نبيل جمعة خبير اقتصادي لــ «الشعب»:

تنظيـم الســوق الموازيــة مرهـون برقمنـــة المعاملات الماليــة

حاورته: فضيلة بودريش

اعتبر نبيل جمعة أولويات المرحلة الحالية والمقبلة، تتمثل في إرساء برنامج اقتصادي جديد وفرض إصلاحات حقيقية يتم فيها تبني سياسة تنموية مستحدثة، مشددا في سياق متصل على ضرورة إعادة النظر في السياسة النقدية، ودعا إلى الاستفادة من النقائص الفنية والتقنية السابقة، حتى يتسنى تحقيق الاقلاع الاقتصادي، منتقدا سياسة تسيير المؤسسات في السابق كونها كانت تركز أكثر على الاستيراد، وحاول تقديم بعض المقترحات من بينها رقمنة المؤسسات والتعاملات المالية.
- الشعب: كيف ترون حالة الوضع الاقتصادي في ظل وباء كورونا؟
  نبيل جمعة: يصعب وصف  الوضعية الاقتصادية الحالية بشكل حقيقي، في ظل غياب المعلومات الدقيقة والإحصائيات التي تعكس طبيعة النسيج الصناعي، أمام غياب رقمنة  وترقيم للشركات، لكن على ضوء المؤشرات الظاهرة، فإن الوضع يمكن وصفه بالصعب، وبوادر الأزمة ليست سحابة عابرة ومجرد تحدي  مؤقت، بل يتطلب الأمر التعامل معها بوسائل علمية، أي من خلال الرقمنة واستغلال مزايا التقدم التكنولوجي، على خلفية أنه في عام 2012 كان يمكن أن يتجسد  مشروع يجمع كل من بنك الجزائر ووزارة المالية ووزارة المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، يتمثل في إنشاء بوصلة لتنقيط وتصنيف الشركات، مثل باقي دول العالم، لتسهيل عملية التعرف على مكامن قوة وضعف النسيج الصناعي، ومن ثم يمكن للحكومة من خلال وزارة المالية على ضوء ذلك أن تدرك، إن كانت هذه المؤسسات تستحق الاستفادة من القروض أم لا، وإن كانت بالفعل تحقق أرباحا وتساهم في خلق القيمة المضافة، أي تحديد مكانتها الحقيقية في المسار التنموي، ولأن التصنيف يكون بمثابة المفتاح والمرآة العاكسة لكل صغيرة وكبيرة، خلال تفاقم أي أزمة، وأمام ما كان يسجل من تهرب جبائي، لذا من الضروري في ظل وجود حكومة جديدة ووزارة استشراف، توفير الوسائل المادية والتقنية لتقييم كل ماهو موجود حتى ترسم ملامح المسار التنموي وتتضح الرؤية الاقتصادية.
وينبغي الاستفادة من التجارب السابقة وحتى لا تتكرر ظاهرة المؤسسات التي تم إنشاؤها ولم يقيم لا أدائها ومردودياتها ولا إضافتها، رغم استفادتها من القروض والمزايا والتسهيلات الجبائية، في وقت تحتاج فيه الجزائر إلى ما لا يقل عن 2 مليون مؤسسة، من أجل مواجهة تحدي كبح الاستيراد، وحتى العنصر البشري بحاجة إلى تأهيل وتكوين أمام غياب معاهد للتدريب، ولا يخفى أن التحدي القائم يكمن أنه لو تدخلت الدولة فإن الدين الداخلي سوف يرتفع، علما أننا في ظرف 5 سنوات أنفقنا نحو 134 مليار دولار أي ايرادات الصرف انتهجت منحى تنازلي منذ عام 2014.

