تحتل المشروبات مكانة مهمة في السوق وتحظى في الآونة الأخيرة برواج يثير تساؤلات نقلناها إلى رئيس جمعية المنتجين الجزائريين للمشروبات السيد علي حماني الذي يشّخص في هذا الحوار واقع سوق المشروبات وطاقته الاقتصادية من حيث القدرات الإنتاجية والتسويقية في مواجهة تحدي التقليل من الاستيراد خاصة بالنسبة للمواد الأولية والمدخلات في هذه الصناعة المرتبطة مباشرة بالصحة العمومية والأمن الصحي. كما يوّضح مختلف جوانب صناعة المشروبات من حيث مدى تغطية الطلب الداخلي والقدرة على التصدير وخاصة مرافقة المنتجين على مسار الالتزام بمعايير الجودة والحفاظ على صحة وسلامة المستهلك، مسجلا وجود دخلاء على القطاع يستفيدون من وضع يحقّق لهم الربح السهل وبأقل كلفة. ويؤكد محدّثنا أن لجمعيته قناعة راسخة بضرورة التوصل إلى إضفاء شفافية على سوق المشروبات من خلال التعاون مع السلطات العمومية للفرز بين المنتجين الاحترافيين وغيرهم ممن ينشطون في السوق الموازية، وهذا مضمون الحوار:
الشّعب الاقتصادي: ما هو واقع سوق المشروبات في الجزائر من منظور التشخيص الذي ترصده جمعية المنتجين؟
علي حماني: كشفت دراسة تم انجازها بنهاية سنة 2012 من طرف خبراء حول فرع المشروبات عن المؤشرات التالية:
- مناصب الشغل في القطاع: حوالي 17000 شخص في مناصب عمل مباشرة فيما تقدر مناصب العمل غير المباشرة بجوالي 30 ألف.
- حجم الإنتاج: يقدّر بأكثر من 3,7 ملايير لتر تتوزع كما يلي: عصائر الفواكه ومشروبات الفاكهة: 0,5 مليار لتر- المشروبات الغازية: 1,8 مليار لتر- المياه المعبأة: 1,2 مليار لتر- المشروبات الكحولية: 0,2 مليار لتر.
- رقم الأعمال: يقدّر بحوالي 215 مليار دينار.
- الاستهلاك: أكثر من 54 لتر لكل ساكن تتوزع الكمية كما يلي: - عصائر الفواكه: 13 لترا لكل ساكن في السنة، - المشروبات الغازية: 50 لترا لكل ساكن في السنة، - المياه المعبأة: 33 لترا لكل ساكن في السنة.
ماذا عن المواد الأولية لصناعة المشروبات، خاصة من حيث نسبة الاستيراد مقارنة بتلك المنتجة محليا؟
تأتي المواد الأولية الموّجهة لصناعة المشروبات من الاستيراد ومن السوق المحلية وتختلف نسبة الاندماج من صنف إلى آخر. ويحرص أعضاء جمعيتنا على استخدام المادة الأولية التي تنتج بالجزائر أكثر من تلك التي يتم استيرادها شريطة أن تتوفر المادة المحلية على المستلزمات التقنية المتعلقة بالجودة والوفرة. ويجب التوضيح بأننا نعيش حاليا مرحلة نمو صناعة لإنتاج مدخلات هذا الفرع من النشاط. ونذكر على سبيل المثال مؤسسة “ايلافروي” لمجموعة باتوش التي تنتج مواد أولية لإنتاج عصير الفواكه باستعمال فواكه منتجة من طرف الفلاح المحلي، وتحرص الجمعية على تشجيع هذا النوع من الاستثمار الذي يعوّض استيراد المدخلات.
تثار أسئلة تطرح انشغالات بشأن علاقة هذه السوق بالصحة العمومية؟
لقد جرى تنظيم ملتقى أشرفت عليه وزارة الصحة بمناسبة اليوم العالمي للصحة الموافق لـ 7 أفريل وكان شعاره الأمن الصحي والغذاء، وخلال هذا اليوم دعيت جمعيتنا لتقديم وجهة نظرها في ضوء التجربة المحققة في هذا المجال. وبالفعل قدّمنا اقتراحاتنا التي تصّب في سياق تحكّم أفضل في الأمن الصحي للأغذية من أجل بلوغ مستوى عالٍ للصحة العمومية. واقترحنا بالخصوص، وضع قانون خاص للتغذية، إنشاء ووضع سلطة للأمن الصحي للأغذية، تعميم الإلزام القانوني لطريقة HACCP مع دعم لعمليات الاعتماد.
