للجزائر الإمكانيات لتجاوز الظّرف في ظل أوضاع إقليمية وعالمية تستدعي اليقظة
في قراءته لمؤشّرات أحكام المشروع التمهيدي لقانون المالية 2019، الذي صادق عليه مجلس الوزراء في اجتماعه الأخير، أوضح الخبير الاقتصادي عبد الرحمان مبتول في حوار لـ «الشعب»، أنّ الوثيقة المرجعية للسنة المالية القادمة تحافظ على التوازنات الكبرى مع تعزيز خيار توسيع الميزانية، ويقترح جملة حلول يمكن أن يقود توظيفها الجيد ضمن رؤية إستراتيجية دقيقة إلى تجاوز الظرف الصعب بعيدا عن خيارات ظرفية. ويعتبر أن التحدي في السنوات القادمة 2018 - 2020 - 2030 يتمثل في الحرص على إنجاح الإصلاحات التي تتّسم بآثار صعبة أو مؤلمة على حد تعبيره في المدى القصير، لكنها تحمل أملا عريضا في المديين المتوسط والطويل للأجيال القادمة، كما أضاف. وأكّد برؤية استشرافية هادئة أن للجزائر كافة الإمكانيات للنجاح، وتجاوز الوضع القائم الذي تنجم عنه سلبيات اقتصادية تحمل مخاطر قد تصل إلى حد عدم القدرة على التسديد، خاصة وأن صندوق النقد الدولي يتوقع أن يكون احتياطي الصرف بالعملة الصعبة في حدود 12 مليار دولار سنة 2022 في ظل أوضاع إقليمية وعالمية تستدعي اليقظة والمبادرة المحلية لتجاوز الصعوبات تفاديا للوقوع في كماشة المديونية الخارجية مجددا، وهو المآل الذي تحرص الدولة على عدم الوصول إليه من خلال حشد تجنيد كل الطاقات التي تتوفر لإنجاز التحول الاقتصادي عبر جسر النمو.
❊ الشعب: ما هي أبرز المؤشّرات التي يحملها مشروع قانون المالية 2019؟
❊❊ البروفيسور مبتول: تمّ اعتماد المشروع التمهيدي لقانون المالية 2019 على أساس سعر برميل النفط بـ 50 دولارا ومعدل صرف بـ 118 دينار لـ 1 دولار مقابل 115 دينار في 2018، إلى جانب معدل نمو بنسبة 2,6 بالمائة (3,4 بالمائة في 2020 و 3,2 بالمائة في 2021) وكذا نسبة تضخم بـ 4,5 بالمائة (3,9 في 2020 و3,5 بالمائة في 2012). أما إيرادات الميزانية تقدر بـ 6.507,9 مليار دينار بزيادة 0,2 بالمائة مقارنة بالإيرادات المتوقعة لاختتام سنة 2018، أما المصاريف فتقدّر في المشروع بـ 8.502,2 مليار بانخفاض 1,5 بالمائة مقارنة بالسنة الجارية، ممّا يترتّب عنه عجزا في الميزانية بنسبة 9,2 بالمائة مقارنة بالناتج الداخلي الخام. ان نفقات التسيير يرتقب أن ترتفع بـ 7,5 بالمائة لتصل 4.954,5 مليار دينار، فيما نفقات التجهيز فإنها بالشكل التالي 2.601,7 مليار دينار لرخص البرامج (انخفاض 6,1 بالمائة) و3.547,7 مليار لاعتمادات الدفع (-12,2 بالمائة) مقابل 4.043,3 مليار للسنة الجارية. وتقدر اعتمادات الدفع الموجهة للاستثمار بمبلغ (1.486,3 مليار دينار) تركز بنسبة 71 بالمائة في ثلاث قطاعات هي دعم السكن، الفلاحة والري إلى جانب المنشات الاقتصادية والإدارية. وبالنسبة لصادرات المحروقات فإنّها تقدّر بـ 33.2 مليار دولار أمريكي، أي بانخفاض نسبته 1 بالمائة مقارنة باختتام السنة