر المتوسطة ومحدودة الدخل بينما اقتصاديا فالإجراء يرمي إلى تشجيع تسويق المنتوج الوطني والرفع من جودته بأسعار معقولة حتى تمنح للمؤسسة الوطنية فترة اختبار لقدراتها من أجل التأكد من إمكانيات تنافسياتها للتوجه نحو الأسواق الخارجية من بينها الإفريقية والعربية. ولعل الدعوة الموجه لكل من يمارس النشاط الاقتصادي الموازي أن يخضع للأطر القانونية حتى يستفيد من امتيازات ومحفزات وضعتها الدولة لإدراج الاقتصاد الموازي في المنظومة القانونية حتى يشارك في التنمية المنشودة.