10 محاور تكفل تسريع نهضة الاقتصاد الجزائري
ترنو الجزائر إلى تحقيق مرتفع ومستدام بعد أن انتقلت من بوتقة الركود الشامل قبل 2020م، إلى ديناميكية إنتاجية فعّالة ومستقرّة، في ضوء رؤية رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون، وهي الرؤية التي ارتقت بوتيرة النمو الاقتصادي إلى مستويات عالية، وجعلته يتبوّأ مراتب قارية متقدمة في تصنيفات صندوق النقد والبنك الدولي.
يرى أستاذ العلوم الاقتصادية وعلوم التسيير بجامعة وهران 2، البروفيسور بلقاسم زايري، أنّ العهدة الرئاسية الثانية لرئيس الجمهورية، بدأت في ظل بروز العديد من التحديات والتحولات الجيوسياسية في العالم، المُؤثِّرة بشكل أو بآخر على عملية التّحوّل الاقتصادي الإيجابي الجارية منذ سنوات على الأمدين المتوسط والطويل.
وقال زايري في تحليل خصّ به “الشعب”، إنّ التحولات والإصلاحات الاقتصادية تتأسّس على نظرة استشرافية طويلة الأمد، وحتى يتواصل التّحوُّل الاقتصادي الحالي بأكثر سلاسة، وتكاليف مالية واجتماعية أقلّ، يرى الباحث زايري أنّه يستند على 10 محاور لبلوغ الغايات المسطّرة، أوّلها الاستمرار في خطة إعادة النظر في نموذج النمو والتنمية القائم على الريع “قطاع المحروقات”؛ كونه يمثل المحرك الأساسي لكل ما يأتي من عناصر، ثمّ التحول إلى نموذج تراكمي يعتمد على تنويع عائدات الدخل الوطني.
وأردف زايري: “تملك الجزائر من القطاعات ما يمكن أن يساهم في تحقيق نهضة اقتصادية سريعة مثل قطاعات الزراعة والسياحة والصيدلة والبتروكيمياويات وسوق الخدمات اللوجستية وغيرها. ولذلك تحرص السلطات العمومية على الجرد الكامل لكل تلك القطاعات حسب إمكاناتها، وقدرتها في تعزيز حجم الناتج المحلي الإجمالي، وتعبئة كل الإمكانات المالية والبشرية من أجل تحقيق التنويع الاقتصادي وبلوغ الرفاهية الاجتماعية. وإذا استطعنا الوصول إلى رفع مساهمة هذه القطاعات بدلالة مساهمة القطاع النفطي الريعي، فإنّنا سنحمي الميزانية العامة للدولة من الصدمات الناتجة عن تقلبات البترول في الأسواق العالمية، وضمان استقرار العائدات الوطنية من مصادر أخرى بديلة وأكثر حماية من ضغوط أسعار الطاقة”.
رقمنـة كافــة القطاعـات
ربط البروفيسور زايري المحور الثاني بإدارة السياسات الاجتماعية، خاصة المرتبطة بحماية القدرة الشرائية ومكافحة التضخم ودعم الأسعار والقضاء على البطالة والتهميش الاجتماعي والفقر، واصفاً إِيَّاهُ بالأمن الاجتماعي؛ لأنّه يرتبط بشكل كبير بتوجّهات السياسات العمومية في مجال حوكمة إدارة النفقات الاجتماعية، وتبنِّي طريقة استهداف الفئات الهشة التي يجب أن تحظى بحماية الدولة، ممّا يتطلّب إعادة نظر في سياسة الدعم، حيث يمكن إرفاق هذه العملية بمنظومة إعلامية مُحيَّنة، وطريقة حديثة لإدارة البيانات والمعلومات الاجتماعية.
أما المحور الثالث - بحسب زايري - فيتعلق بمواصلة عملية التّحوّل الرقمي لكل القطاعات، سواءً بالتحول الرقمي على مستوى الإدارات العمومية لتحسين الخدمات للمستعملين (الجماعات المحلية، المستشفيات، الجامعات، أملاك الدولة وغيرها..)، أو التّحوّل الرقمي على مستوى المؤسسات المرافقة للانتقال الاقتصادي مثل وكالات الاستثمار والجمارك والموانئ وإدارة الضرائب والبنوك، بغية إرساء تحتية سهلة الولوج مثل النافذة الواحدة، وبالتالي تقليل تكاليف التعاملات والاستثمارات بالجزائر، وتخفيف كل القيود التي تحد من نشاط الأعمال والاستثمار التي من شأنها تعزيز بيئة الأعمال، وتحسين صورة الدولة لدى المستثمرين في الداخل والخارج، وأضاف أن هذه العملية تتطلّب صرامة في التطبيق من أجل القضاء على أيّ عملية مقاومة ضد الإجراءات المقترحة.
