قد يبدو مفهوم “الاقتصاد النسوي” جديدا على البعض، وغريبا لدى البعض الآخر، ولكنه ليس وليد اليوم، فالدارسون لعلم الاقتصاد قد اهتموا منذ زمن بعيد بالنوع الاجتماعي وأثره على البيئة الاقتصادية، ناهيك عن الفروق الموجودة بين الجنسين في مجالات التشغيل والبطالة والأجر، وحتى الإنتاجية والرفاه والتأثر بالأزمات.. وإذا كانت العوائق والتفرقة الجندرية لصيقة بدراسات الاقتصاد النسائي، فهو يقدم كذلك الكثير من الحلول التي من شأنها تحقيق الإنعاش الاقتصادي للدول.
تعرّف المختصة في علم الاقتصاد، الفرنسية سيلفي موريل، الاقتصاد النسوي على أنه “مجال ضمن النظرية الاقتصادية يتعلق بالوضع التمييزي للنساء مقارنة بالرجال في الاقتصاد، وضع يتميز بعدم المساواة الممارسة على حسابهن”.
ولكن الاقتصاد النسوي لا يصف فقط هذه الفوارق، ولكنه موجود أيضا لمكافحتها. تقول موريل: “يجب أن يعالج الاقتصاد النسوي مسألة التغيير المطلوب لتحقيق التمكين الاقتصادي للمرأة، وأن يطرح سؤال ما هي الآثار المترتبة عن انعتاق المرأة، وما الذي يجب فعله لتجسيد مثل هذا التغيير؟”.
وتأسف الباحثة لعدم التركيز على الاقتصاد النسوي في التدريس والبحث، رغم أنه يعدّ مصدرا هاما لتعزيز المعرفة وتوفير التشخيص والحلول المختلفة للمشاكل الاقتصادية المعاصرة.
وتبدو ملاحظات موريل مبررة، إذا ما عرفنا بأن بعض البلاد الأوروبية كانت تشترط، إلى غاية منتصف الخمسينيات، استقالة موظفات الوظيف العمومي بمجرّد زواجهن. أضف إلى ذلك حالات التمييز في الأجور (ما زالت المرأة إلى تحصل على أجر أقل من أجر الرجل ويتجلى ذلك في القطاع الخاص)، إلى جانب التمييز المهني (المهن التي توفر فرص عمل للمرأة لا تتعدى نصف عدد المهن الإجمالي).
من جهتها، تستشهد الباحثة الأردنية ميادة أبو جابر بدراسة مفادها بأن إشراك المرأة في الاقتصاد سيؤدي إلى ارتفاع الناتج القومي بمنطقة شمال أفريقيا والشرق الأوسط بنسبة 0.5 بالمائة إلى 1 بالمائة، وتتحدث ذات الباحثة عن معوقات ملموسة وأخرى غير ملموسة تقف أمام إدماج المرأة في عالم الشغل، فالملموسة يمكن أن تتحدّد في نقص دور الحضانة، أو نقص النقل وما إلى ذلك، أما غير الملموسة، وهي الأكثر وقعا وتأثيرا، فهي الضغوط الاجتماعية، والرفض الاجتماعي لفكرة عمل المرأة، والأفكار المغلوطة المتعلقة بكون النشاط الاقتصادي للمرأة قد يؤدي إلى تفكك الأسرة.
فإذا كان عمل المرأة قد يؤدي إلى التفكك الأسري، فإن ظروف الاقتصاد العالمي التي تدفع الرجل إلى القيام بأكثر من وظيفة لسدّ حاجيات الأسرة، قد تؤدي إلى تفكك هذه الأخيرة أيضا، ما دام الرجل دائم الغياب عنها.
وهكذا، فإن الاقتصاد النسوي يأتي بأفكار تعارض بعض أسس النظريات الاقتصادية التقليدية، أو ما يطلق عليه بـ«الاقتصاد الأرثوذوكسي”، الذي لا يعترف مثلا بالقيمة الاقتصادية للعمل المنزلي (مثل تربية الأطفال)، إذن فالاقتصاد النسوي، من خلال هذه الفكرة، ينتقد بطريقة مباشرة مفهوم “التقسيم الجنسي للعمل”، ويرفض أن يختص الرجل اجتماعيا بمجال “الإنتاج” (الرسمي) أين يقوم بعمل معترف به ويكافأ عليه بمقابل مادي، فيما تختص المرأة بمجال “إعادة الإنتاج” العائلي، (غير الرمسي والخصوصي)، أين يقام بالعمل غير المعترف به، وغير المأجور. ويخلص تيار الاقتصاد النسوي إلى كون سوق العمل “ليس فقط رأسماليا وإنما هو “أبوي” (بطريركي) كذلك”.
وليس هذا الاهتمام بدور المرأة الاقتصادي حديث العهد، ففي الستينيات طورت نظريات حول رأس المال البشري و«اقتصاد الأسر المعيشية الجديدة”، والذي طبق للمرة الأولى مفاهيم ونماذج السوق في تحليل إنتاج الأسر المعيشية، ومسألة تخصيص الوقت.
وقد استخدمت هذه الأدوات الجديدة لتوضيح تقسيم العمل على أساس الجنس وسلوك السوق لأفراد الأسرة، والفروقات بين الذكور والإناث. وفي السبعينيات والثمانينيات تم تطبيق هذه المفاهيم في تحليل آخر للتمييز القائم في سوق العمل، ونماذج التفاوض في الأسر، التي سمحت بإدخال أبعاد القوة والصراع في صنع القرار. وفي الوقت نفسه فإن الجدل القائم في الستينيات حول تعويضات العمل المنزلي، واجتماعات الأمم المتحدة خلال “مؤتمر العشرية من أجل النساء Decade For Women 1985-1976”، كل هذه النقاشات زادت في شعبية مفهوم الإنتاج الاجتماعي. وأسهمت كل هذه العوامل في تقدير الدور المحوري للعمل النسائي في القطاع الإنتاجي.
كما ألقى العديد من الكتاب الضوء على “التحيز الجندري” الملازم لنماذج الاستقرار الحيادي والتعديل الهيكلي، وقد جاءت المعالجة الأساسية للتحيز الجندري غير المقصود والذي يتبع حيادية مزعومة للاقتصاديات الكلّية على لسان ألسون عام 1991 في كتاب “التحيز الذكوري في الاقتصاد الكلّي: حالة التعديل الهيكلي” في مختارات تم تحريرها من قبل المؤلف نفسه تحت عنوان “التحيز الذكوري في صيرورة التنمية”.