يقوم الدّيوان الوطني للأراضي الفلاحية منذ 5 سنوات بجهود جبّارة من أجل حماية العقار الفلاحي من النّهب وعدم الاستغلال أو تحويله عن غرضه لأهداف تجارية أو بزنسة.
ولم يتردّد الديوان خلال عملية المراقبة والمتابعة في التدخل العاجل للحدّ من أي تلاعب في عمليات الاستفادة من الأرض وفلاحتها وفق قاعدة الامتياز، الذي جاء ضمن القانون التوجيهي 10-03 الصادر عام 2010، الذي منح امتيازات كثيرة لمن يخدم الأرض وإعطائها بعدا اقتصاديا يعوّل عليها في معركة الأمن الغذائي كل الرهان.
هكذا ما أكّده ياسين زروال، المدير العام للديوان الوطني للأراضي الفلاحية الذي تأسّس عام 1997 لكنه لم يدخل حيّز التنفيذ الفعلي سوى بدءا من 2011 بصدور القانون التوجيهي الذي حرص عليه رئيس الجمهورية في زيارته لبسكرة عام 2009، وإعلانه عن جملة من القرارات تخص عالم الفلاحة والفلاحين، منها محو مديونية هذه الفئة مشترطا توليهم بحق خدمة الأرض والاندماج في السياسة الوطنية التي تصبّ في رفع المنتوج الغذائي، والتّقليل قدر الممكن من التبعية للخارج في زمن صارت المواد الغذائية سلاحا حادة يستعمل في الابتزاز والاملاءات المهدّدة للقرار السياسي والسيادة.
لكن ماذا جاء به هذا القانون التوجيهي الذي قيل أنّه أكبر المكاسب في القطاع الفلاحي على الإطلاق؟ أيّ مزايا يحملها حتى جعل الفلاحة وجهة للتشغيل والمقاولاتية وليس مجرد قطاع منحصر في الزراعة المعاشية التي غالبا ما تتّخذ قوتا لأصحابها وليس للتسويق الموسع في الداخل والخارج؟ كيف حرّر المبادرات وحفّز الإرادات لدى المواطنين في العودة من بعيد إلى خدمة الأرض وكسر الحواجز والصّعوبات؟
حسب ياسين زروال، فإنّ قانون 10-03 أكبر إنجاز فلاحي على الإطلاق لأنّه حوّل الانتفاع الدائم إلى الامتياز، وفتح المجال للمستفيدين لنيل القروض البنكية وفق تسهيلات عكس ما جرى سابقا حيث أعاق غياب الملكية عملية التمويل وترك المشاريع معطّلة.
من هنا زادت مسؤولية الديوان الوطني وكبرت مهامه وتوسّعت في عملية متابعة مدى تجسيد المشاريع التي حظيت بالمصادقة والتحري حول مدى احترام دفتر شروط العقود، التي بقدر ما هي تحمل تحفيزات تشدّد على التزامات يتوجب احترامها وتطبيقها بلا كلل وملل، وتقدّم إعذارات لكل متقاعس ومتلاعب بعقد الامتياز، وتشمل المراقبة الأراضي التابعة للقطاعين العمومي والخاص، ممّا يعني أنّ هناك استراتجية واضحة المعالم تحرص عليها السلطات العليا من أجل الخروج بالفلاحة الجزائرية إلى أبعد مدى ليس فقط في تموين السوق المحلي بل التصدير.
في عملية المراقبة والمتابعة يخرج أعوان الديوان الوطني عن طريق المحضر القضائي أو عرائض رؤساء المحاكم للميدان للتحقق من عمليات غش وتلاعب باستغلال الأرض، وتمنح للمخل بالعقد سنة لإصلاح الوضع. شرع الديوان في هذه المهام منذ ثلاثة أشهر، بدءا بالأراضي التابعة للدولة ومساحتها 2.5 مليون هكتار قبل امتدادها إلى عقار الخواص المقدر بـ 4 ملايين هكتار. ولم يقم الديوان بعد بعملية تقييم خرجاته الميدانية لإعطاء إحصاءات دقيقة عن الاختلال الواقع في استغلال الأرض التي تحمل قيمة لا تقدّر بثمن.
أحدث القانون التوجيهي 10-03 ثورة في الفلاحة، وغيّر ذهنيات الكثير من الجزائريين الذين أدركوا بعد أزمات طويلة ومحن مستعصية أنّ الأرض هي الأمن الوحيد والضّامن للعيش والتّشغيل والثّروة. حتى الشباب كسّروا التردد وتحرّروا من الكليشيهات السابقة التي ترى في الفلاحة مهنة المتاعب والآلام. وزادت من اندفاع الشباب وحماسهم آليات المرافقة والقروض البنكية، ومراكز التكوين التي اعتمدت برامج وتخصصات تزود الفئة بسلاح المعرفة، العلوم والتقنيات السامحة لهم بخدمة الأرض بصفة عصرية تحتل فيها المقاولة الحلقة الأقوى في المعادلة الفلاحية.