المالية 2018، وبـ 34.5 مليار دولار في 2020 و35.2 مليار دولار سنة 2021، بينما الواردات من البضائع فإنّها تقدّر بـ 44 مليار دولار(ارتفاع طفيف مقارنة بتوقعات قانون المالية التكميلي 2018)، لكن 42.6 و41.8 في 2020 و2021، في حين يتوقّع أن يكون العجز التجاري في حدود 10.4 مليار دولار في 2019، ويتراجع إلى 8.2 مليار دولار في 2020 ويتراجع أكثر إلى 6,4 مليار دولار في سنة 2021. غير أنّ الوثيقة المرجعية ليست الميزان التجاري، وإنما ميزان المدفوعات الذي يدرج في حساباته خروج العملة الصعبة بعنوان الخدمات (9 / 10 مليار في السنة)، بالإضافة إلى التحويلات القانونية لرؤوس الأموال بالنسبة للمؤسسات الخاضعة لقاعدة 49 / 51 وتتراوح بين 3 إلى 5 ملايير دولار في السنة ممّا يعطي ناتجا لخروج العملة الصعبة سنويا بين 55 إلى 60 ملايير دولار، ووفقا لذلك فإن رصيد ميزان المدفوعات تكون بحوالي (-17.2 مليار دولار في 2019)، (-14.2 مليار دولار في 2020)، و(-14 مليار دولار في 2021). ويضاف إلى هذا التحويلات الاجتماعية المدرجة في الميزانية لسنة 2019، التي ترتفع إلى 1772,5 مليار دينار تمثل 8,2 بالمائة من الناتج الداخلي الخام. نتيجة لذلك سوف تتأثّر احتياطات النقد الأجنبي (العملة الصعبة) لتقدّر بـ 62 مليار دولار في 2019، 47,8 مليار دولار في 2020 و33,8 مليار دولار في 2021. ويكون العجز في الخزينة بحوالي 18 مليار دولار وفقا للمشروع التمهيدي لقانون المالية موضوع الحوار، ولذلك يجب أن يكون سعر النفط بحوالي 90 / 100 دولار للبرميل لتفادي اللجوء إلى احتياطي العملة الصعبة دون إغفال أن 33 بالمائة من إيرادات الشركة الوطنية للمحروقات سوناطراك مصدرها الغاز الطبيعي، الذي يتراوح سعره بين 2,8 و2,9 دولار للوحدة الحرارية (mbtu) بانخفاض حوالي 40 بالمائة مقارنة بسنة 2010. ومن المفيد من باب المقارنة التذكير بالتقرير الأخير للبنك العالمي الصادر في 3 أكتوبر 2018، الذي يتوقع أن يسجّل الاقتصاد الجزائري نسبة نمو بـ 2,5 بالمائة سنة 2018 مقابل ١ ، ٦ بالمائة في 2017، خلافا لتوقع أول بـ 3,5 كما تضمنه تقرير سابق لنفس الهيئة الدولية الصادر في أفريل 2018. أما لسنة 2019 فيتوقع نموا بمعدل 2,3 بالمائة، ممّا يحمل هاجس البطالة مقارنة بالنمو الديمغرافي.
ودائما حسب البنك العالمي، فإن عجز الميزانية يتوقع بـ (- 6,9 بالمائة) من الناتج الداخلي الخام في 2018 مقابل (-9 بالمائة) في 2017 و (-5,8 بالمائة) من الناتج الداخلي الخام في 2019 و(-4,5 بالمائة) في 2020.
غير أنه يجب القول أن هذه المعطيات عبارة عن تقديرات تستوجب اعتماد بسرعة إصلاحات هيكلية عميقة، كون التباطؤ المحتمل للانتعاش العالمي في 2020، والغموض السائد حول الاستثمارات والاستهلاك في القطاع البترولي يمكن أن يؤثر على الطلب، وبالتالي تسجيل انعكاسات سلبية على الاقتصاد الجزائري المرتبط بتقلبات أسعار المحروقات.
