الأجور والرؤية الاقتصادية

جمال أوكيلي

يفتح ملف الثلاثية الحكومة، المركزية النقابية وأرباب العمل، في غضون الأسابيع القادمة، لدراسة المحاور الاجتماعية المعدة لهذا الغرض، منها مسألة الأجور ونقاط أخرى ذات أهمية قصوى، نظرا لرغبة الأطراف المشاركة الفصل فيها بشكل نهائي، كونها في كل مرة تثار وتطرح على بساط البحث.
وقبيل هذا الموعد الحاسم، الذي يأتي في ظرف خاص كالرئاسيات، فإن كل التصريحات الأولية تصبّ في قناة الحرص على ترقية وتدعيم المكاسب لصالح العمال الجزائريين وفق المبدإ الأساسي ألا وهو حماية قدرتهم الشرائية والحفاظ على مستواهم المعيشي باتجاه الاستقرار في مسارهم المهني وتعزيز مناصب عملهم واستفادتهم من كل الخدمات الصحية.
هذا هو الإطار العام الذي عملت السلطات العمومية على توفيره لفئة العمال من خلال السياسة المتبعة في الميدان وهذا بتخصيص ٤٨٠٠ مليار دينار للتحويلات الاجتماعية، وهو رقم لا يتطلب أي تعليق إضافي، ماعدا القول بأن هناك توجها قائما بذاته عبارة عن منظومة متكاملة تراعي كل الجوانب التي تتكفل بالأشخاص، مهما كانت وضعيتهم، عن طريق إدراجهم وإدماجهم في سلسلة من التعويضات أو في هياكل طبية لمتابعتهم، ناهيك عن التغطيات الأخرى التي تزداد توسّعا لتكتمل هذه الدائرة وفق رغباتهم العميقة.
وامتدادا لهذه الحماية الاجتماعية، فإن مفهوم الزيادة في الأجور قد يتغير خلال الاجتماع القادم للثلاثية وهذا بربط المطلب بشروط اقتصادية، منها الإنتاجية والنمو وبهذا نكون قد دخلنا في منطق جديد؛ إقامة علاقة وطيدة بين المؤسسة والراتب. هذه الرابطة الجدلية هي التي ستحدد آفاق هذا الخيار إن كان مبنيا على الزيادة أو شيء آخر. وهنا تعود المبادرة الى المستخدم أو صاحب العمل في رؤية مدى قدرته على الالتزام بذلك أم لا واستحداث الفرز في عملية الرفع من الأجور وآليات ذلك.
حتى وإن كانت العملية صعبة أحيانا ومعقدة في أخرى، إلا أن الجهات المسؤولة تود الخروج أو التخلص من “تدخل الإدارة” في هذا العمل الاقتصادي وترك المبادرة للمؤسسة في تقييم إمكاناتها في هذا المجال، وتشجيع العمال على بذل المزيد من الجهد لخلق الثروة والقيمة المضافة المتعارف عليها في أبجديات التسيير.
هذا المنطق لابد من التوصل إليه وبلوغه مهما كان الأمر، لأن الزيادات الأخيرة خلال الثلاثيات والثنائيات المتعلقة بهذا الجانب، بلغت سقفا لا يمكن تجاوزه مستقبلا من حيث النسبة التي قفزت إلى أكثر من٥٠٪ ومست أعدادا كبيرة من العمال مع مخلفات المستحقات، لذلك فإن ما يعرف ببند ٨٧ مكرر، قد لا يتم مراجعته أو إزالته، كونه سيكلف الخزينة تعويضات قدرت فيما سبق بحوالي ٨٠٠ مليار دينار وهذا ما تم رفضه خلال اللقاءات السابقة للحكومات المتعاقبة مكتفية بالزيادات المعروفة، وتحسين قيمة الأجر الوطني القاعدي المضمون المحدد بـ١٨ ألف دينار.
هذا المسعى لم يتوقف عند هذا الحد، بل إن التقييم أو الحصيلة التي أعدتها الأمانة الوطنية للاتحاد العام في فيفري ٢٠١٢، كشفت أنه خلال ١٢ سنة، أي من ٢٠٠٠ إلى ٢٠١٢، استفاد ٥٫٦ ملايين أجير من زيادات، أي ١٫٨ مليون موظف قدرت بـ٦٥٪ و٣٫٨ ملايين في القطاع الاقتصادي (٢٫٥ مليون في العام و١٫٢ مليون في الخاص) بنسبة ٥٤٪. وبالتوازي مع ذلك، تم إبرام ٢٥٢ اتفاقية جماعية خاصة بالفروع، و١٨٣٠ خاصة بالمؤسسات و٧٨١٣ اتفاق في المجال الاقتصادي. وقد تم رفع الأجر الوطني الأدنى المضمون بنسبة ٣٠٠٪ منذ الفاتح ديسمبر ١٩٩٨. كما ارتفعت نسبة المعاشات بـ٥٥٪. هذه الأرقام وغيرها تبين الحجم الكبير للمجهود الذي بذل من أجل حماية القدرة الشرائية للعمال والحفاظ على مستواهم المعيشي وكذلك مناصب عملهم.
ولابد من التأكيد بأن السياق الاقتصادي الراهن في الجزائر تغير  جذريا، بجعل المؤسسة محور كل الحركية. وهذه الأخيرة لابد أن تحل محل الإدارة، لأنها خاضعة لقانون الإفلاس. وفي هذه الحال، فإن عامل الحذر ضروري في كيفية تسيير أحوالها، حفاظا على ديمومتها وصلابتها المالية. وضمن هذا الواقع، فإن الزيادات المرتقبة لا تخرج عن نطاق الانتقاء الصارم الذي لا يضر بالمؤسسة، حتى وإن كان هناك مبدأ التعميم فذلك يكون على مراحل وآجال محددة، أي إبعاد الاستعجال أو الآنية. وهذا يكون وفق عقد نجاعة واضح يأخذ بعين الاعتبار ما وصلت إليه المؤسسة من تطورات في مداخيلها المالية وهذا بالتخلي عن كل الطرق القديمة في الزيادات.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19628

العدد 19628

الأربعاء 20 نوفمبر 2024
العدد 19627

العدد 19627

الثلاثاء 19 نوفمبر 2024
العدد 19626

العدد 19626

الثلاثاء 19 نوفمبر 2024
العدد 19625

العدد 19625

الإثنين 18 نوفمبر 2024