وعلاوة على ذلك، يرتبط التّحوّل الرقمي بتحسين أداء الجامعات، وكفاءة الموارد البشرية المؤهلة في قطاع التكوين والتمهين، والانتقال من الجامعات التي تعتمد على الكمّ إلى الجامعات الحديثة القائمة على النّوعية، وتحسين مخرجاتها بما يتلاءم مع متطلبات سوق الشغل الوطني، وكذا تعزيز البنية التحتية والاستفادة من الخبرات العالمية، وتشجيع التّوجّه نحو التّخصّصات العلمية العصرية في مجال إدارة البيانات والذكاء الاصطناعي، ونُظم المعلومات والأمن السيبراني، وفقا للمتحدّث ذاته.
الاكتفــاء والأمــن الغذائـي
تحدّث الباحث زايري في رابع المحاور عن الاكتفاء والأمن الغذائي باعتبارهما ضمن أولويات الرؤية الاقتصادية لرئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، في ظل وجود بيئة عالمية تتميز بعدم الاستقرار واضطراب سلاسل الإمداد الدولية، إذ يتعيّن الاستمرار في سياسية تشجيع الشّركات الكبرى الاستثمارية في القطاعات الإستراتيجية التي تمثل نسبة كبيرة من واردات الجزائر الغذائية كالحبوب والحليب، مع دفع الشّركات الخاصة وتحفيزها على الاستثمار الزراعي من خلال حل إشكالية العقار الفلاحي، وتقنين كل الإجراءات والتسهيلات المالية والضريبية والجمركية بغرض تحسين مناخ الاستثمار في هذا المجال ذي القيمة المضافة، خاصة ما تعلق بتوفير عامل المكننة الحديثة.وفيما يخص المحور الخامس، أشار الباحث إلى مكانة الاستثمار في سوق الخدمات اللوجستية (النقل والتوزيع والتخزين)، لاسيما في السنوات الأخيرة التي تعزّزت فيها علاقات الجزائر التجارية والمالية والاقتصادية مع العديد من الدول العربية والأوروبية والإفريقية، ووقعّت على العديد من الاتفاقيات الخاصة بإنشاء مناطق تجارية حرّة، ما يستدعي إنشاء منصات لوجستية، وتعزيز النقل البحري، وصيانة شبكات الطرقات والسكك الحديدية.واعتبر زايري سوق اللوجستيات سوقا واعدة، ومن المهمّ الاستثمار فيها؛ لأنّها تمثل حوالي 8 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، وتخلق ملايين مناصب الشغل المرتبطة بكل مراحل سلاسل الإمداد، وتضمن حركية من شأنها أن تخلق أثرا إيجابيا على نشاط الشركات والأعمال التجارية ما بين الجزائر والدول الأخرى، وسيُولِّد هذا الأمر مداخيل تستفيد منها ميزانية الدولة لتعزيز الإنفاق العمومي، كما أنّ هناك قطاعات أخرى يجب أن تحظى باهتمام كبير ضمن هذه الرؤية الاقتصادية مثل قطاع السياحة، فالجزائر - يقول زايري - تملك من الإمكانات والمؤهلات ما يسمح بأن تتربّع على عرش السياحة في العالمين العربي والإفريقي؛ ذلك أنها تملك من الفرص ما يمسح بتقديم خدمات سياحية حسب الطلب بهذا المجال، فقط لابد من التركيز على تحسين الخدمات، مثلما أضاف الخبير الاقتصادي.
كفــاءة مؤسّسـات التّمويـــل
ويقوم سادس المحاور على تعزيز كفاءة أداء مؤسسات التمويل، فهو يلعب دورا أساسيا في الحلقة الاقتصادية، نظرا إلى أنّ تمويل النشاط الاقتصادي يرتبط بقناتين مهمتين، هما النظام البنكي والأسواق المالية، لذا تمّ إصلاح وتدعيم عمل كلا القناتين، مع جعل البنوك مؤسسات تمويل استثماري حقيقي، وليست مجرد وسيط مالي بالمفهوم التقليدي، وإنّما بنوك استثمار لا يقتصر دورها على تقديم الادخارات من أصحاب الوفرة المالية إلى أصحاب العجز المالي، وتدخل بقوّة في تمويل نشاط الاستثمارات من خلال مساهمات حقيقية.