❊ ما هي في تصوّركم الحلول الممكنة لمواجهة التوتّرات المحتملة في الميزانية على مدى الفترة 2018 / 2021؟
❊❊ حقيقة مع نفاد صندوق ضبط الإيرادات بنهاية 2017، يطرح السؤال حول أدوات مواجهة متطلبات الإنفاق مقابل محدودية الدخل. لذلك أرى أنّه يجب اعتماد خط سير حذر وفقا لجملة إجراءات ألخّصها في 8 تدابير حلول، أولا: تخصيص مستهدف للموارد المالية وترشيد النفقات (اقتصاد التسيير) سواء للعملة الصعبة أو الوطنية مع مكافحة بفعالية ضد الأعباء الإضافية والفساد. ثانيا: التوجه إلى إصلاح للنظام الضريبي مع إدخال ميكانيزمات شفافة إلى الفضاء الموازي بعيدا عن أي تصرف إداري بيروقراطي. ويتضمّن المشروع في هذا المجال مجابهة بعض المصادر الضريبية من بين المؤسسات منها تلك التي لديها علاقات تجارية مع شركات استشارة ومساعدة تقنية، مالية ومحاسبة مقيمة بالخارج. وتمّ إدراج أحكام في شكل رسوم ضد التعسف ومكافحة تهريب العملة، وينبغي اعتماد ضرائب أخرى على المؤسسات التي تلجأ إلى المناولة في قطاعات مختلفة منها الأشغال العمومية للحد من الغش وتهريب العملة. ثالثا: استعمال انزلاق العملة الوطنية الدينار كي لا نقول تخفيض قيمته، التي انتقلت من 75 دينار لواحد دولار قبل ثلاث سنوات إلى 118 دينار لواحد دولار و1 أورو مقابل 135 دينار ممّا يشكّل ادّخارا مرغما، ذلك أنه بالنسبة للدولار فيرفع الضريبة البترولية (بيع بالدولار) وللأورو الضريبة العادية. رابعا: السحب من احتياطي الصرف للجزء الخاص بالعملة الصعبة، والذي لديه فترة ارتياح لثلاث سنوات بالنظر لواردات السلع والخدمات غير القابلة للضغط، علما أن إرساء اقتصاد إنتاجي يتطلب فترة 5 سنوات على الأقل. خامسا: تشجيع الاستثمار الأجنبي المباشر ممّا يستوجب رفع المعوقات البيروقراطية الخانقة من خلال شراكة ذات ربح مشترك بعيدا عن الخلط مع الاستدانة الخارجية، ممّا يخفّف من خروج العملة الصعبة شريطة أن يشمل هذا الفروع الإنتاجية ذات التنافسية. سادسا: وضع سياسة للدعم والتحويلات الاجتماعية المركزة ما بين المهن والمناطق، وستضمن المشروع في نفقات الكهرباء تقليص بنسبة 60 بالمائة لفواتير سكان الجنوب. غير أنه مستقبلا لا يمكن تحمل تعميم الدعم الذي أظهرت تحليلات شملت الاستهلاك وبنية المستفيدين انه يذهب أكثر لغير مستحقيه. سابعا: تأطير الحل الظرفي للإصدار النقدي (التمويل غير التقليدي)، وإن كان هذا الإجراء غير متعلق بالجزائر فقط، فإنه يجب توجيه الوارد إلى القطاعات المنتجة للقيمة المضافة لتفادي هاجس التضخم المدمر للنمو. ثامنا: لتفادي الانعكاس المأساوي لانهيار أسعار النفط كما حصل في 1986، فإن الحل الدائم الذي يتمثل في وجود رؤية إستراتيجية لإرساء اقتصاد متنوع في إطار المعايير الدولية، مع مكافحة شديدة للفساد الذي يتم عن طريق تضخيم الفواتير، وأخلقة الحياة تسيير المدينة بمعنى التسيير الراشد أو الحوكمة. وبالمناسبة أشير إلى كلفة تركيب السيارات مثلا، حيث بلغت الفاتورة 1.83 مليار دولار في 8 أشهر الأولى من 2018 مقابل 963,86 مليون.