تضمّنت حصيلة النشاطات الاقتصادية للسنة المنصرمة جملة من المؤشرات بين السلبية التي كرّستها التداعيات العنيفة للصدمة النفطية لتكون هاجسا من جانب والايجابية التي حملتها تشكيلة الاجراءات المرافقة التي اتخذتها الدولة للتقليل من انهيار أسعار النفط وتراجع الايرادات بالعملة الصعبة لتكون ضمن التطلّعات من جانب آخر.
بالفعل سجّل احتياطي العملة الصعبة، الذي يتحمّل عبء مواجهة متطلبات السوق الداخلية الاستثمارية والاستهلاكية، تراجعا ليتوقع بلوغه بنهاية العام 97 مليار دولار تغطي حوالي سنتين استيراد بالوتيرة السابقة قبل اعتماد خيار تقليصه ووضع قائمة بحوالي 900 منتوج ممنوع من الاستيراد. وكان حجم الاحتياطي 103 ملايير دولار في نهاية اوت و105 في نهاية جويلية. كما عرف في نفس الظرف عودة هاجس البطالة التي ارتفعت الى معدل 12 بالمائة، فيما عرف التضخم نفس المنحى بتسجيل معدل 7 بالمائة بينما بلغ ٤ . ٦ بالمائة في سنة 2016.
بالمقابل برزت في المشهد العام للمنظومة الاقتصادية بوادر تصنّف في خانة المؤشرات الايجابية يمكن البناء عليها في المديين القصير والمتوسط لاستدراك تلك المشار إليها، ويتعلق الأمر بجملة من النّتائج التي تستدعي تعميق مفعولها المحدود في السوق حاليا ليكون أكثر فعالية في السنة الداخلة على اعتبار أن إجراءات المنبع المسطرة السنة الأخيرة تثمر في المصب العام الجديد شريطة الحرص على المواظبة على كافة المستويات، خاصة ضمن إطار الشراكة العمومية الخاصة التي تزوّدت بميثاق يرسم المعالم ويمنع أي تعثّر.
ومن بين تلك الأجراءات التي تندرج في عمق مسار التحول، نشير إلى عملية الاصدار البنكي (طباعة النقود) وفقا لمعايير دقيقة كمّا وتخصيصا للاستعمال في مجالات الاستثمار المنتج وإتمام المشاريع الجارية، إرساء خدمات بنكية مطابقة لقواعد الشريعة الاسلامية لتنمية الادخار الداخلي، والرفع من حجم القروض الاستثمارية لقائدة المؤسسات.
في هذا الاطار، تشكّلت مقاربة جديدة لنمط المؤسسة التي يراهن عليها في مواجهة التحديات، والتي تتمثل أساسا في تلك المساهمة في النمو خارج المحروقات التي استعادت نفسها خلال النصف الثاني من 2017 بفضل تحسن معادلة الأسعار في ظل مواصلة الالزام باتفاق البلدان المصدّرة والمنتجة من «أوبيب» ومن خارجها لتخفيض الانتاج، والذي دافعت عنه الجزائر طيلة هذه السنة بعد أن تبلور فيها السنة السابقة.
لم تكن تلك المعطيات وغيرها مصدرا من شأنه أن يفقد الاقتصاد الجزائري بوصلته، إنما شكّلت عوامل تحفيز أدّى إلى الحفاظ على التوازنات رغم هشاشتها الظرفية، خاصة وأنّ ملامح تجاوز المرحلة، وإن كان ليس بالأمر الهيّن، لاحت في أفق آخر العام، ترسمه قناعة لدى كافة الشركاء الاقتصاديين والاجتماعيين بضرورة الالتفاف حول التوجهات الوطنية لتأمين جوهر السيادة المرتبطة في جانب حيوي منها بالأمن المالي، الذي يمثل ركيزة لمستقبل الأجيال في ظل عولمة تستهدف الدولة الوطنية الناشئة.
وبرزت هنا جدوى العلاقة بين المؤسسة في كل القطاعات الاقتصادية بالجامعات والمعاهد التي توفر المادة الرمادية التي تفجر الابتكارات، من خلال تنمية الأبحاث العلمية التطبيقية التي تقدم الاجابات العملية لمعالجة الاشكالات القائمة على مستوى دواليب الجهاز الانتاجي في الصناعة والفلاحة وتكنولوجيات الاتصال الجديدة، وغيرها من القطاعات التي تستنزف الموارد الثمينة بينما يمكن انتاج الكثير منها بمعايير معتمدة تراقبها هيئات مختصة في المعايرة والقياسة حازت الاعتماد الدولي.
لقد واصلت عجلة التنمية الدوران ولو ببطء في فترات من السنة، التي أضفى عليها مناخ الأعمال والاستثمار طابعا جذّابا للاستثمار الأجنبي المباشر بتسجيل اهتمام متعاملين أجانب تأكّدوا بشكل براغماتي من تنافسية السوق الاستثمارية في الجزائر، ممّا يعطي زخما لديناميكية النمو من خلال استجابة الترسانة الاقتصادية الوطنية بجميع مكوناتها للمرحلة بكثير من الجدية في الأداء والالتزام الصّارم والطوعي بقواعد ترشيد النّفقات على كافة المستويات، وتدارك حتمية الاعتماد على الموارد الذّاتية في مواجهة السوق.