فضلا عن ذلك، يتعيّن تعزيز عمل بورصة الجزائر لاسيما سوق الاكتتاب، وإنشاء بورصة أخرى للبضائع يطلق عليها “بورصة الجزائر للبضائع”، من أجل تحقيق بعض الأهداف المتعلقة بالقضاء على الاحتكارات والمضاربات، واكتشاف الأسعار، وتثبيت استقرار أسعار السوق، وكذا تحسين طرق وأساليب التمويل البنكي من خلال اعتماد المشتقات المالية وعدم الاقتصار فقط على الطرق التقليدية؛ لأنّ سوق المشتقات هي سوق واعدة بالنسبة للجزائر، وستؤدّي إلى تعزيز المداخيل واستحداث وظائف كثيرة.
وفي المحور السابع، لفت زايري إلى ضرورة تحسين وضعية الشّراكة مع القطاع الخاص، وجعله قاطرة التحول الاقتصادي في الجزائر، لما له من دور إيجابي في خلق جو تنافسي مع القطاع العام ضمن أهداف رفع الناتج المحلي الإجمالي، وستؤدّي هذه الوتيرة إلى وضع معايير أخرى للتنافسية ما بين المتدخلين في قطاع الأعمال والتجارة، تعتمد على الكفاءة ونوعية الخدمة والمنتوج، وتحسين بيئة الأعمال والفعالية والشفافية، والقدرة على التتبع والاستدامة وغيرها.
الحوكمـة الاقتصاديــة والسّياسيـة
أبرز البروفيسور زايري في المحور الثامن المقترح، التركيز على الجوانب المتعلقة بالتحول الطاقوي بالانتقال من الطاقات التقليدية إلى الطاقات النظيفة، والتعويل على المعايير البيئية في مجال الإنتاج والتسويق والتصدير وغيرها، وبلوغ الهدف من هذا يتطلب تخصيص ميزانية مهمة من شأنها تحسين اندماج البلاد في الديناميكية العالمية الخاصة بتعزيز مكانة معايير البيئة ضمن عمليات التجارة والاستثمار والإنتاج والنقل والتسويق والتخزين.
وأشار الباحث في تاسع المحاور، إلى نقطة تحسين المؤسسات أو ما يطلق عليه “الحوكمة الاقتصادية والسياسية”، مع تفعيل دور المؤسسات المنتخبة في عمليات الرقابة الفعالة والشفافية والتّتبّع؛ لأنّ تحسين بيئة الأعمال لا يرتبط فقط بالتشريعات القانونية والحوافز المالية، بل هناك دور آخر لنوعية المؤسسات التي تترافق مع تحسين هذه البيئة، في حين البيروقراطية والفساد المالي والاستحواذ واستغلال السلطة والنفوذ كلها عناصر من شأنها أن تمثل عامل كبح للاستثمار وتشويه بيئة الأعمال لأي دولة، لذلك دعا المتحدث إلى جعل نوعية المؤسسة العمود الأساسي لأي رؤية اقتصادية مستقبلية، ومحركا لتحقيق النمو والرفاهية وتعزيز الوضع الاجتماعي للمواطنين.
وبخصوص المحور العاشر والأخير، أوضح البروفيسور زايري أنّ الرؤية الاقتصادية لا تكون معزولة أو مفصولة عن الأحداث الجيوسياسية في الخارج، فالجزائر هي جزء من المجتمع الدولي، وتؤثِّر وتتأثَّر بكل ما يحدث خارج محيطها وتتفاعل معه، بما يحقّق مصالحها ومصالح المواطنين، ولهذا لابد أن تؤدي الدبلوماسية الاقتصادية دورا كبيرا في تحقيق أهداف هذه الرؤية، وتحويل السفارات إلى عناصر فاعلة في تحقيق الديناميكية الاقتصادية المستقبلية، وفق ما يوائم الحركية التنموية مع أهداف السياسات العمومية على الأمد القصير، المتوسط والطويل.