سوق المشروبات جذابة، هل المنتجين فيها من أصحاب المهنة؟
حقيقة لاحظنا ظهور علامات جديدة من المشروبات في السوق منها مشروبات لمجمعات للصناعة الغذائية. إن سوق المشروبات ليس محل احتكار إنما هي مفتوحة للمنافسة شريطة أن تكون منافسة نزيهة. ويمكن لدخول علامات جديدة أن يشكل قيمة مضافة للسوق والمستهلك لكن فقط إذا كانت هذه المنتجات تخضع للإجراءات المطلوبة في مجال النظافة وشروط الإنتاج وتحقق تنمية وتطويرا في تجديد الذوق ومختلف مسارات الإنتاج والتعبئة.
يجب الإشارة أيضا إلى أنه بالرغم من المؤشرات الواعدة في مجال قدرات النمو، فإن فرع المشروبات يبقى رهينة محيطه المباشر وبشكل قوي على غرار باقي الفروع الصناعية. ويتعلق الأمر بوصول مكثف لمتعاملين غير احترافيين همّهم الوحيد الربح السهل الذي تحققه الأنشطة الموازية وارتفاع حدة المنافسة غير الشرعية ومختلف الممارسات المخالفة لقواعد السوق.
هذا الواقع ينعكس سلبا على صحة المستهلك وذلك بسبب: - عدم احترام قواعد النظافة – استعمال مكوّنات ممنوعة – الإفراط في استعمال بعض المكوّنات الحافظة والملوّنة مثلا – اللجوء لإجراءات إنتاج خطيرة مثل عدم التحكم في عملية تعبئة لب المادة الأولية.
على الرغم من نمو السوق إلا أنها لا تزال تابعة للاستيراد؟
إننا اليوم في ظل العولمة واللّجوء إلى الاستيراد الذي لا يسمح للمنتجين الجزائريين إلى حذف -عند الإنتاج- مادة تستجيب لمتطلبات الجودة ومستلزمات المستهلك الجزائري. والمشكل الذي يطرح على مستوى استيراد بعض المنتجات الجاهزة وتلك المرتبطة بمواد تموّن السوق الموازية والتي تنافس بغير نزاهة المنتوج الجزائري. والسؤال الآخر يتعلق بمعرفة ما إذا كانت جميع المواد الجاهزة المستوردة والمسوّقة عندنا تستجيب لمعايير الجودة والعلامة الأصلية ولشروط الصحة عند الإنتاج.
تتجه الحكومة إلى الحد من الاستيراد، ما هو رأيكم في هذا الموضوع؟
في ظل الوضع الراهن المتميز بتراجع أسعار البترول الذي يمثل المورد المالي الأساسي للبلاد، إننا نتفّهم موقف مختلف المؤسسات ونشاطرها الانشغال المبرّر للحكومة في مواجهة تحدي تراجع الموارد المالية للبلاد. غير أننا على قناعة بأن الحل لا يكمن في إجراءات ظرفية أو إدارية والتي يمكن أن يكون لها مفعول معاكس كونها تتخذ في حالة استعجالية لا تسمح باستباق ملائم لمجمل الانعكاسات. وأعضاء الجمعية على قناعة بأن توازن الميزان التجاري خارج المحروقات لا يمكن أن يكون إلا من خلال الانتاج الوطني القوي والمكثّف والمتنوع كمًا والقادر على المنافسة.
ولذلك من الضروري العمل مند الآن لإعادة تنشيط الإنتاج الوطني ليكون في المدى الطويل بديلا للاستيراد. وبالفعل فإنه من المفيد الإشارة إلى أن دعاة اللّجوء إلى الحماية بأن ثلثي وارداتنا تضمن العمل الجيد لجهازنا الإنتاجي وتتشكل في الثلث من تجهيزات والثلث الآخر مواد أولية. والى الآن إن العرض الوطني لا يستطيع تلبية أغلب حاجياتنا من المدخلات ومستلزمات المعايير التقنية وانتظام التموين والكلفة. وبودي إبراز ضعف حجم الواردات من المشروبات وهذا بفضل إنتاج محلي كافٍ كمًا ونوعًا، ويخصّ هذا كافة أصناف المشروبات. وكما ذكرته سلفا فإن الإنتاج الوطني يغطي أكثر من 98 بالمائة من حاجيات السوق كما أن القدرات المركبة وغير المستغلة يمكنها أن تغطي نسبة 2 بالمائة المتبقية وتنمية حضورنا في الأسواق الخارجية.