تغيير طريقة التسيير

- ماهي الحلول الممكنة لتجاوز الأزمة؟
  من أولويات المرحلة الحالية والمقبلة وضع برنامج اقتصادي جديد وتبني سياسة تنموية مستحدثة، مع ضرورة إعادة النظر في السياسة النقدية،وينبغي فوق كل ذلك الاستفادة من النقائص الفنية والتقنية السابقة، حتى يتسنى تحقيق الإقلاع الاقتصادي، وتغير الوجهة حيث في السابق سياسة تسيير المؤسسات، ركزت أكثر على الاستيراد، لذا اليوم يسجل تدهور في الإنتاج، وهذا ما يتطلب بمراجعة طريقة تسيير المؤسسات الصغيرة والمتوسطة.
- اين الخلل ونقاط الضعف في أداء المنظومة المالية والمصرفية؟
 يتضمن برنامج الحكومة إصلاح قطاعات المالية والجباية والجمارك، ونقترح إعادة النظر في نظام التوطين البنكي لتفادي أي ذهنية أو سلوك بيروقراطي قد يشجع على الفساد، ويؤثر بشكل سيء على مناخ الأعمال، ونحتاج إلى سقف عال من الشفافية في هذه القطاعات المهمة، عبر نظام رقمنة واستغلال البرمجيات التي تستعمل في الهواتف النقالة، ويمكن لجميع التحويلات المالية أن تتم عن طريقها، ونتفادى بذلك استيراد وسائل الدفع بالبطاقات التي كلفت الخزينة 5000 مليار سنتيم، لكن هذه البرمجيات سعرها ارخص وفوائدها مدهشة، لأنه يوجد 40 مليون شريحة هاتف نقال، ويمكن للراتب الشهري للعمال والموظفين أن يرسل مباشرة عبر الهاتف النقال عبر هذه البرمجيات ويمكنه أن يسدد من الهاتف جميع الفواتير، حتى نشجع دخول الأموال التي يتم تداولها خارج المنظومة الرسمية، أي تنشط في الاقتصاد الموازي وقيمتها التقريبة تصل إلى 50 مليار دولار، وبالرقمنة نتخلى تدريجيا عن الورق المالي والمعدني ولا نحتاج فيها مستقبلا إلى عملية طبع النقود، وفي نفس المقام أشير إلى أنه لو الدول الناشئة تبنت هذا الأسلوب وانتهجت مسار الرقمنة فإنها تحقق نموا وازدهارا كبير يخرجها من دائرة الإخفاق والتخلف.

أنموذج اقتصادي جديد

- ماذا عن رهانات الحياة الاقتصادية أمام انهيار أسعار النفط؟
  نحتاج إلى تبني نموذج اقتصادي جديد لتنويع الاقتصاد، بداية من إنشاء نسيج واسع في اقتصاد المعرفة، وتسطير سياسة صناعية واعدة خاصة كل ما تعلق بالصناعات الجديدة الموجهة للصناعات الصغيرة والمتوسطة وكذا الناشئة. وربما يمكن حاليا استخلاص الدروس بسبب فيروس كورونا حيث صارت حتمية التركيب الصناعي محليا ضرورة ملحة، ويفترض أن تهتم الجزائر كثيرا بالتركيب الصناعي الاستراتيجي من خلال رؤية ثاقبة مضمونة النتائج، لأننا أمام أزمة عالمية فريدة من نوعها بسبب الوباء، بل تختلف كثيرا عن الأزمة العالمية لعام 1929 والتي كانت بسبب الركود، بينما اليوم المشكل لا وجود لا للعرض ولا للطلب، حيث سجلت تخمة في عرض النفط بنحو 30 مليون برميل يوميا بينما المخزون النفطي العالمي بلغ 100 مليون برميل.
هذا من ناحية ومن ناحية أخرى يمكن إرساء إصلاحات في القطاع الزراعي لتحقيق الاكتفاء الذاتي خاصة أن روسيا بفعل جائحة كورونا، قررت توقيف تصدير منتوج القمح، وبداية الإصلاح تنطلق من إعادة مسح للأراضي الفلاحية واسترجاع مساحات واسعة وزعت ولم تستغل من طرف أصحابها بل بعضهم أجرها لفلاحين، وحان الوقت للاستفادة من التقدم العلمي في القطاع الزراعي، وفي هذا المقام أقترح بالنسبة لجميع المؤسسات سواء كانت ناشطة في قطاعات الفلاحة أو الصناعة أن يحضر برنامج عمل لمدة 30 سنة وترافق هذه المؤسسات بالتقييم والدعم والمرافقة، حتى تتسع وبعد ثلاثة عقود تصبح عملاقة، وكل ذلك يحتاج إلى استشراف. وخلاصة القول أن فيروس «كوفيد19» يمكن أن يكون فرصة أخرى من أجل تغيير مباشر وجذري يسمح بإرساء إستراتجية صناعية ومراجعة عدة نصوص تشريعية.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19628

العدد 19628

الأربعاء 20 نوفمبر 2024
العدد 19627

العدد 19627

الثلاثاء 19 نوفمبر 2024
العدد 19626

العدد 19626

الثلاثاء 19 نوفمبر 2024
العدد 19625

العدد 19625

الإثنين 18 نوفمبر 2024