تبقى مسألة النظافة مطروحة بحّدة، هل يلتزم المنتجون باحترام معايير النظافة والسلامة الصحية خاصة المقادير؟
منذ تأسيسها سنة 2003 التزمت جمعيتنا بشكل صارم بالحرص على ترقية الجودة كوسيلة وحيدة لتنمية وديمومة هذا النشاط الاقتصادي وكذا حماية صحة وثقة المستهلكين. في هذا الإطار، انخرطت الجمعية في مسار الحصول على الإتقان وتطوير طرق الإنتاج لفائدة المتعاملين في هذا الفرع. واستطعنا فعلا تجسيد بفضل مختلف البرامج الوطنية المخصّصة للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة العديد من العمليات منها في مرحلة أولى برنامج للإعلام والتحسيس بشأن مستلزمات الصحة الغذائية باتجاه المنتجين خاصة من خلال تبسيط: - الطرق السليمة للنظافة، - الطرق الجيدة للإنتاج، - مبادئ ومراحل مسار الإنتاج، - مبادئ ومقتضيات معيار إيزو 22000 .
كما دخلت الجمعية في مرحلة تنفيذ مشاريع جملة من المشاريع مثل: إعداد ونشر وتوزيع أول دليل لمسار إنتاج المشروبات. – تنظيم ملتقيات ولقاءات لفائدة المنتجين خاصة فيما يخص الجودة. – إعداد مراجع فنية للعلامات بما يضمن للمستهلك شروط النظافة للإنتاج. – المساهمة في إعداد المرسوم الجديد للإضافات الغذائية. – وضع خلية لليقظة تتعلق بالتنظيم والمعايير. – رصد مرجع للمهن في قطاع المشروبات.
ويمكن التأكيد أن أغلبية المنتجين للمشروبات أعضاء الجمعية يحترمون قواعد ومعايير السلامة الغذائية. وصحيح يوجد منتجون لا يحترمون حقوق المستهلك والمعايير في مجال الإنتاج ولحسن الحظ حصّتهم ضئيلة ولذلك لا نتوقف عن تحسيس المستهلكين من أجل تفادي اقتناء أي شيء وبالتالي تفادي شراء أمراض لأبنائهم خاصة.
نلاحظ على مستوى السوق ممارسات تجارية لا تتطابق مع طبيعة هذا المنتوج الحسّاس، هل لجمعيتكم تدّخل لمنع التجاوزات؟
من المفيد التذكير هنا بأن جمعيتنا لم تتوقف عن دعوة السلطات العمومية للتصدي للممارسات التجارية المخالفة للقانون وكافة أشكال المنافسة غير النزيهة. ويتصدى القانون للممارسات الموازية، عدم احترام الجودة، الإشهار الكاذب، التهرّب الضريبي، عدم الفوترة واستعمال أسعار أقل من كلفة الإنتاج dumping، هي أمثلة للمنافسة غير النزيهة التي تقود في الأخير إلى اللاّجودة على حساب المستهلك وتعريض المؤسسات وعمالها للإفلاس.
وماذا عن إمكانيات التصدير إلى الأسواق الخارجية؟
إن فرع المشروبات نشيط في نمو الصادرات خارج المحروقات بمبلغ 37 مليون دولار سنة 2013.
في الأخير ما هي آفاق هذا النشاط؟
كما تعلمون، حقّق فرع نشاط المشروبات مجهودات معتبرة خلال السنوات الأخيرة، خاصة في مجالات التسيير، الاستثمار، التنويع والجودة للمنتوجات وكذا التنافسية بما في ذلك في أسواق خارجية.
وتعتبر جمعيتنا أن الوقت موات لتعزيز كافة الجهود المبذولة من أجل حماية المكاسب المسّجلة وتقويتها وكذا وضع هذا الفرع من النشاط على سكة التجديد والتنمية المستدامة. ويعتبر أعضاء الجمعية أنه من الضروري والمهم إدخال نظام المعايير ومبادئ السلوك الجيد والأخلاقيات المهنية، علما أن لهذا النشاط تأثير على الصناعة والمدخلات وعلى النقل والتوزيع ويغطي حاجيات السوق الداخلية بنسبة عالية (98 بالمائة) بما يقلّل من الاستيراد.